شارك المقال
  • تم النسخ

مدرسة الأخطاء

          يبدو من الملفت تبدل السياقات والمفاهيم والدلالات في المنظور الإنساني والفلسفي والثقافي بحيث تبدو أكثر جدوى في استثمارها وطبيعة فهمها،  وبخاصة حين تتعلق بالمفاهيم التي لطالما تعرفنا عليها وبنينا في ذهنيتنا الباطنة الواعية واللاواعية تجاهها وصف “سلبي”.

ومن الأمور التي تدعو للفخر في التغير الملحوظ على الإدراك الإنساني فيما يتعلق بمفهوم الخطأ ومفهوم الفشل أو الإخفاق أنه يقوم بإعادة تدوير ذلك لاستخراج معدن ثمين من قلب المفارقات التي لا تبدو تشبهه.

فلولا الأخطاء لما وجدت التوبة وفضلها وانعكاسها على تربية النفس وتقويتها، ولما كان هناك إشارات واسعة في مصادر التشريع من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تشير إلى الخطأ الإنساني وضرورة الانطلاق من تلك الأرضية نحو تغيير الواقع بشكل أكثر إيجابية ونفعاً، ويبدو ذلك جلياً في الحكمة الربانية التي اقتضت أن يكون ما يقارب ثلث القرآن الكريم من القصص الذي يضم قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بالإضافة إلى قصص الأمم والأحداث الغابرة، إلى جانب مختلف القصص التي ضمت صور ومواقف من السيرة النبوية المطهرة، مما يعزز فكرة التغيير والتشجيع على ذلك استفادة من التجارب والعبر السابقة، ومن زاوية موازية فإن مرور الإنسان في التجارب السلبية في حياته بجميع صورها يعتبر محطة انطلاق جديدة من الارتقاء بمستوى التفكير والانتقال به من الجمود المعتاد والتلقين الرتيب نحو فسحة واسعة من التفكير والتدبر التي تفتح المجالات المختلفة للإبحار في أصناف وألوان عديدة منها العلوم ومسارات التطور.

وعلى الصعيد الأخلاقي، الذي بات يمثل الأساس في كل ملمح من ملامح الواقع الذي نعيشه والذي شهد اضطرابات مختلفة في هذا المجال، حتى مرور الوجود الإنساني مرغماً في العديد من التحديات والأزمات التي أعادته للوقوف مرة أخرى أمام المنظومة الأخلاقية كخيار أمثل وأكثر دقة عند اتخاذ قرار الازدهار والاستمرارية والاستدامة الإيجابية بين بني البشر، ففي هذا المستوى نجد أنه لولا مرور الإنسان في مرحلة من التعامل الخاطئ مع الأخلاق، وسوء الموائمة فيما بينها وبين إملاءات المجالات والمسارات الأخرى، ومعاينته نتائج وخامة ذلك، لما وصل بعد كل ذلك إلى اتفاق ضمني عالمي يعترف بالمشترك الإنساني الأخلاقي وينادي بضرورة الاتحاد في قيم التسامح والتعارف وبناء الخبرة القيمية في المعاملات والمشاريع والاستراتيجيات.

ونهايةً، نجد أن المقولات التي دائما تشجعنا على النجاح باعتباره طرف الخيط الذي يكر من بعده “سلسلة من النجاحات”، اللامتناهية، لا تعتبر خاطئة وإنما معوزة للإيضاح، وبمعنى آخر فإن إحراز النجاح المخطط له، يقود الإنسان بطريقة منطقية وسلسة لإعادة التجربة المبنية على الملاحظة والتنظيم والاختبار ليحظى بنجاح آخر، ولكن وفي ذات الوقت يجب موازنة هذه الفكرة بفكرة أخرى تفيد أن عدم تحقيق النجاح المأمول لا يعد فشلاً بل يعد المفتاح “السحري” للحصول على مخطط ممنهج، ومنسق من الأخطاء المتتالية التي يجب الرجوع إليها ومعالجتها واحدة تلو الأخرى، مما لا يحقق النجاح في المرة المقبلة فحسب بل يجعلنا أكثر كفاءة للحصول على ” نجاح متزن وناضج”، فكما يقول المفكر والكاتب إبراهيم الفقي: “الفشل ضروري للنجاح المتزن، فلولا وجود الفشل لما كان للنجاح قيمة”!.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي