Share
  • Link copied

مدينة الدار البيضاء بين استكمال البنيات التحتية وتحديات تنظيم المونديال

   استبشرت ساكنة الدارالبيضاء بتعيين وال جديد سبقته سمعته الإدارية وتجربته التسييرية  لولايات  وعمالات أقاليم سواء بشرق المملكة أو بشمالها. إذ منذ إنهاء مهام الوالي  السابق إدريس بنهيمة ، لم تحظ العاصمة الاقتصادية بتعيين وال مقتدر يستطيع أن يدبر مختلف المخططات التي رسمها  الملك محمد السادس لتحويل الدار البيضاء إلى قطب اقتصادي وإداري واجتماعي منسجم يتجاوز التناقضات العمرانية والسكنية التي يتخبط فيها منذ عقود ، والتي تجعل منها مدينة تعج بجمالية تصميم الأحياء الراقية ( أنفا ، المعاريف ، كوتيي ، المدينة الخضراء ، كاليفورنيا …) وأحياء مهمشة بدواويرها و هشاشة مساكنها ، وبدونة ساكنتها … بالإضافة إلى تعثر استكمال مجموعة من بنياتها التحتية التي أدت إلى خنق شوارعها وأزقتها في الوقت الذي رشحت المدينة لتنظيم بعض مباريات  مونديال 2030 من خلال التخطيط لبناء أكبر ملعب قد يحتضن نهائيات هذه التظاهرة العالمية. من هنا يبدو أن تعيين الوالي الجديد محمد مهيدية تم في ظرفية جد حساسة في تاريخ مدينة الدارالبيضاء تتهيأ فيها لولوج نادي المدن العالمية سواء من خلال استكمال بنياتها التحتية أو لرفع تحدي تنظيم المونديال.

الوالي الجديد واستكمال البنيات الطرقية

    على الرغم من تمتع جهة الدار البيضاء -سطات بأفضل تغطية في المغرب من حيث البنية التحتية الطرقية، حيث يبلغ طول خط الطرق فيها 6000 كم (أي 13٪ من مجموع طول الشبكة الطرقية في المغرب). ، فإنها  ما زالت تعاني من اختناقات مرورية يومية خاصة في الشوارع الكبرى . وقد ازداد الأمر سوءا بعد الشروع في إنجاز خطوط الترمواي التي بالإضافة إلى تقليصها لمساحة الشوارع الرئيسية للمدينة ، فإن التأخير في الإنجاز بسبب تداعيات الجائحة ولعوامل تمويلية وتقنية أخرى  جعلت السير والتجول بشوارع المدينة خاصة في أوقات الذروة جحيما مروريا لا يطاق . ولعل هذا ما دفع بوزارة التجهيز والماء، وولاية جهة الدار البيضاء-سطات، وجهة الدار البيضاء-إلى إبرام اتفاقية-إطار تروم بالأساس تعزيز وتطوير البنيات التحتية الطرقية من خلال تطوير محاور طرقية جهوية مهيكلة بجهة الدار البيضاء-سطات، بالإضافة إلى توسيع شبكة الطرق القروية بالجهة. ولعل تعيين الوالي الجديد بما عرف عنه من ديناميكية  إدارية و تجربة  تقنية  وصرامة في التعامل قد يساعد في العمل على التسريع في إنجاز هذه المشاريع والتي من شأنها المساعدة على تسهيل حركة السير والجولان لسائقي السيارات ومستعملي الطريق بهذه المدينة، وبالأخص مشروع كازاترامواي Casatramway الذي تقدمت أشغال بنيته التحتية بمعدل 25٪ ، في الوقت الذي تبقى فيه نسبة 82٪ من المسافة الممتدة على طول 26 كيلومترا قيد الإنجاز والمتعلقة  أساسا بإنشاء منصة للسكك الحديدية تهم (أشغال الحفر ، وضع الأساس، والشبكات بأسفل المنصة ، ومد الخطوط الحديدية ، والتبليط ، وتثبيت أعمدة الخطوط الكهربائية ومحطات الركاب ومفترق الطرق) .

الوالي الجديد  وحماية الملك العمومي

لقد أظهر الوالي الجديد منذ تعيينه تصميمه على محاربة احتلال الملك العمومي بشكل يذكر بما كان يقوم به الوالي السابق إدريس بنهيمة في محاربة هذه الظاهرة. فبعد تعيينه بأسبوع واحد ، شرع الوالي محمد مهيدية، في العمل على محاربة احتلال الملك العمومي بأبرز المحاور الطرقية  خاصة تلك المؤدية إلى وسط المدينة.الشيء الذي تفاعل  معه البيضاويون بشكل إيجابي ، حيث تناقلوا على شبكات التواصل الاجتماعي تدوينات تُشيدُ بما أقدم عليه الوالي لتنظيم وسط المدينة وتطهيره من الاحتلال العشوائي على غرار منطقة باشكو و البرنوصي حيث كانت الفوضى عارمة ، مطالبين بضرورة تحرك عمال العمالات السبع بالدارالبيضاء لتظافر جهود الجميع للقضاء على الفوضى التي أصبحت تعيشها العاصمة الإقتصادية للمملكة المقبلة على إستضافة كبريات المناسبات والتظاهرات العالمية.كما دعا هؤلاء لتوسيع عملية محاربة الإحتلال العشوائي للملك العمومي كمنطقة مولاي رشيد التي تعاني بدورها من الإنتشار الكبير والعشوائي للعربات المجرورة والدواب وقطع المحاور الطرقية بشكل عشوائي والرصيف من قبل الباعة المتجولين و أرباب المقاهي والمحلات التجارية. كما توسم البيضاويون  خيرا في  رفض الوالي  الجديد محمد مهيدية التأشير على تعيين رئيسة قسم التعمير والإسكان والممتلكات بمجلس مدينة الدارالبيضاء بعدما توصلت عمدة المدينة برسالة جوابية تؤكد الرفض لأسباب متعددة وشكايات من المنعشين العقاريين والمستثمرين الراغبين في الحصول على رخص البناء، بالإضافة للمماطلة في التصاميم، ومشاكل أخرى متعلقة بالوثائق الإدارية. حيث رأى البيضاويون  في هذه الخطوة بداية  لحملات متتالية لمحاربة التسيب الذي يطال تدبير شؤون العاصمة الاقتصادية وجعلت التغيير والإصلاح والتفاعل بطريقة فيها نوع من الصرامة ضرورة حتمية للوقوف على جميع الخروقات والتجاوزات. التي تعيشها هذه المدينة . لهذا فمن المؤكد أن الوالي  الجديد سيتفاعل بشكل سريع مع المطالب والشكايات لمحاربة كافة مظاهر العشوائية واللاقانون، و سيسعى لتحقيق إنتظارات سكان الدارالبيضاء وآمالهم في محاربة الفوضى والتسيب وتطبيق القانون ومشاكل البناء العشوائي والدور الآيلة للسقوط…

الوالي الجديد والحفاظ على جمالية المدينة

تفتقر العاصمة الاقتصادية على الرغم من كل الجهود المبذولة إلى الحفاظ على جماليتها  العمرانية  ،  حيث تعاني من نقص حاد سواء فيما يتعلق بنظافتها أو ضعف إنارتها العمومية ، أوالنقص في فضاءاتها الخضراء واتساخ واجهاتها الأمامية . فعلى الرغم أنه قد لوحظ تحسن ملموس في نظافة  بعض أحياء وشوارع الدارالبيضاء، بعدما قامت هذه الشركات بتوزيع العديد من صناديق القمامة في عدة مناطق وأنحاء من  المدينة ، واستعمال آليات جديدة لجمع هذه الصناديق وتفريغها في المزابل الخاصة بذلك ، فما زالت الأوساخ والقاذورات والنفايات بكل أشكالها تنتشر في العديد من الأزقة والدروب والأحياء البيضاوية ، خاصة في الأحياء ذات الكثافة السكانية كالمدينة القديمة ، والحي الحسني ، والأحياء الطرفية الأخرى ، لتتراكم بشكل مريع في الأحياء العشوائية و القصديرية. بالإضافة إلى ذلك ، فالأجهزة الإدارية المكلفة بالسهر على نظافة المدينة غالبا ما لا تقوم بدورها في زجر أية مخالفة تمس بنظافة المدينة ، بحيث لا تحرر محاضر بالنسبة لمن يرمون بالنفايات في الشارع العام ، ولا تتم متابعتهم في غياب ترسانة قانونية بلدية خاصة بهذا القطاع . كما أن مما يزيد من تفاقم هذه الوضعية ، هو افتقاد المدينة لمراحيض خصوصية أو عمومية ، وبعدما  تأخر تنفيذ مشروع 100 مرحاض  الذي سبق أن برمج في جدول أعمال مجلس المدينة . وبالتالي يمكن للوالي الجديد حث المعنيين بهذا القطاع إلى الإسراع بضمان والحفاظ على نظافة المدينة بمختلف أحيائها وشوارعها ومساحاتها العمومية  من خلال بلورة ترسانة قانونية بلدية تقوم بتقنين هذا القطاع وزجر أية مخالفة تمس بنظافة المدينة من خلال فرض غرامات أو عقوبات مختلفة على كل من يضبط متلبسا برمي الأزبال أو تلويث الشارع العام بالقاذروات أو الفضلات أو البقايا ، وإلزامه بجمعها في المرة الأولى ، وإجباره على كنس الشارع أو الدرب أو الزقاق الذي ضبط فيه متلبسا ، لتقديمه للمحاكمة في المرة الثالثة . ويمكن لحكام الجماعات أو المقاطعات الإشراف على إصدار مثل هذه الأحكام . كما يمكن للمقدمين والشيوخ أن يساهموا في هذه العملية من خلال رفع تقارير عن كل  الأشخاص الذين يقومون برمي النفايات أو الأزبال . 

بالإضافة إلى أنه قد حان الوقت لكي يقوم مجلس المدينة بإعطاء التراخيص الضرورية للقطاع الخاص من البيضاويين والبيضاويات لفتح مراحيض خصوصية في مناطق وأنحاء تحددها  السلطات المختصة مقابل واجب شهري يؤدى للمجلس وذلك على غرار المسطرة التي يتم بها فتح الأكشاك ، أو مخادع الهاتف. فهذا الإجراء إذا ما تم تنفيذه ، سيساهم ليس فقط في ضمان نظافة المدينة وجنباتها ، بل سيوفر آلاف من فرص الشغل لسكان المدينة .

كما تعاني المدينة  أيضا من اتساخ واجهات المدينة الأمامية وعدم تناسق ألوانها. إذ  رغم التسمية التي تتميز بها مدينة الدارالبيضاء ، فليس لها من هذا اللون إلا الاسم  إذ يكفي أن يجول المرء بنظره على البنايات العمومية والعمارات والشقق والإقامات المشتركة  أو إلقاء نظرة على جدران البيوت والمنازل سواء بالأحياء العصرية أو الشعبية ، أو على مقرات الشركات والمعامل والمحلات ليلاحظ تمايز ألوان هذه البنايات ، حيث أن كل بناية تتميز بلون خاص بعدما تقاعست السلطات المحلية عن فرض لون موحد لواجهة بنايات المدينة يتمثل في اللون الأبيض المشوب باللون الأزرق الذي كان يحافظ للمدينة ، كغيرها من المدن الساحلية المغربية الأخرى ، على طابعها وهويتها كمدينة ساحلية ومنفتحة .أما فيما يتعلق بواجهة البنايات فغالبا ما يلاحظ المرء الاختلاف الكبير بين ألوانها ، فهناك بنايات مصبوغة ، تجاورها بنايات أخرى فقدت لونها بسبب التلوث وهطول الأمطار والغبار ، والدخان المنبعث من محركات السيارات . وبالتالي ، يمكن للوالي الجديد أن يشرف على ورش تبييض وصباغة المدينة ، مبتدئا بصباغة وتبييض مقر الولاية للانتقال إلى تبييض مختلف بنايات وسط المدينة .

أما فيما يخص صباغة وتبييض الواجهات الخارجية  لبنايات المدينة ، فإنه من الممكن ، بدل أن يقوم كل شخص ذاتي أو معنوي بصباغة هذه الواجهات بمفرده ، أن يتم حث مجلس المدينة على إسناد هذه المهمة لشركات متخصصة تتكلف بصباغة وتبييض بنايات المدينة وواجهاتها الخارجية بشكل منتظم ودوري ، بينما يشرف مجلس المدينة على مراقبة هذه العملية  ، واتخاذ التدابير اللازمة في حالة تسجيل أي نقص أو تقاعس أو تشويه من طرف الشركات المكلفة . أما الموارد المخصصة لهذا العملية، فيمكن أن تستخلص من ضريبة النظافة المفروضة على الساكنة البيضاوية . وبهذا يمكن أن يضمن لمدينة الدار البيضاء شروط نظافة ملائمة تهم ليس فقط أرضية شوارعها ودروبها وأزقتها ، بل أيضا واجهات أسطح بناياتها السكنية والإدارية و الخدماتية كما يمكن  حث مجلس المدينة على عقد شراكات مع جمعيات  الأحياء والدروب ودعمها ماليا ولوجيستكيا للقيام بهذه المهمة ، وذلك من خلال خلق روح التنافس بينها بتخصيص جوائز مالية سنوية لأنظف حي على صعيد ولاية الدارالبيضاء  الكبرى  وأنظف درب على صعيد كل مقاطعة حضرية.

أما فيما يخص الإنارة العمومية بهذه المدينة ، فإن  كل من يتجول بشوارع الدارالبيضاء ليلا ، لا بد أن يسترعي انتباهه وجود إضاءة بدون نور ، فكل أعمدة الكهرباء الممتدة على طول هذه الشوارع تحس بأنها عبارة عن شموع أكثر من  مصابيح  مضيئة. إذ ترى الشوارع على مرمي النظر كأنها مظلمة وتزداد ظلمة كلما كان الجو شتويا وغير صحو .الشيء الذي يجعل التساؤل مطروحا ومشروعا حول ما فائدة إنارة لا تنير ومصابيح  توجد في علو شاهق وبنوع تقليدي لا يكفي لكي  يخلق اضاءة  مشعة  حتى بوسط المدينة وأطرافها . من هنا ضرورة حث الوالي الجديد الجهات المعنية على تجديد الإنارة العمومية سواء بوسط المدينة  الذي يجب أن يجهز بإنارة عمومية ذات مواصفات خاصة تعتمد على إضاءة جيدة وكاشفة تساهم في ضمان أمن مكونات هذا الفضاء ، وفي نفس الوقت تضفي عليه جمالية خاصة.  إذ ينبغي أن يزين  الممر الأرضي لوسط المدينة أو ما ينعته البيضاويون بالكرة الأرضية الذي تم ترميمه  مؤخرا بمصابيح بمختلف الألوان  تضيء هذا الفضاء وتضفي جمالية على جنباته خاصة بالليل بشكل يشبه تلك الإضاءة التي تميز برج إيفل بفرنسا.وكذا  العمل على تزيين كل المرافق الإدارية والخدماتية المتواجدة بوسط المدينة كمقر ولاية الدارالبيضاء و مبنى البريد والبنك المركزي ومجلس المدينة  ليتم بعد ذلك فرض أضواء كاشفة خاصة بشوارع المدينة الكبرى والممرات الرئيسية للمدينة .

في حين ينبغي  خلق  فضاءات خضراء جديدة  في مختلف  أنحاء المدينة التي غزاها الاسمنت بشكل رهيب ، وذلك وفقا لما نصت عليه بعض بنود اتفاقية القرض المبرمة بين البنك الدولي ومجلس جهة التي تؤكد على ضرورة خلق فضاءات خضراء جديدة تنضاف إلى حديقتي الجامعة العربية ومردوخ اللتين تمت إعادة هيكلتهما في السنتين الأخيرتين في الوقت الذي ينبغي فيه إعادة تشجير شوارع الدارالبيضاء التي تم تنخيلها بشكل مفرط ، وذلك بتعويض النخيل المنتشر في كل جنبات المدينة بأشجار تتلاءم وطبيعتها الساحلية وتقاوم التلوث الذي تعاني منه الساكنة البيضاوية وكذا الإشراف على الإسراع في إنجاز متنفسات الدارالبيضاء الكبرى بكل من عين السبع  وزناتة لتخفيف الضغط على متنفسي الحسن الثاني  وعين الذئاب اللذين ينبغي الاهتمام بصيانتها. ولمتابعة كل هذه الأوراش ، ينبغي على الوالي الجديد أن ينفتح على مكونات المجتمع المدني المحلي من خلال عقد اجتماع موسع مع الجمعيات النشيطة في المدينة للانصات لاقتراحاتها فيما يتعلق بتطوير المدينة وإصلاح بعض أعطابها ، وكذا فتح خط أخضر مباشر للاستماع لشكاوى الساكنة ، بالإضافة إلى تركيب كاميرات لمتابعة سير الأشغال في الأوراش الكبرى التي هي قيد التنفيذ.

Share
  • Link copied
المقال التالي