في أكتوبر من سنة 2020، قررت جبهة البوليساريو الانفصالية، بأوامر غير معلنة من صانعتها الجزائر، تجديد عرقلة حركة مرور الأشخاص والبضائع في معبر الكركارات الحدودي. لا أحد كان يتوقع أن القرار سيكون له انعكاسات سلبية على الجارة الشمالية للمغرب إسبانيا، التي باتت مهدّدة بسبب ما سمي بـ”تأثير الدومينو”، بالغرق في الظلام الدّامس.
عرقلة الجبهة للحركة المرورية في الكركارات، ورفضها الاستجابة للنداءات الأممية التي طالبتها بالانسحاب من المنطقة، دفع القوات المسلحة الملكية المغربية للتحرك من أجل تأمين المعبر، وبناء جدار أمني لقطع الطريق على أي محاولة لتكرار الاستفزازات الانفصالية على حساب المبادلات التجارية بين الرباط وعمقها الإفريقي.
الخطوة المغربية، كانت وفق مراقبين وخبراء، من أكبر التطورات التي عرفها نزاع الصحراء منذ نشوبه في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يليه الاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على أقاليم البلاد الجنوبية، ثم تغلغل الدبلوماسية بقيادة ناصر بوريطة في العمق الإفريقي، وإقناعها للعديد من البلدان بالسير على منوال واشنطن.
التطورات المتسارعة التي صبت كلها في صالح المغرب، أثارت حفيظة الجارة الشرقية الجزائر، الداعمة الأساسية لمطلب الانفصال الذي تنادي به البوليساريو، التي حاولت بكل السبل وقفها دون أن تفلح، قبل أن تلجأ إلى التصعيد المباشر ضد المملكة، سيما بعد عجزها عن الإبقاء على وصول إبراهيم غالي لإسبانيا للاستشفاء سرّا، ونجاح استخبارات الرباط في كشه تفاصيل الرحلة.
في الشهر الماضي، اتهمت الجزائر، بشكل مباشر، المغرب، بالوقوف وراء الحرائق التي شهدتها مجموعة من ولايات البلاد، قبل أن تقرّر قطع علاقاتها مع جارتها الغربية، بسبب ما أسمته بـ”الاعتداءات المتكررة والتي لا تتوقف”، مؤكدةً أن عقد أنبوب الغاز المغاربي الأوربي، الذي يمرّ من المملكة وصولاً لإسبانيا والبرتغال، لن يتم تجديده، وهو ما يشكل خطراً على إنتاج الكهرباء في الجارة الشمالية.
وأثار قرار الجزائر، الذي بات محلّ شك بسبب الضغوط الأوروبية، بخصوص عدم تجديد عقب أنبوب الغاز، الذي ينتهي في أكتوبر، مخاوف كبرى في الجارة الشمالية، خصوصاً أنه يتزامن مع تأثر إيرادات الغاز والكهرباء لإسبانيا، من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللتان تأثرتا بسبب سقوط خادمين في الأولى، وواقعة حادث الطائرة واصطدامها بخط كهرباء جنوب فرنسا.
وقالت صحيفة “لافانغوارديا” الإسبانية، إنه على الرغم من أن البنى التحتية المتعلقة بالكهرباء والغاز، تعتبران حيوية وأساسية للسكان، إلا أن البلاد باتت مهددة بالغرق في الظلام، بسبب محدودية الموردين، مضيفةً أن إسبانيا تعد من بين أكثر الدول اعتماداً على الخارج في إنتاج الكهرباء في القارة الأوروبية.
وكانت نسبة اعتماد إسبانيا على الواردات لإنتاج الكهرباء، بداية القرن الـ 21، تصل إلى 80 في المائة، قبل أن تنخفض في 2015 إلى 70 في المائة، ليعود مرة ثانية للارتفاع في 2019، لـ 75 في المائة، متابعةً بأن كل حكومة مدريد تعتمد في النفط، على نيجيريا بـ 20 في المائة، والمكسيك بـ 15 في المائة، والغاز على الجزائر، بـ 50 في المائة، ثم الولايات المتحدة ونيجيريا.
ونقلت الصحيفة عن خوسيه ماريا يوستا، الباحثة الرئيسية في شبكة دراسة البنى التحتية الحيوية لجامعة سرقسطة، وهي مهندسة كهربائية، قولها إن إسبانيا مرتبطة بفرنسا والبرتغال والمغرب، و”الربط البيني مع فرنسا هو الأكثر أهمية لأنه هو الذي يسمح لنظام الكهرباء الإسباني بالمزامنة مع المنطقة الأوروبية، ومع ذلك، فإن قدراته غير كافية”.
واسترسلت “لافانغوارديا”، أن الخطر، وفق مجلس الطاقة العالمي، يكمن في أن البنى التحتية للطاقة هي من بين الأهداف الرئيسية الثلاثة للهجمات الإلكترونية في العالم، وهو ما يهدّد مجالات واسعة وقطاعات مختلفة بالشلل، على رأسها الطرق السريعة والموانئ والمطارات، وضخ إمدادات المياه وخدمات الطوارئ، ومحطات النفط والغاز.
وأبرزت اليومية أن يوستا، أوضحت أن “انقطاع تدفق خط واحد للكهرباء، سيثل كاهل بقية الخطوط، ما قد يتسبب في تعطلهم، ما يعني أن فشل خط واحد قد يسفر عن انقطاع تسلسلسي”، مردفةً أن ذلك سيكون “اعتماداً على قدرة النظام الوطني على إنتاج أو عدم إنتاج الطاقة اللازمة في تلك اللحظة وتلبية الطلب على الكهرباء”، منبهةً إلى أن الطاقة تؤثر أيضا على مجالات حساسة، من بينها الإنترنت.
ويهدّد عدم تجديد الجزائر لعقد أنبوب الغاز الذي يمرّ عبر المغرب، في الإخلال بإنتاج الطاقة في الجارة الشمالية، التي عملت، مباشرةً بعد إعلان سلطات “قصر المرادية”، عن عدم نيتها في استمرار تصدير الغاز لمدريد، عبر أراضي جارتها الغربية، على الضغط عليها، بغية ثنيها عن القرار، ما جعل العديد من المتابعين يتوقعون أن العقد سيتم تجديده.
تعليقات الزوار ( 0 )