في خضم التسابق على العمل الخيري في هولندا، تمكنت سيدةٌ مغربيةٌ من فرض نفسهاَ اسماً بارزاً في الأراضي المنخفضة.. صنعت لشخصها هويةً ارتبطت بالإنسانية.. جمعت في آن واحد بين مجموعة من الأدوار التطوعية في عدةِ جمعياتٍ، كانت سنداً قوياً لمئات الأسر المحتاجة.. وقفت معهم ولم تملَّ يوماً.. ظلت متحديةً لكلِّ المعيقات التي تمنعها عن فعلِ الخيرِ. إنها مليكة لمريض المرأة التي رفعت راية المغرب عالياً.
وسط كلّ الأحداث المتسارعةِ، ظلّت مليكة متشبثةً بأصولها المغربية حاملةً رايةَ بلادها الأم في المحافل الهامّة، ولم تبخل يوماً على محتاجٍ من مدينتها، مسجلةً اسمها ضمن أبرز الشخصيات التي جادت بها زايو طوال تاريخها. مليكة تمكنت من فرض اسمها في ميدان الخير والإحسان، وكُرّمت في عدة مناسبات، عرفاناً بما تقدمه للإنسان.
حظيت مليكة بالعديد من الألقاب في وسط الجالية المغربية المقيمة بهولندا، والهولنديين عموماً، من أهمها “اليد البيضاء للخير”، “حمامة الإنسانية”، “القلب الرحيم”، “الأم تيريزا”، وذلك لما لها من دور بارزٍ ومهمٍّ في العمل الخيري، والذي أوصلها لأن تكون من ضمن الموشّحين بوسامٍ ملكيٍّ هولنديٍّ، سنة 2011، ولتكون سيدة السنة في هولندا سنة 2013.
مليكة التي لا تُفارق الابتسامة محياها، دخلت غمارَ العالم الخيري في أواخر التسعينات، حين تزوجت، وغادرت من مدينتها الأم زايو، صوب هولندا، حاملةً معها وصية والدها، عبد القادر لمريض، ذلك الرجل الذي عرفه أبناء المنطقة بكونه مسؤولاً عن دائرةٍ إدارية، ووجها محبّاً للخير، الذي قال لها، إنه لابد لك من أن تقدمي شيئا للمجتمع والإنسانية، قبل أن يرحل إلى دار البقاء بعد بضعة شهور على سفرها.
“رحل الوالد، وبقيت وصيته”، تقول مليكة في حديثها مع “بناصا”، قبل أن تضيف بأنها باتت مدمنةً على العمل الخيري، الذي تشعر بالسعادة وهي تقوم به، مسترسلةً في حكيِ تجربتها التي بدأت من روضٍ للأطفال، بعد إنجابها لطفلتها الأولى، حين كانت مواظبةً على التوجه برفقتها لكونها أمّاً قارئةً، تساعد في تلاوةِ المكتوب على نجلتها، قبل أن تنخرط في جمعية الآباء.
وأضافت مليكة، التي ما فتئت تقطع حديثها بابتسامتها المعهودةِ التي كان لها الفضل الكبير في جعلها من الشخصيات المحبوبةِ، ليس فقط في مدينتها الأصلية زايو، بل في شخونهوفن، حيث تقطن بهولندا، ولدى كافة من يعرفها، بأن انخراطها في جمعية الأباء، كأول أجنبية بها، دفعها للمزيد من العمل التطوّعي، حيث قضت فيها ما يناهز الـ 15 سنةً كاملةً.
واسترسلت بأنه بعد ذلك التحقت بالدكان العالمي، وكانت من بين النساء الـ 50، اللواتي كنّ يشتغلن به، تطوعياً، من أجل مساعدة سكان البلدان الفقيرة، حيث كان يعمل هذا الدكان على شراء المنتوجات الفلاحية والتقليدية والمصنوعات اليدوية من الفلاحين الصغار في الدول الفقيرة في العالم، ويقوم ببيعها لأشخاصٍ في هولندا.
وأوضحت مليكة: “غادرت الدكان قبل بضع سنوات، وقد أفلس الآن للأسف الشديد”، مردفةً: “كان يقوم بشراء المنتوجات من الفلاحين الموجودين في الدول الفقيرة، ثم يقوم ببيعها للمواطنين بهولندا، وهناك أناس بالرغم من أن بعض المنتوجات تكون أغلى بقليل من المتاجر، إلا أنهم كانوا حريصين على الشراء من الدكان العالمي، من أجل دعم الفلاحين في الدول الصغيرة”.
انخرطت مليكة في العديد من الجمعيات الخيرية، من بينها مركز للمرضى النفسيين ومن يعانون من القلق والتوتر، حيث عملت، إلى جانب أخريات، عبر التواجد يوماً أو يومين أسبوعياً، بأن يُوفرن الراحة للأشخاص الذين يملّون من صخب الشارع، ويضيقون ذرعاً بنظرات الناس، ويبحثون عن مكان يتوارون فيه عن الأنظار، ويحظون بوقت مميزٍ.
وعن هذا المركز تقول مليكة، إنه “كان بمثابة بيتٍ يَفتح أبوابه صباحاً ويغلق في الخامسة مساءً، يأتون إليه من يعانون من مرضى نفسية، ويتناولون الأدوية، أو من يمرّون بوضعية نفسية صعبة، أو قلقين، أو كثرت ضغوط الحياة عليهم، يقضون فيه وقتاً جيداً، يجدون كتباً ومجلاتٍ للقراءة، والأكل والشرب.. نوفر القهوة والشاي وغيرهما”.
وجمعت مليكة بين العديد من المهامِ في مختلف الجمعيات، كان أسبوعهاَ، يمرّ في العمل الخيريّ، من بين ما قامت به، هو انخراطها في مؤسسة لمرضى الربو، ويأتي دورها مرة في كل فترة، لكي تمرّ على المنازل لجمع التبرعات، بالإضافة إلى انضمامها لدارِ عجزة، تكمن مهمتها فيها، بأن تأخذ إحدى العجائز في جولة على كرسيّ متحرك، مع حرصها على تبادل أطراف الحديث معها، حتى تخفف عنها ألم السنين.
وأبرزت مليكة أنها قامت بعدها بتأسيس بنك التغذية، سنة 2005، وهو عبارة عن مؤسسة شبيهة بالبنك المعروف في المغرب والخاص بالنقود، غير أنها تخزن الأغذية الأساسية، التي يتم الحصول عليها من قبل المتطوعين وبعض الشركات ورجال الأعمال ممن يحبون العمل الخيري، من أجل توزيعها على الأشخاص الفقراء في مدينة شخونهوفن و5 مدن مجاورة لها.
وذكرت المتحدثة نفسها، بأن من أفضل المحطات التي ما تزال راسخةً في عقلها، هي دعوتها لحضور احتفالات الذكرى الـ 15 لعيد العرش سنة 2014، بالقصر الملكيّ بالرباط، حين تلقت دعوةً للحضور، كممثلةٍ للجالية المغربية بهولندا، معتبرةً بأنها شعرت وما تزال، بالفخر والاعتزاز لهذا الأمر.
وأشارت مليكة إلى أن وصية أمها قبل وفاتها، دفعتها إلى التفكير بجدية في نقل تجربة بنك التغذية إلى بلادها المغرب، حيث قدمت بالفعل طلباً إلى عمالة إقليم الناظور، من أجل منحها ترخيصاً لبدء هذا العمل الخيري من مدينة زايو، التي ولدت وترعرعت فيها قبل أن تغادر صوب هولندا، مؤكدةً بأن الأمور تسير في منحى إيجابي وستحمل السنة المقبلة بشرى جيدة بخصوص الأمر.
وشددت الفاعلة الجعوية، التي ترأس أيضا، الجمعية الهولندية المغربية التي تُعرف اختصاراً بـ”نيدمار”، على أن عملها في ميدان التطوع، دفع العديد من الأحزاب الهولندية لمحاولة استمالتها من أجل الانضمام إليها، لكنه رفضت بشكل قاطع ولوج العمل السياسي، مشيرةً إلى أن “والدي كان سياسياً، أخي كان سياسياً وعائلتي كانت سياسية.. ولكني أنا اخترت لنفسي طريقاً مغايراً هو العمل الخيري”.
ووجهت مليكة رسالةً إلى أفراد الجالية في مختلف بلدان العالم، ممن يتوفرون على إمكانية الانخراط في العمل الخيري، خدمةً لبلدهم الأم، وتمثيلاً له على أحسن وجه في بلد الإقامة، قائلةً: “إن العمل الخيري يُشعر المرء بالسعادة، ومن لديه الإمكانية لفعله، فمن الأفضل أن يقوم به، والحياة قصيرة.. لابد من العمل لما بعدها”.
ماشاء الله وبارك الرحمن.سعيد اختي بمسارك الذي خبرته عن قرب.بارك الله فيك و أحسن اليك في الدنيا والآخرة اختي الحبيبة.اللهم اجعل اعمالك رحمة و مغفرة لوالدينا.اللهم اجعل قبريهما روضتين من رياض الجنة.وفقك الله و سدد خطاك.
أخوك لمريض ميمون.بلجيكا.
الاخت مليكة لمريض قدوة بامتياز من بين نساء المفربيات شرفن العمل الجمعوي هنيئا لها بالتوفيق والنجاح والمزيد من العطاء