أصبح العديد من المغاربة، خلال فترة الحجر الصحي، يقبلون على المطالعة، وهم منغمسون في دوامة التأمل الضارب في أعماق الذات، كرافعة تغذي معنوياتهم، عن طريق الكتب العلمية، الروايات، القصص، والمقالات، بمختلف مجالاتها وحقولها المعرفية.
موضوع اخترناه في هذا “الزووم” لتسليط الضوء على معالمه وتجسده ومعرفة” مدى اغتنام فترة الحجر الصحي للقراءة والمطالعة”، ورصد واقع الكتب، بالنسبة لطلبة الجامعة بمختلف أسلاكها ( الإجازة، الماستر، والدكتوراه). علما أن البعض منهم ترسخت لديه “ثقافة القراءة” منذ الصغر، والبعض الآخر دفعته “جائحة كورونا” إلى التعرف على المطالعة أكثر.
لغتيري: القراءة يتهددها الانقراض والحجر أحياها
في حوار مع الروائي المغربي، مصطفى لغتيري، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب سابقا، تحدث لنا عن علة إقبال بعض المغاربة على المطالعة داخل الحجر الصحي، كاشفا الاختلاف الذي يطال الظروف الاستثنائية، التي نعيشها الآن ومدى تأثر الأشخاص بالقراءة، بالإضافة إلى مايجب أن يكون من سياسات ثقافية، تصبو إلى ترسيخ القراءة لدى المغاربة.
– في زمن الحجر الصحي، أصبح العديد من المواطنات والمواطنين المغاربة يحاربون الملل والفراغ الذي قد يداهمهم خلال هذه الفترة، بالقراءة والمطالعة. ما تعليقكم؟
في هذه الفترة الفارقة والاستثنائية في حياتنا جميعا، والتي أخذنا فيها على حين غرة بهذا الوباء اللعين، كان لا بد من الالتزام في البيوت تجنبا للعدوى، وإذا كان المثل القائل “رب ضارة نافعة” يصدق في كثير من الحالات فإنه ينطبق كثيرا على هذا الوضع الاستثنائي، فالمكوث بالبيت أتاح للناس الاهتمام بأمور، كانت قد أصبحت نادرة جدا، ويتهددها الانقراض، من بينها القراءة، التي غدت مقترنة فقط بالطلبة والمتخصصين في مجالات محددة، تسوجب القراءة كالكتابة والصحافة، فكانت هذه الفرصة سانحة لتعود القراءة من جديد في صلب اهتمام الناس، فالحجر الصحي طويل ويبعث على الملل، وهذا مما ساعد على بعث بعض الهوايات التي تسعف الناس في تجزية الوقت، ومن بينها قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام.
أظن أن الأمر جد إيجابي خاصة في ظل توفر كتب بصيغة بي دي اف. بصراحة كنت أتمنى لو أن المكتبات لم تغلق أبوابها، وتفكر في صيغة مناسبة وآمنة لإيصال الكتب إلى الناس، حتى يساهم ذلك في ترويج الكتاب في بلادنا.
– في نظرك هل أبعاد المطالعة في الحجر الصحي تختلف عن الأيام العادية؟
طبعا كل شيء طاله الاختلاف في هذه الظروف الاستثنائية، ومن الطبيعي جدا أن تتأثر القراءة بهذا الأمر. وأظن في ظل إغلاق المكتبات لأبوابها بما يعني عدم توفر كتب جديدة، سيضطر كثير من القراء لإعادة قراءة ما قرأوه سابقا، كما يمكن للوقت المتوفر أن يساعدهم في الكتابة عما قرأوه. كما لاحظت عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتشار ظاهرة التعربديف بالكتب واقتراحها ونشر أغلفتها بوتيرة مرتفعة.
– هل استلهام واقتباس الأفكار تظل عالقة في ذهن القارئ أو المطالع أكثر وقعا وأكثر شدة عن الأيام العادية؟
أظن أن التأمل في الحياة والأفكار ضمنها طبعل، يستوجب أوقات فراغ، وهذا الأمر متوفر بكم كبير خلال فترة الحجر الصحي، لذا أعتقد أن استلهام الأفكار خلال هذه الفترة سيكون أقوى، لأن ما يزاحمها عادة من مشاغل الحياة أضحى قليلا، ربما لهذا السبب تطالعنا عدد من المقالات المتنوعة، التي أظنها أوفرعلى الأقل من حيث الكم خلال هذه الفترة، التي احتجزنا فيها الوباء في بيوتنا وفرض علينا سطوته من خلال تغيير عاداتنا وتعاطينا مع مجريات الحياة بشكل مختلف.
– ما رأيكم في نسب المطالعة الضئيلة في العالم العربي، وكيف يمكن زرع ثقافة القراءة والمطالعة لدى الصغار والكبار؟
آمنت دوما بأن أزمة القراءة مفتعلة وغير حقيقية، لأنه ببساطة يمكن مواجهتها والقضاء عليها بآليات بسيطة، وحلها لا يحتاج معجزة. أعتبر هذا الحل ممكنا بتوفر أرادة سياسية فقط. فالدول الغربية تمتلك الأموال والمؤسسات، وهي التي تمول الهيئات الأهلية، لذا تستطيع أن تحل كثيرا من المعضلات ومن بينها معضلة العزوف عن القراءة. فمثلا تعد مسابقة تحدي القراءة العربي أحد هذه الآليات، التي ساهمت في تحريك مياه القراءة وجعلها ولو نسبيا في عمق اهتمام المؤسسات التعليمية.
أقول إنها أزمة غير حقيقية لأن حلها متوفر. أفكر مثلا في وطننا المغرب. كم لدينا من بلدية حضرية وقروية؟ مع العلم أن كل بلدية تتوفر على الأقل على خزانة كتب. كم لدينا من مؤسسة تعليمية؟ ويفترض أن كل مؤسسة تعليمة تتوفر على مكتبة. إننا هنا أمام آلاف المكتبات. تصور لو صدر قانون بفرض على كل بلدية أو مؤسسة تعليمية أو تكوينية أن تقتني نسخة من كتب صدر حديثا. أظن أن الأزمة ستحل بشكل جذري، وسننتهي من أزمنة تسويق الكتاب وأزمة القراءة وتوفره للقارئ المفترص. أتصور كذلك لو أصبحت مادة القراءة الحرة ملزمة وينال عليها التلميذ والطالب علامة تساهم في نجاحه أو رسوبه. أظن حينها سنصبح إزاء مجتمع قارئ بامتياز.
فرصة تتيح آفاق للتفكير
” إن فترة الحجر الصحي أعطت لي الفرصة من أجل الاطلاع على أنماط أخرى من الكتابات كتاريخ المغرب”، تقول أمينة الرفاعي، طالبة بسلك الدكتوراه في علم الاجتماع، مؤكدة أن نسبة المطالعة ارتفعت خاصة فيما يخص قراءة المقالات في مجالات مختلفة ومتعددة.
وأكدت بأنها لم تعتبر فترة الحجر الصحي مرحلة تحتوي على سلبيات بقدر ما هي فرصة لإعادة النظر في نمط الحياة وعلاقتنا بالأشياء والأهداف المسطرة. هي فرصة، فيها شيء آخر يتسم بالإيجابية بالنسبة لها كونها أعادت شغفها في الكتابة كما في السابق، لتكتب بعض المذكرات إضافة إلى مقدمة رواية.
فترة الحجر الصحي، أتاحت لأمينة الرفاعي الاستمرار في قراءة كتبا في السوسيولوجيا الأنثربولوجيا على اعتبار أنها تحضر أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع. بالإضافة إلى قراءة السير الذاتية للكتاب، الشخصيات الناجحة، الروايات التي تتطرق لمواضيع اجتماعية، كتب تاريخ وفلسفة، ومقالات حول علم البيولوجيا والاقتصاد.
“المطالعة هي الطريق الوحيد الذي يمكننا من التغلب على الملل وعدم الشعور بالخوف، إضافة إلى الغوص في عوالم مختلفة”، وتضيف المتحدثة عينها بأن المطالعة تجمعها بها رابطة قوية منذ طفولتها، والفترة الراهنة بالنسبة لها هي فرصة خاصة على اعتبار توفر متسع من الوقت، نظرا للعمل عن بعد وعدم التقيد برسميات الوجود في مقر العمل أمام الحاسوب طيلة اليوم.
وترى بأن المطالعة يجب أن تكون أمرا ضروريا شأنه شأن الحاجيات اليومية. ويجب أن تزرع في الأطفال بداية عن طريق المحاكاة، أما بالنسبة للشباب يمكنهم أن البداية بأجزاء صغيرة كل يوم إلى أن يتعودوا على قراءة متاب كامل، والمشاركة في تحديات مع الأصدقاء والأقارب من أجل خلق نقاش حول ما يقرأ، ليتم خلق حافز لكل أفراد المحيط القريب.
فرصة للانفتاح على مجالات أخرى
” إن فترة الحجر الصحي جعلتني أسترسل في قراءة العديد من الكتب”، تقول شيماء هاتفي، طالبة بشعبة اللغة الفرنسية، وتضيف إن هذه الفترة أتاحة الفرصة للبحث عن كتب جديدة بصيغة إلكترونية والإستمتاع بقراءتها وهذا ما جعل نسبة مطالعتي تشهد ارتفاعا ساحقا، مقارنة مع الأيام العادية.
وقالت: ” من وجهة نظري لا يمكن أن نحصر سلبيات الحجر الصحي فهي كثيرة كالاضطرابات النفسية، الجسدية، والتغيرات التي تحصل معها، لكن ممكن تجاوز كل ذلك عن طريق تنظيم الوقت وحصر كل حيز زمني لمادة أو نشاط معين يقوم به الشخص، كممارية التمارين الرياضية أو التأمل، أو الخروج بأفكار إبداعية للمنزل أو التخطيط للمستقبل، والذي لا يقل أهمية هو تخصيص حيز زمني للمطالعة الغزيرة، لأنها نور للعقل”.
شيماء، تستمتع بقراءة الكتب من مختلف الأجناس والحقول، من روايات خيالية، كتب علمية اجتماعية، كتب بوليسية والفنية. وتعتبر أن ثقافة القراءة هي عنصر أساسي يجب زرعه في كل المجتمعات، لأنه به ترفع الأمم وتستنير عقولها، ولهذا يجب أن يعمل كل بلد على فكرة خلق وإنشاء فضاءات عديدة للقراءة ومكتبات في مختلف الأحياء داخل المدن، وتنظيم مسابقات بغية تحفيز الشباب للقراءة، بالإضافة إلى العمل على القيام بحملات تحسيسية بأهمية المطالعة في المدارس ودور الشباب.
“هي تجربة جد مميزة، مكنتني من الإنفتاح على مجالات أخرى، والبحث فيها بحكم سِعة الوقت وتوفر الإمكانات الرقمية والورقية، بحكم ترددي على أسواق بيع الكتب في زمن ما قبل الحجر الصحي، فحبي للمطالعة يجعلني كل مرة أرتاد فيها سوقا أو أصادف فيها بائع كتب أقتني منه العديد من العناوين بغية قرائتها لاحقا، والخجر الصحي أتاح الفرصة أكثر”.
الأذواق والمطالعة
“إن التنويع من أنواع الكتب يشكل رؤيا سامقة. وكل ما كان يطهى خلال فترة الحجر الصحي سيتم تذوقه من قبل المتلقي الورع والريان الذي يبحث عن سحر الجمال والبيان…إقرأ ما يقع بين يديك ولا تسأل الحكيم عن الكيفية التي امتح بها نسيمات حكمته الوازنة بل تعجب في ترصيع عباراته وتذوقها ولا تسوقها لأي كان وبأي وجه كان”. يقول محمد قاصد، طالب بسلك الماستر تخصص السيميائيات وتحليل الخطاب.
مضامين الكتب وما تحملة بين حنايا ضلوعها من أسطر ذا أهمية بالغة، فمن الناس من يهتم بكتب التراث والبعض بالروايات التي تضم أحداث وشخصيات وعقد لا تنفك إلا بالقراءة والتأمل، ولكي لا تعتاص الأمور من كل جانب يمكن القول بوجود قراء اغترفوا من حياض الكتب الوازنة التي تجمع بين الأسلوب والفكرة والتطلع نحو آفاق رحبة، وبهذا الصدد نجد الأذواق هي التي تحدد أنماط الكتب، وحتى لا نشكك في قدرات الكتاب سنخرج بعبارة ثمينة “كل الذين سخسروا جهدهم للمطالعة والتنقيب عن حلاوة الحرف هم الذين سيساقون إلى مدارك عليا ورحبة قوامها الذوق السليم”.
المكتبة الوسائطية بالرباط.. أنشطة للقراءة عن بعد
بعد إغلاق أبوابها، تماشيا مع ظروف الحجر الصحي، المكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية، للتربية والتكوين بالرباط، وفرت مجموعة من الموارد الرقمية التي يمكن الاستفادة منها “عن بعد”، والتي تحتوي على كتب، مقالات، وفيديوهات تعليمية.
بالإضافة إلى موارد أخرى من بينها قواعد بيانات، ومنصات إلكترونية لتعلم اللغات إضافة إلى نشر مجموعة من المقالات في جميع الميادين الفنية، من بينها: عن طريق تفعيل مجموعة من الأنشطة الثقافية “عن بعد” مثل قراءة كتاب قريتو، قراءة في كتاب، حكاية نت، محاضرات وندوات رقمية، برنامج كوتشينغ لايف، ولقاء مع المؤلف.
فريق المكتبة الساهر على إعداد هذه الأنشطة الثقافية وعلى رأسهم مسؤول البرمجة الثقافية، عماد بلحوس، يواصل العمل، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وموقع المكتبة الوسائطية لم يقطع التواصل مع القراء. ويؤكد للجريدة أن هناك استجتابة مستمرة لحاجيات المنخطين، للإجابة عن تساؤلاتهم أو مساعدتهم على عمل بحوث وتوفير المراجع والمصادر الرقمية، تشجيعا على المطالعة والبحث، في ظل هذه ظروف الحجر الصحي.
تعليقات الزوار ( 0 )