لم تكن تدري فاطمة (اسم مستعار)، ما ينتظرها بعد الزواج، فكأي فتاة في العشرين من عمرها، لا تتابع دراستها، كان دخول القفص الذهبي بالنسبة لها، كحلمٍ يتحقّق، لكنه سرعان ما تحوّل، بعد شهورٍ، لكابوسٍ أحكم قبضته عليها من كل الجهات، مذيقاً إياهاَ مرارة الحياة، دون أن تستطيع الفرار منه، هو فيروس نقص المناعة المكتسبة.
“لا أتمنى أن يحدث مع غري ما وقع معي”، كلامٌ جاء على لسانِ فاطمة، وهي تكابد دموعها من النزولِ، ترى ذات اليمين وذات الشمال، محاولة كبح البكاء، قبل أن تسترسل وتقول: “تقدم لخطبتي شاب في الثلاثين من عمره، وكنت في العشرين، لم أكن أدرس، غادرت الدراسة من السنة الثالثة إعدادي، وقد قبلت الزواج به بعد مباركة أهلي”.
وأضافت المتحدثة التي بدت وكأنها تعيش ماضيها من جديدٍ، لحظةً بلحظةً، حين كانت تروي ما وقع، بأن “زوجي لم يخبرني بأنه يعاني من أي مرض، قال فيما بعد بأنه لم يكن يعرف”، مسترسلةً: “تزوجناَ، وبعد أسابيع، بدأت تظهر علينا بعض الأعراض، مثل طفات الجلد، والمرض بشكل مستمر، الأمر الذي دفعنا لزيارة الطبيب، الذي طلب منها إجراء تحاليل الإيدز”.
وواصل فاطمة حكيها لـ”بناصا”، بعد أن غلبتها الدموعُ وانسكبت من عينيها: “مجرد إحالتنا على تحاليل فيروس نقص المناعة المكتسبة، كان صدمةً لنا، أشبه بإنزال قطعة ثلجٍ باردةٍ علينا، نظرنا إلى بعضنا البعض، والخوف بادٍ على كلاناَ، سألنا الطبيب إن كنا مرضى به، فقال يجب أن نرى التحاليل، فهي من ستخبرنا”.
وتابعت المتحدثةُ نفسها: “بعد لحظاتٍ، كانت الصدمة أقوى مما كنا نتصور، النتائج إيجابية، كلّ أحلامي التي سعدتُ بتحقيقها قبل شهورٍ، فرحت بالزواج، منيت نفسي بأبنائي، أرعاهم حتى يكبروا، أكون أمّاً لسنوات، أعيش جدةً، أرى أحفادي يلعبون أمامي، أرعاهم مثل ما فعلت بأبنائي، ولكن، يبدو أن القدر رفض كلّ هذا”.
تردفُ فاطمةُ حكيها، بأن اللحظة رغم قصرها، رغم ثوانيها القليلة، جعلتها ترى حياتها أمام عينيها، حين كانت طفلة تلعبُ مع الصغار، تجري في بين قطعانِ الأغنام، تحمل بيض الدجاج، تحلب الماعزَ، وتساعد أمها في الطهي، قبل أن تدرسَ وتغادر، ويتقدم لخطبتها شاب ثلاثيني، جميل الوجه، طويل القامةِ، لا شيء فيه يُعابُ، وتتزوجه.. سافرت عبر الزمن، من الماضي إلى غاية لحظتها، لتستيقظ من سرحانها.
وهي تتحدث، شردَ ذهنها وكأنها ترى شريطَ حياتها من جديد، قبل أن تعود لواقعها المرّ وتضيفَ: “لا يمكن للكلمات أن تصفَ تلك اللحظة، سافرت في الزمن، وبعدها انهرت بالبكاء وسط محاولة زوجي الذي بدا منهاراً هو الآخر، غير أنه حاول تمالك نفسه، لكي يُخفّف عنّي وقع الصدمة، وبدأ يخبرني بأن هناك أدوية للمرض وقدر الله وما شاء فعل”.
غادرَ زوج فاطمة منذ فترةٍ، ماتَ بسبب مضاعفات نقص المناعة المكتسبة، غير أنها، ما تزال تقاوم، وهي مستمرةُ على قيدِ الحياة، لديها إبنان، “لحسن الحظ، أو لنقل، لأن أقدار الله كانت رحيمةً، فإبني وابنتي ليسا مصابان بالمرض، وهذا ما أعاد إليَّ الحياةَ من جديدٍ رغم أن فقدتُ مذاقها لحظة معرفتي بأني مصابة.. مات زوجي، وما زلت أكافحه مع أدوية أنهكت جسدي، علّني أحقق أحلامي في رؤية أحفادي”.
معاناة فاطمة، ليست الوحيدة في المغرب، فهناك كثيرات ممن يرفضن الحديث، يعشن الوضع في صمتٍ، مثل عائشة (اسم مسعتار)، وهي لسيدة أخرى، تعرضت للخداعِ، وعكس السيدة الأولى، فإن زوجَ الأخيرة كان يعلمُ أنه مصابٌ، وأخفى ذلك، مخافةَ أن ترفضه، حسب ما قالته، غير أنها بمجرد ما علمت، رفعت دعوى الطلاقِ مباشرةً رغم أن الوقت كان قد فات.
عائشة تشدد في حديثها لـ”بناصا”، على ضرورة تغيير الوثائق المطلوبة في الزواج، لأن الشهادة الطبية التي تقدم، تسلّم دون أن يخضع صاحبها لأي فحوصات، حيث يكفي مدُّ 50 درهماً لأي طبيب عام، لكي يوقع على “شهادة لا تشهد، وثيقة خاليةٍ من أي معنى، تثبت أن الشخص لا يعاني من أي مرض، دون أن يكون ذلك مؤكداً”.
واستطردت: “يجب أن يتم وضع شرط اختبار فيروس نقص المناعة المكتسبة، مع ضرورة فرض إجراءات صارمة، وفرض عقوبات على أي مزور، من أجل تفادي أي خروقات محتملة، لأن هذا هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن ينقذ العشرات إن لم أقل المئات، من خداع الأزواج”، مستركةً: “لا أقصد الذكور فقط، ولكن شركاء الحياة بصفة عامة، لابد من أن يعرف الشخص الحالة الصحية للآخر من حيث الأمراض المعدية”.
تعليقات الزوار ( 0 )