شهر رمضان، بما يحمله من عبق الروحانية والأمل، هو أكثر من مجرد فترة للعبادة؛ إنه رحلة من الصبر والتأمل. إلا أن هذا الشهر الكريم، حينما يلتقي بالغربة، يتحول إلى مزيج فريد من الحنين إلى الوطن والتحدي في التكيف مع ظروف الحياة الجديدة، ليصبح أكثر من مجرد صيام وقيام، بل تجربة تجمع بين الذكريات والواقع الصعب.
وبالنسبة للمغتربين المغاربة في كندا، يتخذ هذا الشهر الكريم طابعًا خاصًا، حيث يبذلون جهودًا مضاعفة للمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم، رغم الظروف البيئية والثقافية الجديدة التي يواجهونها.
فهل يمكن لرمضان في الغربة أن يحمل نفس الشعور الذي يعايشه الإنسان في وطنه؟ الإجابة تكمن في تجاربهم الشخصية التي يشاركونها مع جريدة “بناصا” الإلكترونية.
أجواء رمضانية بين الحنين والتكيف
تقول فاطمة الزهراء، مغربية مقيمة في مونتريال: “في رمضان، يزداد الحنين إلى الوطن أكثر من أي وقت آخر. هناك شيء لا يمكن استبداله في أجواء المغرب، من صوت المؤذن الذي يملأ الأحياء حتى الدقائق الأخيرة قبل أذان المغرب.”
وتستطرد: “لكننا في كندا نحاول جاهدين خلق هذه الأجواء في بيوتنا، من خلال تحضير الأطباق المغربية الشهيرة مثل الحريرة والطاجين، وكذلك بالتمسك بالعادات الرمضانية التي لا تتغير، مثل الجلسات العائلية والمشاركة في إفطار جماعي.”
طول ساعات الصيام: تحدي إضافي
وتستعرض فاطمة تحديًا آخر يواجه المغتربين في كندا، وهو طول ساعات الصيام، التي قد تصل إلى 16 ساعة في بعض الأحيان.
وتقول: “في المغرب، قد يكون النهار أقصر، ولكن هنا في كندا، نضطر لانتظار ساعات طويلة حتى يحين وقت الإفطار. رغم ذلك، يحاول الجميع التكيف من خلال تنظيم وقتهم بشكل مرن، سواء في تناول الوجبات أو الصلاة.”
التضامن المجتمعي: قوة الروابط الرمضانية
وعلى الرغم من البُعد عن الوطن، يسعى المغاربة المقيمون في كندا لتشكيل شبكة اجتماعية تعزز من روح التضامن خلال شهر رمضان.
يقول يوسف، مغربي يعيش في أوتاوا في حديث مع “بناصا”: “في كندا، نجد المغتربين يتواصلون بشكل أكبر خلال رمضان. نحاول تنظيم إفطارات جماعية في المساجد أو الجمعيات المحلية، وهذه اللحظات تجعلنا نشعر بأننا جزء من شيء أكبر. إنها فرصة لتبادل التهاني والدعوات الطيبة، وهو ما يخفف عنا مشاعر الغربة.”
الصلاة في المساجد: رابط روحي عميق
من جانبه، يشير عادل، المقيم في تورونتو، إلى أهمية الصلاة في المساجد خلال رمضان، حيث تعزز شعور الانتماء الروحي. يقول: “صلاة التراويح في المساجد هنا تحمل طابعًا خاصًا، لأنها فرصة للعبور مع المجتمع المغربي المحلي.”
ويوضح: “على الرغم من مشاغل الحياة، نحرص على التواجد في المسجد، لأن هذه اللحظات الروحية تجدد فينا الإيمان وتؤكد لنا أن رمضان لا يزال يمثل محور حياتنا.”
رمضان بين تحديات الغربة وروحانية الشهر
ويظل رمضان في كندا بمثابة اختبار للتوازن بين الحنين للوطن والتكيف مع ظروف الغربة. ورغم صعوبة التكيف مع طول ساعات الصيام والابتعاد عن العائلة، يبقى المغاربة في كندا متمسكين بروح الشهر الفضيل، من خلال خلق أجواء رمضانية تعكس العادات المغربية وتعزيز الروابط الاجتماعية والروحانية.
وفي كل زاوية من كندا، نجد مغتربين يضعون بصمتهم الخاصة في رمضان، محاولين أن يجعلوا من هذا الشهر المبارك نقطة التقاء بين الوطن والغربة، بين الذكريات والأمل.
تعليقات الزوار ( 0 )