ان الناظر في القضايا القانونية و الأسرية بشكل خاص في المملكة المغربية سيرى حجم التحولات الكبرى التي عرفتها الأسرة المغربية على مر التاريخ،تحولات ونضالات تم ترجمتها في مدونة أسرية باعتبارها إمتداد لذلكم الحبل الموصول من الترابط الأسري الذي شكل على الدوام أساس من أسس قيم المجتمع المغربي،مجتمع قوي بعاداته وتقاليده النابعة من الشريعة الإسلامية والمترجمة في مدونة وسطية أساسها الوحيد ضمان حقوق الأسرة المغربية أثناء وبعد قيام الرابطة الزوجية أو عند انفصالها.
لقد عرفت المملكة المغربية ثورة حقوقية كبرى في مسار تعزيز مدونة تعطي الحق لجميع أطرافها،حيث بذهابنا إلى سنة 1957 أي مباشرة بعد إستقلال المغرب كانت المملكة تنبني أحكامها في المادة الأسرية على الأحكام العرفية والشريعة الإسلامية واجتهادات فقهائها وفي مقدمتهم فقهاء فاس العلمية .
وفي نفس السنة تم تشكيل أول لجنة تناط بها مهام بلورة إطار تشريعي للأسرة المغربية،وقد تم بلورت هذا التصور من خلال إخراج مدونة الأحوال الشخصية بموجب ظهير 1957 وظهير 1958.
ومن تم عرفت هاته المدونة عدة تعديلات أبرزها التعديل الذي تقدمت به بعض القوى القضائية الحية والمعروفة بلجنة مكونة من رؤساء المحاكم سنة 1965 ،تليها انشاء لجنة وزارية ترأستها وزارة العدل بأمر ملكي سامي وذلك سنة 1974.
لقد شكلت سنة 1992 مرحلة ذا أهكية كبرى ،حيث اعطى صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله خطابا موجها للأمة المغربية،اقر فيه بصلاحيته الواسعة في إقرار مدونة تخلق نوع من التوازن بين الجنسين وهو ما ترجم بإخراج مدونة سنة 1993 .
فترة حكم الملك محمد السادس” عهد جديد في ظل ملكية منصفة “
عرف عهد الملك محمد السادس حفظه الله نقاشا وطنيا وحقوقيا واسعا على مستوى مدونة الاسرة،حيث اعطى حفظه الله امره السامي سنة 2001 عن تشكيل اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بتعديل مدونة الاسرة،وهو ما تم ترجمته من خلال الخطاب التاريخي لجلالته سنه 2003 والذي اقر فيه ب ( وفضلا عما اتخذناه من قرارات ومبادرات ذات دلالة قوية للنهوض بأوضاع المرأة وانصافها; فاننا لم نتردد في تجنيب المجتمع مغبة الفتنة حول هذه القضية بتكوين لجنة استشارية متعددة المشارب والاختصاصات لاقتراح مراجعة جوهرية لمدونة الأحوال الشخصية عاملين على تزويدها بتوجيهاتنا السامية باستمرار إلى ان رفعت إلى نظرنا السديد حصيلة أعمالها).
وهو ما ترجمته وزارة العدل واقعيا من خلال تعديلها لتنظيمنا القضائي،حيث تم احداث عدة اقسام بمحاكم المملكة تعنى بقضايا الاسرة تحت اسم” قسم قضاء الاسرة” ناهيك عن فتح المجال امام قضاة الموضوع وقضاة النيابة العامة الراغبين في استكمال التكوين في المجال الاسري.
في سنة 2004 اقرت المملكة بمدونة اسرية اعتبرها البعض بمثابة انتصار للاسرة المغربية،فيما اعتبره البعض بالانحياز لجنس دون اخر،حيث من اهم ما جاءت به تحديد سن الزواج في 18 سنة ،مع اقرار مسطرة خاصة بزواج القاصرين وزواج المصابين باعاقة ذهنية،ناهيك عن ربط الاذن بالتعدد لضرورة وجود المبرر الاستتنائي والموضوعي للتعدد،اضافة الى القدرة الاقتصادية،مع احتفاظ الاب بحق الولاية على ابنائه.
مدونة الاسرة في ظل حكومة الحداثيين” 2024″
بعد مرور ازيد من 20 سنة على مدونة الاسرة،وامام التطورات التي اصبحت تعيشها المملكة المغربية من مختلف المجالات اقتصاديا اجتماعيا واسريا بدء النقاش يطفوا مجددا على الساحة الحقوقية الداعي الى خلق مدونة جديدة تلبي مطالب الحركات الحقوقية والنسائية على وجه الخصوص،والتي ترى في المدونة تعسفا وانحيازا لصالح الرجل على حساب المرأة،خصوصا فيما يخص الحضانة عند انفصال الرابطة الزوجية ،حيث لا حضانة للام بعد زواجها مرة اخرى .
لقد شكلت سنة 2023 محطة ملكية كبرى،حيث دعى فيها جلالة الملك الى تكليف لجنة وزارية الغرض منها اجراء مباحثات ونقاشات من اجل تعديل المدونة الحالية وذلك بترأس من رئيس الحكومة .
لقد دعى جلالته الى ضرورة صياغة مدونة بطريقة تشاركية،تضم جميع المؤسسات المعنية والهيئات الحقوقية والدينية،وفي مقدمتهم المجلس الوطني لحقوق الانسان،المجلس العلمي الاعلى باعتباره اول مؤسسة رسمية تسند لها مهام الافتاء في القضايا الاسرية .
وبعد مشاورات كبيرة مع مختلف الهيئات الدينية والحقوقية ،وبعد تحكيم من جلالة الملك تم يومه23 دجنبر من عام 2024 عرض المسائل التي نظر فيها جلالته بالايجاب ،ورأي المجلس العلمي الاعلى فيها والتي تبلورت فيما يلي :
1- التعدد
ضرورة التنصيص على “إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه،وفي غياب للشرط السالف الذكر يبقى الاذن مرهون باصابة الزوجة بالعقم او مرض حال دون المعاشرة والذي يبقى من تقدير قضاة الموضوع.
2ـ النيابة
جعل النيابة القانونية حقا مشتركا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية وبعد انفصالها. في حال نشوء خلاف حول أعمال النيابة القانونية، يتم الرجوع إلى قاضي الأسرة للبت فيه، وفق ضوابط ومعايير قانونية واضحة”.
3ـ الحضانة
تعزيز حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها، حتى في حالة زواجها، وضمان الحق في سكن المحضون”، مع “تنظيم ضوابط جديدة لزيارة المحضون أو السفر به، بما يضمن مصلحة الطفل”.
4ـ الارث
اعتماد مقترح المجلس العلمي الأعلى بخصوص إرث البنات، الذي يتيح إمكانية هبة الأموال للوارثات قيد الحياة، مع اعتبار الحيازة الحكمية كافية.
تعليقات الزوار ( 0 )