شارك المقال
  • تم النسخ

“ملگى الصالحين”.. اللهم أدمها عادة واحفظها من الزوال

تلقيت دعوة لحضور وتغطية فقرات الموسم الديني السنوي لزاوية “آسا”، الذي يقام تزامنا مع ذكرى المولد النبوي الشريف، دعوة سرى منها إلي حنين نحو أرض الكرامات، وموطن اجتماع أولياء الله الصالحين، فمهما حاولت أن أوزع الحب والود بين القبائل الصحراوية بالقسطاس المستقيم، أجد نفسي أخسر الميزان، والمشاعر تنحو بعيدا عن العدل عندما يتعلق الأمر ب”إيتوسى”.

“إيتوسى” الشهامة والنبل والحفاوة وحسن الاستقبال، مخلوقات شكلت من طين وعسل مصفى، وأناس مازالوا، إلى اليوم، يحافظون على طابع البداوة العربي الجميل، طابع المروءة والنخوة، فمن أفضل منهم لاحتضان ملتقى، “ملگى”، القبائل الصحراوية جمعاء؟.

على امتداد سبعة قرون، وجريا على العادة، دأب أبناء إقليم “آسا”، أحفاد أولياء الله المتبتلين، على تنظيم هذا الملتقى: ” ملگى الصالحين”، الذي صنفته منظمة “الإيسيسكو” كتراث لامادي مغربي خالص، و الذي يعد فرصة لاجتماع القبائل الصحراوية قاطبة، لصلة الرحم ونشر السلم والتسامح وفض النزاعات ونبذ الخلافات، في يوم له حرمته، وعلى أرض لها مكانة عند كل الصحراويين،.. أرض طاهرة، مباركة، أرض الشرفاء والمتصوفة والعارفين بالله، حيث يرقد أزيد من 366 وليا صالحا.

ومن أهم طقوس “الملگى”، بعد شعيرة النحيرة، هو استقبال الوفود، لذلك وقف السيد “رشيد التامك”، رفقة نائبان برلمانيان، ورؤساء الجماعات الترابية والمنتخبون، أعيان وأكابر ووجهاء قبيلة “ايتوسى”، بمناصب ومسؤوليات مختلفة، للسلام والترحيب بوفود القبائل الصحراوية المهيبة، وفود لها شرعية قبلية وسياسية وتاريخية واجتماعية، يممت شطر”آسا”، لزيارة “الزاوية” وإهداء رؤوس الإبل، للطلبة والزوار والضيوف، و تقديم التهاني والتبريكات لممثلي الإقليم الذين ينوبون، شرعيا، عن الساكنة، في جو اتسم بالروحانية والوقار والقداسة، وساد فيه السلم والأمان.

ضم الموسم أروقة موضوعاتية، معارض للصناعة التقليدية والمنتجات المجالية، عروض الإبل والفروسية، عملية إعذار جماعي لصالح أطفال الإقليم، سهرت عليها، شخصيا، وبكل حب وكياسة و مسؤولية، كما وقفت على ذلك بنفسي، السيدة “سهام لعمارتي”. لكن أكثر ما أضفى جمالية ورونقا على “الملكى” هو أماسي الشعر ومجالس الذكر والمديح، فبعد أن استراح الضيوف من عناء السفر، دعوا إلى خيمة الشعر، حيث امتزج “الهول” والطرب بالشعر الحساني، واشتد النزال بين الشعراء والأدباء الصحراويين، وفي ليلة المولد صدحت الحناجر بالأذكار، وأنشدت أبياتا في مدح المبعوث رحمة للعالمين.

ذكرى المولد، لها قدسية خاصة في قلوب أهل الصحراء، وتنظيم ملتقى بهذا الجمال، بهذه الدقة و ذاك الإبداع، أمر لا يسع محبي التراث والثقافة والتاريخ والأصالة إلا التنويه به وتثمينه، فمن الجميل مشاهدة لمة القبائل، و من المفرح ملاحظة حرارة السلام بين كل الوفود، ومن المطمئن ارتفاع الأصوات التي تطلب من بعضها البعض ” السماح”، كما هي عادة الصحراويين في كل الأعياد الدينية، أما الأروع فهو: حفل العشاء، الذي أقيم في بيت رئيس “ايتوسى”، لما له من مكانة اعتبارية، على شرف الضيوف، و كدلالة على نيابته عن كل “الإيتوسيين”، في الترحيب بمن شد الرحال إلى “زاوية آسا”، في ذكرى مولد المصطفى عليه السلام.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي