شارك المقال
  • تم النسخ

نحن وابن كيران ومطيع .. وتاريخ الحركة الإسلامية المفترى عليه (6)

ثقل ھذا الفراغ القیادي سیصبح أكثر مدعاة للقلق والتوتر والغموض، بعد الحدث التاریخي في مسار حركة الشبیبة الإسلامیة، لیلة 18 شتنبر 1980، عندما انسدلت فصول محاكمة قضیة اغتيال عمر بنجلون، بإصدار حكم الإدانة بالسجن المؤبد غیابیا على عبد الكریم مطیع، مع الحكم ببراءة إبراھیم كمال، ثم الأحكام بالإعدام والسجن المؤبد على بقیة المتورطین المباشرین في الجریمة. وانتھت ھذه المحاكمة بمرافعة تاریخیة وقیمة ومن مطولات المرافعات في التاريخ المغربي لمھنة الدفاع، تقدم بھا الأستاذ عبد السلام جمال الدین استمرت یومین ولیلة، دفاعا عن براءة الشبیبة الإسلامية وقیادتھا من جريمة الاغتیال، وجمعت في كتاب قیم یتداوله المھتمون من أبناء الحركة الإسلامية. بالرغم من ذلك فقد كان الحكم منتظرا بھذا الحجم، لكنه شكل في حینھا صدمة وقتیة عابرة.

وبقدر ما حل الارتياح من كون الحركة استرجعت رمزا من رموزھا، ابراھیم كمال، بعد الإفراج عنه، وضمنت الحضور المباشر لواحد من قیادتھا والذي قد یغني عن ھذا الفراغ، لما له من سابقة وھیبة ازدادت مع تعرضه لمحنة الاعتقال خمس سنوات، بقدر ذلك، كان القلق شاغلا، بعد الغموض الذي فرضه عبد الكریم مطیع، بقطع اتصالاته، وإخفاءه عن الجمیع مكان إقامته، إلا عن بعض ملازمیه: ولاد الحبیب وعبد الكريم فوزي، فقد كان انتقل من السعودية إلى ليبيا دون أن يخبر أحدا أو يستشير مع أحد.

ظل ھذا الغموض مثیرا للتساؤل والقلق، لكنه لم یؤثر على مجرى سیر حركة الشبیبة الاسلامیة، فقد تمرننا وتعودنا على مواصلة السیر بدون ربان، واكتسبنا بذلك نضجا قیادیا یفي بالحاجات. لكن الإشارة الأولى التي وردت من عبد الكریم مطیع، في أجواء ھذه القطیعة وذلك الاختفاء، كانت سلبیة ومخیبة للثقة، فقد طلب من بعض مقربی[ke1] ه بتبلیغ ابراھیم كمال التوقف عن التواصل مع قواعد الحركة، ودس لدى البعض تشككه من رفیق الأمس.

وكانت صدمة قاسیة، أن تثار الشكوك حول رمز مؤسس، ذاق مرارة المحنة والاعتقال، بسبب تحمله مسؤولیة القیادة ردیفا لمطیع، ثم تأتي الشكوك والاتھامات، من رفیقه  و شریكه في القیادة والتأسیس. حاصرنا ھذا التشكیك وحبسنا إشاعته في دائرة محدودة، شملت الطلیعة القیادیة للعمل، لكن الاعتبار الرمزي لعبد الكریم مطیع سقط إلى الأبد.

وفي مقابل ذلك، فتحنا المجال أمام قواعد الحركة للتواصل مع ابراھیم كمال، والذي خرج من الاعتقال و ھو في عز حماسه الدعوي، یؤكد في خطاباته على مرتكزات ثلاث: أولا: الخط الأصیل المؤسس لحركة الشبیبة الاسلامیة في الدعوة والتبلیغ والنھوض نحو ترسیخ بدیل إسلامي في المجتمع، ثانيا: اعتبار حركة الشبیبة الإسلامیة تجلیا من تجلیات الحركة الوطنیة المغربیة، واستمرارا لأھدافھا، ثم ثالثا: الدفاع المستمیت عن براءة الشبیبة الاسلامیة من جریمة اغتیال عمر بن جلون، وفي كل ذلك كان یدافع بشراسة عن سمو قدر مطیع، ودوره الكبیر.

فكانت المفارقة العجیبة بین نقیضین، بین تشكیك مطیع، وولاء كمال وثناءه. كان ھذا التشكیك وما رافقه من ھمز ولمز، آخر مسمار دق في نعش ولاءنا لعبد الكریم مطیع بالاعتبار القیادي والرمزي، بعد مسار طویل من المشاكل التي تسبب فیھا بالتخوین والتشكیك. وبدأنا نھيء بمرونة قواعد التنظیم لمرحلة ما بعد عبد الكریم مطیع كقیادة علیا انصرم عھدھا.

ثم كانت هناك مفارقة أخرى، شكلت مفاجأة وصدمة بل ونكسة عند أبناء الشبيبة الإسلامية.

تجلى ذلك في بروز شخص غريب الأطوار، وهو عبد الإله بنكيران، الذي لم يكن يعرفه أبناء الحركة الإسلامية من قبل، إلى أن احتكوا به ظهيرة يوم 19 شتنبر1980، أي في اليوم الموالي لصدور الأحكام في قضية اغتيال عمر بنجلون، ومحاكمة وإدانة قيادة الشبيبة الإسلامية فيها، أي عبد الكريم مطيع.

فقد قرر أبناء التنظيم التظاهر والاحتجاج، وبإيعاز من مطيع، أمام المحكمة التي أصدرت الأحكام، إستنكارا لإدانتها للشبيبة الإسلامية في شخص قيادتها، بما يفيد تثبيت تورطها في دم عمر بنجلون.

وكان أن طلع إبن كيران على الجموع المحتشدة بالمسجد المحمدي عقب صلاة الجمعة، طلع بكلمة شكلت تعبيرا نشازا ومعاكسا لما عليه خط الشبييبة الإسلامية فكريا ودعائيا وإعلاميا في الموقف من إغتيال عمر بنجلون، بالشكل الذي بدا فيه بنكيران وكأنه لم يقض يوما واحدا في هذه الحركة ناهيك أن يكون في طليعتها.

ولشدة الإستنكار عليها فقد حفظ الجميع مفردات هذه الكلمة، إذ صرخ بملء صوته إلى أن بحت حنجرته. فقال: من أجل قتل كلب أجرب كان يسب الله ورسوله، طلعت علينا محكمة الإجرام بالحكم على خيرة شباب الأمة بالإعدام والسجن المؤبد…..

كان هناك جزء هام من قواعد الشبيبة الإسلامية حاضرا، قادمين من أحياء الدار البيضاء ومن مدن أخرى، لما صعقوا من محتوى هذه الكلمة، التي لم يتفق أحد معه على إلقاءها، فقد كنا نحن قياديي الحركة قررنا الاحتجاج ورفع الشعارات الرافضة لإدانة قيادة الشبيبة الإسلامية، إدانة غيابية، حتى فوجئنا به يصرخ ملء أوداجه بكلمته.

وهكذا اعتبر ابن كيران في كلمته النكراء تلك، أن القتيل المغدور أو الشهيد عمر بن جلون هو مجرد كلب أجرب، والذين قتلوه هم خيرة شباب الأمة، وكأنه يقول إنه كان يستحق هذا القتل، متهما إياه أنه كان يسب الله ورسوله، ومعتبرا أن القضاء الذي قضى بمعاقبة القاتلين في هذه الجريمة النكراء، أنها محكمة إجرامية، وكأنه يقصد أن يقول، إن هؤلاء الشباب الأخيار في الأمة، كان على القضاء أن يعتبرهم أبطالا وكان عليه أن يكافئهم بأوسمة البطولة.

كانت هذه الكلمة نكسة وفضيحة وشوهة وزلزالا كبيرا ومحنة لنا عظيمة في نفوسنا وعقولنا وحساباتنا، فقد ضاعت به الجهود التي كنا صرفناها من أجل هذا الاحتجاج، ونحن نجوب الليل كله والأسحار منه، ساهدة أعيننا، نجوب أحياء الدار البيضاء طولا وعرضا، قصد إخبار إخواننا بالأحكام وتعبئتهم للحضور، فلم يكن هناك وقتها هواتف ولا وسائل اتصال. 

بينما هو أمضي ليله على فراشه هانئا يهيء وينمق تلك الكلمات الصواعق الفواضح، التي لم يكن فيها عقل و لا مروؤة ولا وعي ولا نضج ولا أي شيء من أشياء الأشياء. يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي