يأمل صالح، المحكوم بالسجن 30 عاما في المغرب على خلفية قضية إرهاب، معانقة الحرية قريبا بعد “مصالحته” مع ذاته والمجتمع، بفضل برنامج ساعده على مراجعة الأفكار المتطرفة التي قادته إلى السجن.
يقضي الرجل (50 عاما) أيامه وراء القضبان منذ اعتقاله العام 2002 وإدانته بالإعدام بسبب “الانتماء لخلية إرهابية وتمويل مشروع إرهابي”، قبل أن يخفض الحكم إلى السجن 30 عاما إثر استفادته من “مصالحة”.
ويستهدف برنامج “المصالحة” الذي تنظمه المندوبية العامة للسجون ومؤسسات رسمية أخرى منذ 2017، الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرف الديني.
ويقول صالح من داخل مكتبة سجن القنيطرة الواقع شمال الرباط: “آمنت بأفكار اعتقدت أنها الصواب، بما فيها العنف… أحمد الله أن يدي لم تتلطخ بالدماء”.
وتعرّف صالح على هذه الأفكار في إيطاليا التي هاجر إليها في التسعينات، “من خلال شيخ مسجد من (الجماعة الإسلامية) المصرية”، كما يقول. بعدها، قرّر تغيير حياته لتبدأ “بهجر بلاد الكفر مع أسرته نحو دار الإسلام” التي كانت آنذاك “إمارة طالبان في أفغانستان”.
لكن هجمات 11 شتنبر أوقفت مشروعه، فاعتقل بعد عودته إلى المغرب في 2002. وأدين مع أفراد خلية من 31 شخصا.
ويضيف: “آمنت بوجوب محاربة الحكام الظالمين الذين يعطلون الشريعة والدول التي تحارب المسلمين، استنادا إلى آيات وأحاديث لم أكن مؤهلا لفهمها الفهم الصحيح”.
“الاختلاء بالذات”
تستند أفكار الإسلام المتطرف العنيفة عموما إلى تأويل حرفي لبعض نصوص القرآن والأحاديث المنسوبة للنبي محمد منزوعة من سياقاتها التاريخية، وبما لا يتوافق غالبا مع تأويلات أخرى معتدلة يزخر بها تاريخ المسلمين.
وبدأت هذه الأفكار تلقى انتشارا واسعا منذ الثمانينات على الخصوص، مع قتال “المجاهدين” ضد السوفيات في أفغانستان آنذاك بدعم أميركي، قبل أن تصبح تهديدا رئيسيا للأمن في العالمين العربي والغربي.
وتحث هذه الإيديولوجية إجمالا على العداء المطلق لكل المخالفين لها، أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، والجهاد لإقامة “دولة الخلافة”.
في المغرب، اعتقل منذ 2002 أكثر من 3500 شخص وتمّ تفكيك أكثر من ألفي خلية من الإسلاميين المتشددين، بحسب أرقام رسمية، ووجهت إليهم اتهامات مختلفة بالانتماء إلى “تنظيمات إرهابية” والتخطيط لعمليات تزعزع الأمن، الخ… والتحق 1662 مقاتلا مغربيا بالتنظيمات المتطرفة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفق مصدر أمني بالرباط.
ويقول محمد دمير الذي أدين بالإعدام عام 2003 بتهمة الانتماء إلى خلية “إرهابية” بزعامة يوسف فكري المتمسك حتى اليوم بأفكاره العنيفة، إن عددا ممن يتم اعتقالهم “يكتشفون حاجتهم للتخلص من الأفكار التي تسيطر عليهم عندما يختلون بذواتهم”.
ولم يشعر دمير (47 عاما) بالحاجة لمساءلة معتقداته إلا بعد سبعة أعوام على توقيفه، لكن في المراجعة “كنت صادقا مع نفسي كما كنت صادقا حين آمنت بتلك الأفكار المنحرفة”.
وبدأ حينها مسارا طويلا لإقناع المسؤولين “بأن يمدوا لنا يد المساعدة”، ما قاد إلى خفض عقوبته عام 2011 إلى 30 عاما سجنا، ثم أفرج عنه في 2017 بعد مشاركته في أولى دورات برنامج “مصالحة”.
ويوضح المسؤول في المندوبية العامة للسجون مولاي إدريس أكلمام أن البرنامج كان “ثمرة مقاربة جديدة منذ 2015 شملت تتبع تطور هؤلاء السجناء وسلوكياتهم، وفتحت باب التفكير لمساعدة الذين عبّروا عن حاجتهم لمن ينير الطريق أمامهم”.
واستفاد من البرنامج حتى الآن 207 معتقلين، بينهم 8 نساء، وأفرج عن 116 منهم وخفضت عقوبات 15 آخرين. ويستمر البرنامج لكل معتقل قرابة ثلاثة أشهر.
“الصدق مع النفس”
مثل دمير، كان صالح بدأ مساءلة أفكاره تلقائيا “دون أن أهتم في البداية ببرنامج مصالحة، لكن أصداءه الإيجابية دفعتني للمشاركة فيه في 2019 لأكتشف عالما جديدا”.
يشمل البرنامج محاضرات دينية يلقيها مؤطرون من الرابطة المحمدية للعلماء (رسمية)، وأخرى في القانون والاقتصاد، ومرافقة نفسية للمعتقلين، ولكن لا يقتصر عليها. ويقول صالح إنه اكتشف مبادئ حقوق الإنسان و”جلها ليس غريبا عن جوهر الإسلام”، مضيفا: “صحيح هناك بعض التحفظات مثل الحق في الإجهاض، لكنها موجودة أيضا لدى مجتمعات غير مسلمة”.
ويشمل البرنامج أيضا محاضرات في القانون والاقتصاد ومرافقة نفسية للمعتقلين. ويتابع أكلمام: “لاحظنا اهتمام شركائنا الأجانب بالبرنامج”، مشيرا الى أنه “يمكن أن يكون مصدر إلهام لبرامج مماثلة تناسب خصوصياتهم”.
وقرّر دمير بعد انضمامه إلى البرنامج دراسة القانون بالفرنسية من داخل السجن.
ويقول: “كنت أكفر بالقانون الوضعي، فإذا بي أكتشف فكرة العقد الاجتماعي التي تتيح للجميع العيش في سلام، ما دمنا مختلفين بالضرورة”.
ويضيف: “عندما قرأت جان جاك روسو وفولتير وجدت أن أفكارهما غير بعيدة في العمق عن مقاصد الإسلام”.
وسار دمير بعيدا في رحلة الخروج من التطرف ليلتحق بعد الإفراج عنه بطاقم الرابطة المحمدية للعلماء الذي يشرف على الشق الديني لبرنامج “مصالحة”، ويحاول اليوم مساعدة متطرفين يرغبون في التحرر من الأفكار المتشددة.
يواجه دمير أحيانا أشخاصا عنيدين “هم في الغالب ذوو معرفة دينية محدودة”، فيضطر لمحاججتهم بنصوص وتفاسير من التراث الديني، لكنه يركز على “مساءلة الصدق في نفوسهم لإقناعهم بأنهم لن ينالوا رضى الله باتباع هذه الطريق، إذا كانوا فعلا صادقين في ابتغائه”، على حد تعبيره.
تعليقات الزوار ( 0 )