Share
  • Link copied

ندوة علمية بالرباط تناقش دور طريق الوحدة في التنمية

شكل موضوع “طريق الوحدة، ورش نموذجي مؤسس وملهم للتنمية في مغرب ما بعد الاستقلال” محور ندوة علمية نظمتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمناسبة تخليد الذكرى الرابعة والستين لبناء طريق الوحدة.

واستعرضت هذه الندوة، التي نظمت يوم الخميس بالفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالرباط، القيمة الرمزية التاريخية والأبعاد الوطنية لورش طريق الوحدة كنموذج حي مؤسس وملهم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية بالبلاد غداة الاستقلال وتحقيق الوحدة بين مناطق الشمال والوسط والجنوب، وتمهيدا لبناء وإعلاء صروح مغرب مستقل موحد وناهض ومتقدم.

وذكر بلاغ للمندوبية السامية أن هذه الندوة العلمية، التي شارك فيها صفوة من الجامعيين والأكاديميين الباحثين وفعاليات المجتمع المدني، في تقيد تام بالتدابير الاحترازية الموصى بها للحد من تفشي وباء كوفيد- 19، خلدت ذكرى بناء طريق الوحدة باعتبار أنها “جسدت مظهرا من مظاهر الالتحام الوثيق بين العرش والشعب وشكلت ورشا للعمل التطوعي على درب البناء والنماء غداة الاستقلال وكانت إنجازا باهرا حطم الحدود المصطنعة وربط بين شمال الوطن وجنوبه”.

وفي كلمة بالمناسبة، استحضر المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، الأدوار الرائدة والطلائعية للشباب المغربي التواق للمساهمة في بناء وتوطيد صروح النهضة والتقدم للوطن، والذي تحدوه الروح الوطنية والمواطنة الايجابية وروح المبادرة والإرادة والتطوعية لمواجهة التحديات وكسب رهانات البناء والتنمية في تلاحم وتمازج بين مكونات المجتمع ووحدة صفها وكلمتها وبلورة قناعاتها وتوجهاتها في بوتقة بناء الاستقلال الوطني وإعلاء صروحه بكل إيمان وعزم وإصرار.

وأبرز السيد الكثيري، في مساهمته التي حملت وسم “طريق الوحدة، نموذج تنموي وتجربة شبابية رائدة في مسار التحرر الاقتصادي والبناء التنموي لمغرب الاستقلال”، أن مشروع طريق الوحدة التاريخي الذي أبدعته عبقرية جيل مغرب عهد الاستقلال في صيف 1957، شكل بحق حدثا جيليا ونوعيا عنوانه التعبئة والتطوع وزاده روح المسؤولية والإيثار والتضحية من أجل بناء الوطن وإعلاء صروحه.

وأضاف المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أن مسألة الوحدة الوطنية تجسدت كأولوية في الأجندة السياسية لأول حكومة وطنية جعلت من مهامها المستعجلة الشروع في مفاوضات الاستقلال الوطني التي اقتضت ظروف تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ خاضعة للحماية الفرنسية وللحماية الاسبانية ولمنطقة الحكم الدولي، أن تجرى مع كل منها على حدة.

كما سلط الضوء على الورش التطوعي الذي عرفه المغرب في السنوات الأولى للاستقلال والذي، لم يكن مشروعا وليدا للحظة أو مقتبسا من تجربة مماثلة أو صادر عن إملاءات خارجية.

وفي سياق ذي صلة، قام السيد الكثيري بالتبئير على حدث بناء طريق الوحدة منذ الإعلان عنه من لدن جلالة المغفور له محمد الخامس، مرورا بالتعبئة الشاملة للشباب المغربي للانخراط في هذا الورش التطوعي الذي وجد في طريق الوحدة ميدانا لتفجير طاقاته وتعويد نفسه على خدمة الوطن والأمة.

وأبرز القيمة الرمزية التاريخية والأبعاد الوطنية التي يكتسيها ورش طريق الوحدة الذي يجسد نموذجا حيا مؤسسا وملهما للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية بالبلاد غداة استقلالها وتحقيق الوحدة بين مناطق الشمال والوسط والجنوب، تمهيدا لبناء وإعلاء صروح مغرب مستقل موحد وناهض ومتقدم.

كما أهاب المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بأجيال اليوم والغد، باعتبارها قوة تغيير وإصلاح وتقدم، لاستلهام الدروس والعبر واستنباط الرسائل البليغة والمؤشرات القوية التي توحي بها الذكرى الـ 64 لحدث بناء طريق الوحدة في ظل إرساء النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس.

من جانبه، قدم السيد عبد الواحد الراضي، ورقة بحثية مستقاة من كتابه/سيرته الذاتية، تلاها نيابة عنه السيد عبد الحميد المودن، رئيس مصلحة النشر والتوزيع بالمندوبية السامية، بعنوان “المغرب الذي عشته”، أفرد 8 صفحات منه لموضوع مد أو شق طريق الوحدة ضمن الفصل الذي اختار له عنوان “عشر سنوات مع المهدي بنبركة.. نبني الطريق والطريق تبنينا”، حيث بدأ الحديث عن مشروع الطريق في الصفحة 177 من سيرته، رابطا إياه بشخص المهدي بنبركة الذي عده كما يقول “مربيا، في التدريس الذي مارسه كمهنة وفي الحزب والمجتمع”.

كما استعرض الحيثيات والخطوات الأولى لمشروع شق طريق الوحدة، “بدءا بالدراسة التقنية ووصولا إلى توزيع المتطوعين على عدة مجموعات، كل مجموعة تتكلف بورش يشتغل على شق مقطع من مقاطع الطريق، وهكذا يتواصل العمل إلى أن تلتقي المقاطع فيما بينها”.

وعن فلسفة المشروع، يقول السيد الراضي “التأم الورش الكبير في أفق شعار مركزي يترجم فكرة المهدي بن بركة بوضوح +نبني الطريق والطريق تبنينا+؛ بمعنى أن الشباب المتطوع القادم من مختلف مناطق المغرب، سيسهم في هذه العملية التي تبدأ بالعمل المضني، المشفوع بحماسة وطنية كبيرة وتختتم بتوجيه الشباب إلى اللقاءات التكوينية حيث يتلقون دروسا ومحاضرات حول أسس التربية المدنية”، مضيفا أنه “كانوا يتابعون يوميا عروضا حول تاريخ المغرب وجغرافيته وثقافته ومجتمعه. كما كانوا يتعرفون على حجم وطبيعة الكفاح الوطني من أجل تحقيق الاستقلال، ومعنى الوحدة التي يحمل الورش نفسه إسمها، وكيف يمكننا بناء مجتمع مغربي جديد…”.

وباعتباره أحد المساهمين والمؤطرين لهذا الورش التطوعي، يضيف البلاغ، استعرض المتحدث الأفكار الأساسية التي وجهت مشروع طريق الوحدة وشكلت فلسفتها وثقافتها، ومنها على الخصوص أن المغرب المستقل يواجه تخلفا كبيرا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمؤسساتية، نتيجة الإرث المزدوج للفترة الاستعمارية وما قبل الاستعمارية، وأن هذا التخلف يمكن التغلب عليه بوضع البلاد على سكة العمل، وذلك عبر مجهود متواتر ومتنام لكل مواطن في حياته الخاصة والعامة.

وخلص إلى أنه “لكي تكون هذه المهام الفردية والجماعية ناجعة، لابد أن تندرج في إطار عمل منظم ومبرمج تحت قيادة حازمة وصادقة ومخلصة، وكذا تحويل قلة الشغل التي تمس سكان القرى، والتي هي اليوم مصدر ضعف الأمة، إلى مصدر لقوتها، وذلك عن طريق التعاون، والاستثمار في الشباب الذين يساهمون في نمو الثروة المادية والثقافية للبلاد، وهم من سيجني في المستقبل ثمار المجهودات المبذولة”.

من جهته، استعرض السيد محمد الأخصاصي، في مساهمة علمية مسجلة، “الدلالات الرامزة والمتعددة لبناء طريق الوحدة الذي عرف تنظيما محكما، وقيادة رشيدة وحصيلة مشرفة، وهي مقاومة المغاربة، بوعي وطني وصمود مثالي، لعلة النسيان التي تطغى أحيانا على ضمير التاريخ، وتحجب ملامح وبطولات القادة الأبرار الذين نذروا أنفسهم لخدمة قضايا الحرية والعدالة والتقدم؛ ووفاء المغاربة لمبادئ التضامن والتلاحم المجتمعي في مواجهة التحديات المتطاولة التي تنتصب في وجه إرادة التحرر من مخلفات الاستعمار البغيض، والانخراط في نضال جماعي، وتكاثف جماهيري من أجل البناء والنماء”.

كما أبرز الإيمان الراسخ الذي سكن ويسكن المغاربة على مر تاريخهم الزاخر بأهمية التفاعل وحيوية التآزر بين المجتمع والدولة في تحقيق أهداف الثورات السياسية، ومقاصد الاستثمارات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي فرضت وتفرض نفسها في مغرب ما بعد الاستقلال؛ وإحياء قيمة العمل التطوعي، المتجذر في ذهنية وعادات وسلوكيات المغاربة عبر تاريخهم المجيد، وملاءمة أهدافه، وعصرنة آلياته، وجعله أداة فاعلة ورافعة ناجعة لتسريع تنفيذ مشاريع تنموية حاسمة في مجال التنمية المجتمعية الشاملة من قبيل عصرنة الزراعة، ومحاربة الأمية، والمساهمة في مجهودات التعليم المدرسي، والتربية الوطنية.

وأشار السيد الأخصاصي إلى التقاطعات المشتركة لمشروع “طريق الوحدة” ومشروع “النموذج التنموي الجديد”، مبرزا في هذا السياق أنه على الرغم من اختلاف السياقات التاريخية، وتباين الشروط الموضوعية، المؤطرة لكلا المشروعين، فإن هناك تقاطعات بينهما في الرؤية الاستشرافية، والمنهجية والطموح، والمقاربة التقدمية القائمة على الترابط العضوي بين الروح الوطنية والمواطنة الحقة، التي هي عمادها الالتزام بالتطوعية في تعزيز التضامن بين فئات المجتمع، بلوغا إلى توطيد أمد التماسك المجتمعي، والالتزام الصارم بالمشاركة الواعية، المستدامة في العمليات الانتخابية وطنيا وجهويا ومحليا لتعزيز مسلسل البناء الديموقراطي، والإقبال الطوعي على أداء الضريبة، والوعي بمشروعية الدولة في حماية أمن واستقرار البلاد، وفي قيادة المشاريع، والأوراش الكبرى المؤسسة للتنمية الشاملة والمستدامة.

Share
  • Link copied
المقال التالي