نظمت جمعية المدينة يوم السبت 07 نونبر 2020، ندوة ثقافية تحت عنوان “الهجرة والمواطنة”، وذلك عبر تقنية التواصل عن بعد (زوم) وبحضور كوكبة من المهتمين والمثقفين.
وأعد الأستاذان محمد أزعوم ومحمد أبركيوي، ورقتين علميتين تناولتا موضوع الندوة بالدرس والتحليل، حيث بدأ أزعوم مداخلته بالإشارة إلى أن الهجرة موضوع شائك ومعقد بسبب تتداخل ظروف الهجرة بتداعياتها، مبيناً أن للهجرة عامل طرد كالفرار من الخطر أو الفقر وعامل جذب وإغراء كالبحث عن الأمن أو عن وضع اقتصادي أفضل.
وقال بأن الظاهرة عموما هي من طبيعة الاجتماع الإنساني، لذا فهي قديمة قدم الإنسان، والغالب عليها النزوح من المناطق الفقيرة نحو المناطق الغنية، مشيراً إلى أن العولمة ساهمت في تسريع وتيرة الهجرة وتوسيع نطاقها، كما أن مساهمة المهاجرين في وطنهم الجديد اعتبرت إيجابية، ناهيك عن استفادة بلدهم الأصلي بتحويلاتهم من العملة الصعبة ومشاركتهم الفعلية في تنمية هذه البلدان.
وتابع بأن أوروبا تعتبر من بين أكبر الدول المصدرة للمهاجرين في العالم، فقد هاجر الأوروبيون إلى أمريكا وأستراليا منذ اكتشاف القارتين، قبل أن تصبح من بين الدول الأكثر استقبالا للهجرة في العصر الحديث، حيث يشكل المهاجرون ما نسبته 4.8 %، من مجموع سكان القارة.
وأضاف بأن ألمانيا هي الدولة الأوروبية الأولى من حيث استقبالها لعدد المهاجرين ثم تليها إيطاليا وفرنسا، ولقد لوحظ تفاقم تدفق اللاجئين في العقد الأخير نحو أوروبا وذلك ضمن الهجرات الأخيرة القادمة من سوريا خاصة، وأما الاتفاقيات المنظمة للهجرة، فتعد اتفاقيات جنيف ودبلن من اهم الاتفاقيات الموقعة على المستوى العالم.
ووأوضح بأن ألمانيا بلد الهجرة بامتياز حيت يشكل المهاجرون ما نسبته 10.8 %، من مجموع السكان، لذلك فهي محتاجة إلى 650000، مهاجر سنويا، لسد خصاص اليد العاملة، ويمكن طلب الحصول على الجنسية الألمانية بعد 8 سنوات من الإقامة.
أما فرنسا، يواصل المتحدث، فتعد من البلدان الأوروبية المستقبلة لليد العاملة وخاصة من الجزائر والمغرب، حيث يمثل المهاجرون ما نسبته 6.5٪ من مجموع السكان، و يمكن طلب الحصول على الجنسية الفرنسية بعد إقامه رسمية غير منقطعة في مدة لا تقل عن خمس سنوات.
أمّا أبركيوي فقد ركّز في مداخلته الثانية على الهجرة إلى كلّ من بلجيكا وهولندا خاصّة بعد الحرب العالمية الثانية، وقسّم أطوارها إلى ثلاث مراحل أساسيّة شملت المرحلة الأولى فترة ما بعد عام 1945 الى بداية السبعينات، حيث عرفت هذه المرحلة استقدام اليد العاملة من دول أوروبية، وخاصة من إيطاليا، ثمّ بعد ذلك اتّجهت إلى إبرام اتفاقيات خارج القارة الأوروبية وخصوصا مع المغرب و تركيا.
المرحلة الثانية، يسترسل المتحدث، جاءت مباشرة مع أزمة النفط في السبعينات مع ما عرفته من تداعيات سلبية على سوق الشغل حيث ارتفعت البطالة بشكل مهول في صفوف العمال، الشيئ الذي دفع بالبلدين إلى توقيف هجرة اليد العاملة إليها، و مع تسوية وضعية، المهاجرين العمال، سمح لهؤلاء باستقدام عائلاتهم في إطار ما يسمّى بالتجمع العائلي.
واستطرد المتحدث ذاته، خلال مداخلته، بأن المرحلة الثالثة تبدأ من الثمانينيات إلى اليوم. حيث عرفت استمرار الهجرة في إطار لمّ الشمل. إضافة إلى الموجات المتتالية .للّاجئين والتي بلغت ذروتها بعد فترة ما كان يعرف “بحراك الربيع العربي” خاصة بين سنتي 2015 و2016.
وربط أبركيوي الهجرة بتطوّر مفهوم المواطنة، فبينما كان ينظر إلى المهاجر على أنّ وجوده مؤقت ومرتبط بشغله في إطار عقد محدّد صار ينظر إليه على أنّه مواطن يتمتع بجميع الحقوق التي يمنحها قانون المواطنة، خاصة وأن الكثير منهم حصل على الجنسية الأوروبية، مع الاحتفاظ بجنسية بلده الأصل.
وذكر المتحدث العوامل التي أدّت الى استقرار المهاجر ببلد الهجرة، وكان من بينها دفاع بعض الأحزاب الدينية وعلى رأسها الحزب الكاثوليكي في هولندا عن حق التجمّع العائلي، لأنّ الأسرة تعتبر ركيزة أساسية في برامج أحزاب الوسط المسيحية.
وبعد المداخلتين تمّ فتح الباب لأسئلة الحاضرين و تدخلاتهم، و لقد ركّزت في مجملها على أن موضوع الهجرة هو موضوع يحتاج الى مقاربة علمية توظف فيها مختلف المعارف العلمية المرتبطة بحقول علم الاجتماع والانتروبولجيا وعلم النفس، وأنه موضوع مؤطر من طرف القوانين والتشريعات، إضافة إلى أنه قد نال إهتماما كبيرا من طرف الأنثربولوجيين، ممّا أدّى إلى بروز مدرستين مختلفتين. المدرسة البيولوجية التي تخاف التعدد و الإختلاط و ترفضه بدعوى أنّه يهدد الهويات و الخصائص الميزة للإنسان الاوروبي، ثم المدرسة الثقافوية التي تؤمن بالأصل الواحد وتدافع عن التمازج الإختلاط بين .مكونات المجتمع الواحد.
ولا ننسى أن الهجرة قد طرحت على المجتمع المضيف عدة تحديات أخطرها تحدي الاندماج. و من هنا يمكن فهم تشديد .الدول المستقلة للهجرة للقوانين المنظمة لها،و من بين النقاط التي تمّت إضافتها أيضا نقطة الأقليات التي تدخل ضمن باب الفكر الأخلاقي و السياسي المعاصر. فلا يمكن تقييم الهجرة على أساس الإحصاءات. فالأقليّة ستبقى أقليّة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. و أنّ سببها هو العامل الاقتصادي، و حاجة الدول الماسة إليها. لكن مع إهمال المقاربة الإنسانية الشاملة أصبح المهاجر رقما من بين الأرقام الأخرى .التي تحرك إقتصاد الدول المستقبلة للهجرة.
ثمّ إنّ الحقوق و الواجبات تختلف وفق المدارس الموجهة للاقتصاد والسياسة كالمدرسة الليبرالية التي ترتكز على قيمة الحرية .الشخصية و المساواة والمدرسة الجمهورية التي ترى أنّ المواطن جزء من الكل و هي بهذا مواطنة إقصائية
على الدول المستقبلة أن تسعى لبناء مجتمع متكامل و متوازن رغم اختلافاته الاتنية والثقافية. كما ينبغي الانتقال من مفهوم التسامح إلى مفهوم الإعتراف. وأن تتجاوز نداء الكراهية ودعوات اليمين المتطرف والا تقحم سؤال الهوية كورقة إنتخابية رابحة.
ولقد أشار ابركيوي في تعقيبه إلى أنّ تشديد قوانين الهجرة يعود الى مسألتين أساسيتين. التمييز بين الدول الأنكلوساكسونية التي استعملت ورقة الإندماج و الإعتراف بالثقافة الأصلية، و بين سياسة الإنصهار التي تزعمتها دولة فرنسا، كما أن الإهتمام المتزايد بهويّة المهاجرين بدأ يوحي على أن ثقافة الآخر ودينه هي العائق الرئيسي نحو اندماج ايجابي متعدد.
تعليقات الزوار ( 0 )