يوم 19 فبراير 1957
في الصباح الباكر بدأت ألمح من بين الصخور حركة في الجبل، يبدو أنهم أناس مدنيين يبحثون عن مؤونة أو متاع وما يصلح كغنيمة قد يكون الجيش قد خلفه وراءه. كانت أعدادهم قليلة ومتفرقين.
حركتي البارحة أوصلتني إلى منحدر صخري في وسط الجبل أسفل السطح وأعلى من منطقة الكهوف التي كنا فيها. الوصول إليها صعب، ولا يفترض أن تكون محل شبهة مع كثرة الأثر أعلى الجبل وأسفله. ورغم ذلك لا ينبغي أن أترك الحذر، فما زلت في نطاق أرض المعركة، فبقيت خانسا أراقب الحركة من حولي طوال النهار.
أصبح حلقي أكثر جفافا، والريق أشبه بالغراء، وأشعر بظمإ شديد، وقواي خائرة بسبب الجوع والإنهاك. والجسم محطم من تعب صراعي مع صعود الجبل البارحة. رجلي وذراعي وكتفي وكل عظم مني يؤلمني من ثقل حملي، ومن تعثري بالصخور ومحاولات العودة للوقوف المضنية.
أمضيت أغلب ذاك النهار مستلقيا على جنبي مكور جسدي أشد على بطني الفارغة، وقليلا ما أجلس بسبب قصر علو المغارة الذي يبقي رقبتي منحنية إلى الأسفل عند الجلوس. والاستلقاء على الظهر يوقظ ألم الجوع.
من فوائد ذلك اليوم، أن أتاح لي ضوء النهار والفراغ وبعد الخطر نسبيا، فرصة تفحص إصابتي.
كان الدم اليابس يغطي طول ساقي المنتفخة، وفي “جاحد النعمة” (أعلى الساق حيث يقل اللحم ويبرز العظم) يظهر ما يشبه الجرح يرسم حدوده ترسب كتلة من الدم الداكن المائل الى السواد.
ومن ما عاينته وما أشعر به تكهنت أن شظية تكون قد اخترقت ساقي وكمنت في العظم، فما أحسه يشبه شحنة كهربائية تسري في العظم مصحوبة بخدر يعم كامل الساق اتخيل معه انها صارت أثقل من الساق السليمة.
ولربما لنزول الدم بها فالرجل لم تطأ الارض منذ ثلاثة ايام، ومع انتفاخ الجرح بدت كذلك.
أشعرني الفحص الذي أجريته على ساقي ببعض الراحة، فعلى الاقل لا يوجد بها كسر ظاهر، ويمكنني المقاومة بها، و إن أجبرت على استخدامها، فلأجعل منها شوكة جمل، أدعس عليها وليكن ما ليس منه بد.
بعد ما حل الظلام وانقطعت الحركة، وبدأت الرؤية تنحصر، وعم الصمت إلا من صوت نفخ الرياح في الجبل، شعرت كأن العالم يضيق من حولي، وأحسست اول مرة بقساوة الوحدة، وليس من عادتي الخوف من ظلمة الصحراء، فلطالما سافرت وبت الليالي أسامر نفسي وحيدا أعد نجوم السماء.
يبدو أن حركة الفضوليين الباحثين عن غنائم في الجبل الذين كنت اختبئ منهم خوفا من اكتشافي و الوشاية بي أو تسليمي للنصارى، ظلت تشغلني و تلهيني عن التفكير في الحال الذي أنا فيه، فكانت لي أنيسا. ولما انقطعت و بقيت مع نفسي جريح، متعب، بلا طعاما و شراب منذ أيام، و حيد شريد في جبل موحش مقفر، مطارد من عدو اقل ما انتظره منه هو ان يفصل لحمي عن عظمي قطعة قطعة.
تعليقات الزوار ( 0 )