يسجل المغرب حضوراً قوياً على الساحة الإقليمية في شمال إفريقيا، حيث شهد تعزيزاً ملحوظاً لنفوذه، وتوطيداً لعلاقاته الإيجابية، وتحسيناً لصورته الدولية خلال السنوات الأخيرة، ويعود هذا الصعود، بحسب تقرير لصحيفة “هافينغتون بوست”، إلى عاملين رئيسيين: اقتصاد يتمتع بنموٍّ سريع، ودبلوماسية خارجية نشطة.
وفي هذا الصدد، صرح محسن الجزولي، الوزير المنتدب المغربي المكلف بالاستثمار والتقارب وتقييم السياسات العمومية، مؤخرا في مدريد أن “المغرب أصبح قوة اقتصادية إقليمية، ذات اقتصاد حديث ومتنوع للغاية”.
وقد طورت البلاد بنية تحتية ذات مستوى عالمي، وعززت الصناعات التقليدية مثل الصناعة الزراعية والمنسوجات والسياحة، وأنشأت قطاعات مزدهرة مثل صناعات السيارات والطيران، وشدد الجزولي أنه مع وجود أزيد من 50 اتفاقية للتجارة الحرة سارية المفعول، يوفر المغرب الولوج إلى سوق استهلاكية تضم 2,5 مليار نسمة.
وتشير “هافينغتون بوست” في تقريرها إلى أن المغرب، الذي يقع على مفترق طرق البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، يتطور بشكل طبيعي باعتباره “مركزا استثماريا إقليميا ويعمل كبوابة إلى أفريقيا”.
ويسمح هذا الموقع الاستراتيجي للبلاد بتسهيل العلاقات والاتفاقيات بين الغرب (أوروبا وأمريكا الشمالية) والدول الناشئة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، والتي تستعد للمطالبة بدور جديد في عالم اليوم متعدد الأقطاب.
كما أن جغرافية المغرب، بحسب المصادر ذاتها، تضع المملكة على أعتاب كابلات الاتصالات البحرية الرئيسية وتمكنها من العمل كحاملة طائرات لمختلف القوات المسلحة، والمساعدة في المراقبة والدفاع عن أفريقيا والعالم العربي، وقد أدى هذا إلى زيادة الاتفاقيات العسكرية مع الولايات المتحدة.
وسعت المملكة إلى تعزيز قوتها العسكرية من خلال شراء أنظمة صواريخ مدفعية عالية الحركة (HIMARS) وأسلحة المواجهة المشتركة (JSOW) من الولايات المتحدة، بقيمة إجمالية تزيد عن 792 مليون دولار.
وتهدف عمليات الاستحواذ هذه إلى تعزيز قدرات المغرب في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، مع الاستفادة من الدعم الأمريكي المستمر للحصول على ميزة في منافسة المشتريات الحالية في منطقة شمال إفريقيا، وفقًا لشركة جالاكسيا ميليتار.
كما عزز المغرب علاقاته مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة من خلال اتفاقيات إبراهيم، مما أدى إلى تعاون يتراوح بين القطاعات الأكاديمية والتجارية والدفاعية. ومع ذلك، تم تعليق هذه الاتفاقيات بسبب أزمة غزة، حيث ثبت أن دعم أولئك الذين يقصفون “الإخوة الفلسطينيين” لا يحظى بشعبية.
ومع وجود 400 ألف جندي، ونصف مليون جندي احتياطي، ومعدات حديثة بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز F16، والمشاركة السنوية في مناورات الأسد الأفريقي التي تستضيف 20 ألف جندي من 20 دولة، فإن البراعة العسكرية للمغرب تتفوق على الدول الأخرى ذات الوزن الاقتصادي والسياسي المماثل.
وعززت الولايات المتحدة وإسرائيل العلاقات مع الرباط من خلال تأييد خطة الحكم الذاتي للصحراء المغربية باعتبارها الحل “الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لإنهاء النزاع الإقليمي.
كما اتبعت إسبانيا خطى الولايات المتحدة منذ أبريل 2022، معلنة أن الاقتراح المغربي للحكم الذاتي هو المسار الأكثر قابلية للتطبيق لحل دائم وواقعي لنزاع الصحراء. ومع ذلك، تحافظ مدريد على توازن دقيق لتجنب الإفراط في الإساءة إلى الجزائر، نظراً لمواردها من الغاز، وموقعها، ودورها في إدارة الهجرة المتجهة إلى إسبانيا والاتحاد الأوروبي.
وشدد الجزولي على أن القوى العاملة المغربية الشابة والموهوبة، التي يبلغ متوسط أعمارها 28.1 سنة، “مدربة بشكل مثالي لتلبية متطلبات سوق العمل”، وتمتلك البلاد أيضًا سبعة من أصل 24 من المعادن والمعادن التي تعتبر استراتيجية وحاسمة للتكنولوجيا والصناعات العسكرية والغذائية، بما في ذلك الكوبالت والفوسفات، وفقًا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (CESE).
كما يسلط مقال “هافينغتون بوست” الضوء على أن المغرب هو الرائد عالميًا في إنتاج الفوسفات ومن بين أكبر المنتجين الأفارقة للفضة والباريت والكوبالت، ويساهم قطاع التعدين بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، و26% من صادراته، ويعمل به 50 ألف شخص، وتستثمر صناعة السيارات الكهربائية بكثافة في المغرب على وجه التحديد بسبب هذه الثروة الطبيعية.
وتشهد الصادرات الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي نمواً يتجاوز 10% سنوياً، في حين تتزايد الصادرات السمكية العالمية بنسبة تتجاوز 13%، وبدأت السياحة، التي عانت في العالم العربي في أعقاب الربيع العربي، تتعافى، مع تفوق المغرب بشكل متزايد على الجزائر وتونس.
حسبما ذكرت “هافينغتون بوست”، فإنه في عام 2022، استقبلت البلاد حوالي 11 مليون سائح، ويوظف قطاع السياحة بشكل مباشر حوالي 550 ألف شخص، أي ما يمثل 15% من إجمالي السكان النشطين،
ولفت التقرير، إلى أنه على الرغم من التقدم الاقتصادي، تواصل المملكة مواجهة الارتفاعات العالية في مستوى البطالة وعدم المساواة ومؤشرات التنمية المتحيزة، مشيرا إلى أنه وفي حين لا تزال هناك تحديات مثل تآكل الحريات الفردية وقمع المعارضة، فإن موقع المغرب الاستراتيجي ونموه الاقتصادي وتحالفاته الرئيسية وموارده الطبيعية يضعه كقوة عالمية صاعدة في القرن الحادي والعشرين.
تعليقات الزوار ( 0 )