Share
  • Link copied

نقاش مغلوط حول مسألة التطبيع!

لقد واكب المغاربة النفير العام الذي أعلن عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، للرد على مقال تيار ” كلنا إسرائيليون” وتابع الجميع النقاشات التي أعقبت تصريحات مستشارة سابقة لرئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، وهي في المحصلة نقاشات موجهة، وأريد لها أن تكون خلال هذا التوقيت بالضبط، لاعتبارات لا يمكن فصلها إطلاقا عن تطورات الوضع في فلسطين بعد طوفان الأقصى ليوم 7 أكتوبر.

ينبغي أن نسجل أن مصالح الدولة المغربية مع إسرائيل جد معقدة، وعلاقات الطرفين بعد توقيع الاتفاق الثلاثي أصبحت متشعبة، ولم تعد تقتصر على مجال معين، بل توسعت إلى مجالات وقطاعات أكثر  حساسية تشمل الأمن والجيش والمخابرات.

التطبيع لم يكن قرارا خاصا بجهة معينة داخل الدولة، كما يوهمنا البعض بذلك، بل هو قرار للدولة المغربية بكل مؤسساتها التي انخرطت في عملية التطبيع وظيفيا، لأنها تشتغل وفق توجهات السلطات العليا في البلد، وتأتمر بأوامرها، ومن المضحك أن يتم ربط قرارات استراتيجية كبرى مثل قرار التطبيع مع إسرائيل، بعمر أو زيد.

لهذا لا يمكن تسطيح وعي المغاربة وتدويخهم  بالتفاهات التي تروم إلهائهم بما لا ينفعهم على الإطلاق، لأن الدولة تعرف أين تكمن مصالحها، وكيف تتصرف بحس براغماتي  مع القضايا الكبرى التي تتصل بأمنها القومي في التوقيت المناسب، وحراك 2011 ليس ببعيد، حيث أنه بعد عشية وضحاها أصبح للمملكة دستور جديد، وصعد الاسلاميون إلى السلطة بأغلبية غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات في المغرب، وتوسع هامش الحريات إلى حد ما.

من هذا المنطلق، فإن تركيز النقاش حول شخصية وظيفية، أمر لا يستقيم، لاسيما، وأن تلك الشخصية تشتغل وفق ما تؤتمر به من طرف الجهات التي تشتغل لحسابها، وإذا كان البعض يرى فيها أنها تخدم أجندات خارجية، فمن المضحك المبكي أن يعلم ذلك الصحفيون  والجمعويون، ولا تعلم به أجهزة الدولة، إلا إذا كان هناك انفلات وظيفي، وهذا ما أستبعده شخصيا لاعتبارات موضوعية.

المدونة التي عقبت على مستشارة سابقة لمكتب الاتصال الإسرائيلي، هي بدورها، لم تأت بأي شيء جديد، وعندما رمت بورقة “كريس كولمان” فإنها فعلت ذلك للتأكيد على علاقة الشرعي بأجهزة الدولة، مع العلم أن الجميع يعلم بأن الرجل رفع  دعاوى قضائية بسبب تسريبات كريس كولمان ضد صحفيين أجانب وخسرها، وكتب عنه الكثير في الصحافة الوطنية.

السؤال المهم: لماذا لعبت المدونة المعروفة ورقة كريس كولمان وبأي خلفية؟

الراجح في تقديري الشخصي المتواضع أن ورقة كريس كولمان كانت رسالة تحت الطلب لجهات في الدولة مفادها أن (اللحم لا خناز كيهزوه ماليه) وإذا كان الشرعي قد أخطأ تقدير الموقف مما حدث يوم 7 أكتوبر، أو تصرف بتسرع، فلا ينبغي المقامرة به تحت ضغط الرافضين للتطبيع، الذي يبقى قرارا استراتيجيا للدولة في أعلى مستوياتها.

هذا ما فهمته شخصيا، ومن خلال استقراء مواقف الدولة المغربية وردود الفعل الصادرة عنها، مند احداث 7 أكتوبر إلى حدود كتابة هذه السطور، يبدو أن هذه الأخيرة صرفت مواقف متوازنة، ولا تشكل اي إزعاج لإسرائيل، التي تحدت الأمم المتحدة بأمينها العام، وتحدت المحكمة الجنائية الدولية بمدعيها العام، وتحدت العالم بأسره الذي خرج في تظاهرات حاشدة ضد جرائم الحرب وجرائم الإبادة الإنسانية  التي ترتكبها مند 7 أكتوبر، من طنجة إلى جاكرتا، ومن مدريد إلى واشنطن.

الدولة في المغرب براغماتية، وتحسب مواقفها بشكل جيد، وتعرف كيف تتصرف بذكاء في اللحظات الصعبة، والدليل على ذلك هو المواقف التي صرفها الملك محمد السادس في عز الحراك العربي سنة 2011، في الوقت الذي انجر فيه رؤساء دول آخرين إلى مستنقع العنف. إضافة إلى المواقف التي عبر عنها الملك محمد السادس في الكلمة التي ألقيت نيابة عنه في قمة الرياض، والتي تدين تجاهل المجتمع الدولي وصمته عن العدوان الإسرائيلي ضد السكان المدنيين في غزة.

ومهما بدا سقف هذه المواقف عاليا للبعض، فإنه من المستحيل في ظل الوضع الراهن، أن تذهب الدولة في اتجاه قطع العلاقات الدبلوماسة مع  الكيان الإسرائيلي ووقف كل أشكال التطبيع معه على ضوء المؤشرات الراهنة، رغم المواقف المعبر عنها في قمة الرياض، وفي بلاغات وزارة الخارجية أيضا.

الدولة  المغربية على غرار دول اخرى، تتمنى وقف إطلاق النار، لأن استمرار الحرب لمدة أطول، سيخلق لها مشكلة داخلية مع الشارع، الذي لا يمكن منعه من نصرة الحق الفلسطيني، لأن قضية فلسطين قضية معقدة، يتداخل فيها البعد الإنساني بالبعد الديني، والكل يعرف أن لملك محمد السادس هو رئيس لجنة القدس وهو أمير المؤمنين.

وإذا كان تيار “كلنا إسرائيليون” يتعرض للجلد حاليا من خلال المواقف المعبر عنها  شعبيا ورسميا، فإن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي سيستمر، لأن مياه التطبيع تسربت لمسافة طويلة جدا تحت جسر العلاقات المغربية الإسرائيلية، ومن الصعب تجفيفها بسهولة في زمن قصير لان منطق العلاقات الدولية يفرض نفسه على الجميع.

Share
  • Link copied
المقال التالي