رسمت شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة الراديكالية في الجزائر صورة قاتمة للمشهد السياسي العام في البلاد، داعية إلى رفض ما وصفتها بمهزلة الانتخابات الرئاسية، والانخراط في مشروع انتقال ديمقراطي تأسيسي، وهي الفكرة التي سبق لها الظهور في فترة الحراك الشعبي وواجهت رفضاً قاطعاً من قبل السلطة السياسية آنذاك.
قبيل أسبوع من ظهور قائمة المرشحين النهائية للانتخابات الرئاسية، ظهر صوت تيار المقاطعة، ممثلاً بعددٍ من الشخصيات المعروفة، مثل محسن بلعباس، الرئيس السابق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وعلي العسكري، السكرتير الأول السابق لجبهة لقوى الاشتراكية (ليس على وفاق مع حزبه المشارك في الرئاسيات)، وكريم طابو، مؤسس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي الذي لم يحصل على الاعتماد، إلى جانب شخصيات حقوقية ونشطاء، مثل فضيل بومالة، والمحامي عبد الله هبول، وسعيد زاهي، وفطة السادات، والقائمة مفتوحة.
ونشر هؤلاء بياناً موجهاً للجزائريين، أكدوا فيه أن “اقتراع الرئاسة” القادم “سيكون إخفاقاً آخر على مدى سنوات وأخطر من سابقيه، ليس لأنه مجرد تزكية النظام لنفسه بزبائنية قديمة متجددة، ولكن لأنه سيعمّق الشروخ، وسيعمل على تقسيم الشعب وفق أجندة استمرار نظام لا شرعية له، ولا مشروع بأي ثمن”. وقالوا إنه “أمام هذا التعنّت الرافض للحلول الجذرية والملموسة، وتعليق “التغيير السياسي الجاد” بدورات انتخابوية هزلية ومحسومة سلفاً، يتحتّم علينا جميعاً رسم معالم أخرى لصدّ “المجهول” الذي ينتظر الجزائر وشعبها”.
وعليه، يضيف البيان، فإن “مسؤوليتنا التاريخية اليوم لا تنحصر في رفض مهزلة “انتخابات” النظام الرئاسية القادمة شكلاً ومضموناً، بل تتعدّاه إلى بناء ميزان قوة شعبي سلمي بديل لحماية كياننا الجمعي شعباً ووطناً، وفق الحقوق والحريات المكفولة دستورياً وفي المواثيق والعهود الدولية التي أقرتها الجزائر منذ عقود”. وذكر الموقعون أن “صرختنا المشتركة هذه تستمد روحها ومرجعيتها من ثورة الشعب السلمية وتتمسك بأهدافها المشروعة”.
وفي ما يبدو أنه مشروع سياسي مشترك تعمل عليه هذه الشخصيات، قال البيان إن “مقاومتنا الديمقراطية تعددية جامعة عابرة للأيديولوجيات ولاغية للنعرات الهدامة والحزبيات الضيقة، وهو ما نعتبره مكسباً وطنياً نعمل معاً على ترجمته في مشروع انتقال ديمقراطي تأسيسي يحميه الشعب، مصدر شرعيته الوحيد، وتحمله كل قوى المجتمع الحية، بمختلف أطيافها السياسية المؤمنة بدولة المؤسسات والشرعية الديمقراطية بمضامينها الوطنية، والمنفتحة على العالم”.
وكانت فكرة “الانتقال الديمقراطي التأسيسي”، مثار خلاف قوي في فترة الحراك الشعبي، بين تيار في المعارضة (البديل الديمقراطي) كان يعتقد أنها الأنسب لبناء لبنات الديمقراطية في البلاد، وبين السلطة المتحكّمة، في ذلك الوقت، التي رفضت بالمطلق هذا الطرح، معتبرة أن الفترة الانتقالية ستودي بالبلاد نحو المجهول، وفرضت بالمقابل خيار الذهاب للانتخابات الرئاسية، التي جرت في كانون الأول/ديسمبر 2019، وحملت لقصر المرادية الرئيس عبد المجيد تبون.
وفي منطق الشخصيات المعارضة، وفق ما ورد في بيانهم، فإن تلك الانتخابات (2019) “كرّست اللاشرعية، وأدخلت البلاد في أنفاق أخرى من اللاحكامة والوهم والارتجال والعبثية”، حيث ضيّعت، حسبهم، منظومة الحكم على البلاد فرصة التغيير السلس التاريخية التي منحتها ثورة الشعب السلمية منذ 22 في فبراير 2019”.
وبعد ما يقارب خمس سنوات، ها هو النظام، حسبهم، أي “القيادة العليا للقوات المسلحة بوصفها السلطة الفعلية وواجهتها المدنية، يسعى لإنقاذ نفسه على حساب الجزائر والشعب، مكرراً “خطاياه الكبرى”، ومستنسخاً أسوأ ما فيه”. ولأجل ذلك، “قتل أبجديات السياسة، وأغلق الفضاء العام، وصادر الحريات الأساسية، الفردية والجماعية، وقنن القمع والاعتقالات السياسية”، وفق ما يرد في البيان.
واعتبر المعارضون أن كل ذلك أدى إلى “إجهاض ميلاد المجتمع المدني المستقل، وكل أشكال السلط المضادة أحزاباً ونقابات حقيقية وإعلاماً مفتوحاً، وعطّل آليات الرقابة والمساءلة، ناهيك عن تحطيمه كل أطر الحوار والوساطة والتفاوض وحلّ النزاعات واختلاقه أعداءً وهميين بسبب رأي مخالف أو موقف معارض”.
وأضافوا في نقدهم أن النظام السياسي “يحاول بالتخويف والتيئيس والفساد الرمزي والمادي تفكيك ما تبقى من معالم البناء الوطني الهادفة إلى تجسيد حلم الدولة الديمقراطية الاجتماعية والتي تتعارض ومصالح الطغم التي وضعت يدها على ثروات البلاد وحوّلتها الى ملكية خاصة”. واعتبروا أن “هذه الأعطاب البنيوية المدمرة هي التي منعت إقلاع بلد قارة كالجزائر، وجعلته في ذيل الترتيب عالمياً في معظم المجالات”.
أما إقليمياً ودولياً، فيرى الموقعون على البيان أنه “بسبب غياب أدنى رؤية براغماتية للرهانات والمآلات، عزل النظام الجزائر دبلوماسياً واقتصادياً وجيوأمنياً، واختزل سياستها الخارجية وأدوارها الإستراتيجية الطبيعية في شعارات جوفاء، مقدماً نفسه والبلاد ضحية لمؤامرات خارجية وتهديدات دائمة”.
وأبرزوا أنه “حتى ذلك الدور الذي يسعى للعبه أممياً في قضية الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة المحرقة، فإنه، وعكس أنظمة العالم أجمع، منع عن الشعب الجزائري حقه في التظاهر والتضامن كما كان يفعله دوماً في مسيرات حراكه السلمي”.
وينتظر أن يثير هذا البيان ردودَ فعل لدى الأحزاب الداعمة للرئيس عبد المجيد تبون وعند المعارضة المقتنعة بخيار الانتخابات لإسماع صوتها.
وسبق لعبد القادر بن قرينة، السياسي البارز في صف دعم الرئيس، أن كتبَ، رداً على دعاة المرحلة الانتقالية، أنهم “راهنوا الخروج على المسار الدستوري، بعدم إجراء الانتخابات الرئاسية في 2019، فالتحم الشعب مع جيشه، وأنجز الانتخابات، واستعاد المواطن جمهوريته.. وفشلوا. وراهنوا على انكسار المسار الانتخابي، عندما مرض الرئيس (فترة كورونا)، وحاولوا تقليص عهدته، فوقفنا دون تردد في وجه مخططاتهم حتى عاد الرئيس أقوى.. وفشلوا”.
تعليقات الزوار ( 0 )