عندما يقرر عدد من شبابنا من جيل الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي ممن لم يتربوا في مدارس سياسية وفكرية ، ولم يعايشوا تجارب الماضي ويعانوا من القمع أو الاعتقال السياسي، ويعاينوا الصراع العقائدي والايديولوجي في الحركة الطلابية بالجامعات المغربية ، خوض تجربة الانتخابات وممارسة السياسة على أرض الواقع فعلى الأقل يجب ان يكون اختيارهم الحزبي مؤسس على قناعات فكرية ، نضالية وإرث تاريخي ينتمي الى الحركة الوطنية ، ينبني على قواعد الشرف والمروءة وليس اختيارا انبطاحيا برجماتيا تفعيا من أجل التسلق الطبقي على أكتاف الشعب او أن يكون اختيارا حزبيا مصطتعا لا شعبيا أو رجعيا ،أو بدون هوية حتى لا نسقط في الابتذال ،وممارسة السياسة من أجل السياسة بدون مضامين حقيقية ،فلا ننتج إلا كائنات ربوتيكية متشابهة بدون إبداع ، أو أصالة او موضوعية ،،أعتقد انه لا يجب ان يكون الانتماء لحظيا ، تفرضه حروب التوكيلات والتزكيات الدون كبخوتية ، من أجل الرغبة البلهاء في تصدر اللوائح الانتخابية وفقط ، دون اعتبار للتربية السياسية القائمة على الانخراط الحقيقي في الأحزاب العريقة ذات التاريخ المتجذر ، والحاضنة الشعبية ، فليس كما يقول المثل اولاد عبد الواحد كلهم واحد ، هناك الأصيل وهناك الدخيل ولذلك لا ينبغي ان تنصرف عقولنا واختياراتنا عن هذه المبادئ بحجة ما وقع من رجات وفشل وتراجع وانقسام أحيانا لهذه الأحزاب فيكفي أن بها قامات فكرية وسياسية وطنية لا يمكن أن تنساها الذاكرة الحية أو تنسى ما كان لها من أدوار بطولية مناضلة ادت الثمن الغالي من أجل تأسيس وترسيخ قواعد الدولة الوطنية الديموقراطية .بنزاهة وأخلاق ومبدئية ، كل شخص حر في أختيار ما يشاء ، ولكن ليكن هذا الاختيار مبنيا على قناعات وليس على فقاعات مملوءة بالهواء والفراغ ، تنفجر عند انتفاخها ، وتصير هباء ومنها الأحزاب الكارتونية ، التي تنبت في الاسفلت ، وتكتسح المشهد السياسي بين ليلة وضحاها ، رغم مقاومة الشعب لإغراءاتها وكلامها المعسول وبرامجها. الطوباوية الخيالية أي أحزاب بدون أفكار ومبادئ وفلسفة. للتغيير. هي أحزاب فارغة المحتوي ينتهي دورها بعد. انتهاء مهمتها هي الديموقراطية تتيح الفرصة للجميع ،لكت حسن الانتقاء والاختيار الواعي يعطي الفرصة لبقاء الاصلح والأجدى.
فحظ موفق لكل من له نية وقصد يهدف إلى الإصلاح وخدمة الصالح العام .وليس لنا من حل الا ممارسة الديموقراطية فهي كما قال ويستون تشرشل النظام الأقل سوءا بين الأنظمة عبر التاريخ الانساني وهي افضل بكل المقاييس من الديكتاتورية والثيوقراطية والاولغارشية والحكم الفردي المطلق ،لأن الديموقراطية تعطي الحق للشعب في ان يختار من بحكمه وإن كان في حدود دنيا ، وإن أدت اختبارات الشعب أحيانا إلى كوارث فإن الديموقراطية تعطي أمكانية إصلاح الأخطاء وطرد الفاشلين والفاسدين ، وإن من خلالها يمكن التجريب مرة بعد أخرى ، وليس مبررا أن نيأس فدائما هناك فرصة أخرى أفظل من سابقتها ، وإن كانت هذه الديموقراطية إصلاحية وليس لها حلول ثورية جذرية ، فإنها مع ذلك آمنة ولا تؤدي أبدا إلى الاستبداد ،او الخراب كما حدث في ثورات الربيع العربي في عدد من البلدان كسوريا وليبيا ومصر.
الديموقراطية آمنة اللهم ألا إذا أتاح الشعب ضعيف التعليم قليل المعرفة لبعض الشعبويين الكارزماتيين استغلاله بالشعارات الجوفاء ،البراقة الخادعة والسير به نحو العبودية وصناعة الطاغية بالاستثنائية والتقديس والتأليه بوجود محيط المنافقين المتخلفين المتملقين، ، وحينذاك يتحمل هذا الشعب تفريطه في حريته.
رغم كل المحاذير والمطبات التي يشير إليها بعض المنظرين والمفكرين المتشائمين ، إلا أنه ليس هناك حلول أخرى غير السير في هذا الطريق طريق ممارسة الديموقراطية رغم فساد بعض فرقائها ونخبها ، فالمؤكد أن الديموقراطية تصلح نفسها بنفسها ، مع مرور الوقت ، فجميعا من أجل انتخابات نزيهة وصراع سلمي عقلاني برنامجي فكري لا يستند إلى استعمال المال وشراء الذمم والفساد، مع الاعلاء من شأن القانون ومراقبة القضاء المستقل المحايد العادل ،من أجل الوصول الى جماعات محلية مواطنة تهدف تحقيق الصالح العام وحكومة شعبية قوية بتحالفات موضوعية على أهداف مشتركة بمنتخبين وطنيين ، وإن كانت هذه الآمال بعيدة المنال فلا يأس مع الحياة ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، لكن بالإمكان صنع المستقبل وامتلاك الحلم ، بحرية الاختيار النابعة من الإرادة الواعية المستقلة الحرة فلا تببعوا ضمائركم واصواتكم وتضيعوا مستقبلكم ومستقبل ابنائكم ، اختاروا ما شئتم لكن احسنوا الاختيار بمبادئ وقناعة فأنتم أدرى بشؤون دنياكم.
تعليقات الزوار ( 0 )