من الرقيّ حقا أن نتحرر من دور المتلقي السلبي الذي يكتفي بالتطبيل لما يقوله المعلم؛ لنصبح فاعلين ومؤثرين في تحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس؛ ذلك أن الفاعلية ليست مجرد استجابة لما يقال ويردد! بل هي قوة تحويلية تجعل الأفكار تتجسد في سياق الحياة العملية، مع تصريفها وتكييفها وفق السياقات المجتمعية وخصائصها الثقافية.
ذلك أن الفعل الحضاري لا ينهض بالكلمات فقط؛ وإنما يتجاوزها بالقدرة على إحياء المعاني الكامنة فيها، وتحريك عجلة التقدم نحو الأمام، وخلق نتائج إبداعية تسمو بالواقع إلى مصاف الفعالية الحضارية، بهذا فقط، يصبح دور المعلم محفزا للإبداع وليس مجرد ملهما للاتباع، ويصبح المتعلم صانعا للتغيير لا متفرجا على الأفكار مردد لها.
فالمتلقي السلبي الذي يكتفي بترداد صدى ما يقوله المعلم لا يمكن له أبدا أن يترقي إلى مستوى الفاعليةً الحقيقية، وبذا تصبح البطولة كامنة في قدرة الطالب أو المتعلم على نقل الأفكار الحية من عالم التجريد إلى فضاء التطبيق الواسع بمجالاته المتعددة في هذه الحياة؛ ففي كل مجال تكون هناك معاملات إنسانية، والفعالية الحضارية تصبح علامة فارقة في التأثير على نفسيات، وعقليات من يتم التعامل معهم، وقيادتهم بحسن الأخلاق، والمعاملة، وطرح الأفكار الجدية، والحية، وتطبيقها لغرض الارتقاء بذلك المجتمع، وإشعال شمعة النور في ظلام جهالتها!!
فجوهر التحول الحضاري يكمن في فضاء التطبيق الذي يحيي المعاني العميقة في المجتمعات، بصياغة الواقع، والتعامل معه برؤى مبتكرة، وليس التفاعل الآني مع الفكر بالكلمات الجوفاء!!
إن قدرتنا على استنطاق جوهر الأفكار الحية على أرضية الواقع المر، هو بداية التقدم، وتحول الإنسان من مجرد ظاهرة صوتية تلقينية إلى إنسان فاعل ومشارك في بناء حضارة المجتمعات الذي يمكن يرتقي باتخاذه لمسارات قد تحرك عجلة الزمن نحو آفاق حضارية أرحب، وبهذا يصبح المتعلم شريكا في الخلق الحضاري لا مجرد متلق على هامش التغيير !
نختم بالقول: أن الحضارة فعل يتطلب عقولا تجيد تحويل الأفكار إلى واقع، وأياد تبدع في تطبيقها بإرادة صادقة! فالفارق بين التراجع والتقدم يكمن في القدرة على الانتقال من دور المقلد إلى دور الترقي والفاعل، ومن متلق للأفكار إلى مشارك في صنعها وتطويرها، حسب نوعية التربة المجتمعية بما ينسجم مع احتياجات واقعها وتطلعات المستقبل وآفاقه المنشودة.
تعليقات الزوار ( 0 )