إن المبدع الحقيقي في مجال الكتابة هو من يستلهم كلماته من نبض الحياة.. فهو لا ينقل الأفكار ولكنه يصنع لحظة الإبداع ويستخرج الألق من قلب التجربة.. يلتقط تفاصيل الواقع بحدس حساس ويصوغها بأسلوب خاص ينبض بالحقيقة..
الكاتب المبدع لا يكرر ما يقال مثل الببغاء وإنما يخلق ما يجب أن يقال! فالفكر الأصيل لا يمكن أن يستعار، والإبداع الحقيقي لا يُستلهم من مراقبة الآخرين وسرقة أفكارهم ولكن تصبح حروفه مدادا لأنفاسه ينضح بالصدق ..
إنه ذاك الذي يعبر عن تجاربه بصدق، يستنطق خلجات نفسه، ويمزج أفكاره بمواقف عايشها، فتخرج كتاباته مشبعة بروح التجربة وعمق الشعور. فهو لا يبحث عن الإلهام في ظلال الآخرين، بل يجده في كل لحظة يمر بها، في خيبة أمل، في فرح عابر، في دهشة من موقف لم يكن في الحسبان.
أما إمّعات القلم ومدّعو الكتابة، فهم مجرد صدى لأصوات غيرهم يقتاتون على أفكار الآخرين ويعيدون تدويرها في قالب مزيّف.. تجدهم يتسللون عبر منصات التواصل يراقبون العقول النابضة بالحياة، يسجلون كل ومضة ثم ينسبونها لأنفسهم كأنها خلاصة عبقرية تجاربهم!! ولكنهم في واقع أمرهم يعيشون فراغًا داخليا ويفتقرون إلى تلك الشرارة التي تصنع كاتبا حقيقيا، فيتحولون إلى محض متقمصين لشخصيات لا تخصهم، وأدوار لم يعيشوها..
هذه الحالة ليست مجرد انتحال فكري، هي حالة قد تمتد إلى اضطرابات نفسية معروفة.. مثل اضطراب الشخصية الهستيرية أو اضطراب الهوية الوهمية حيث يسعى الفرد إلى لفت الانتباه بتقمص شخصيات وقصص لم يختبرها، كما أن متلازمة المحتال قد تلعب دورا في ذلك؛ حيث يشعر الشخص بعدم الكفاءة فيلجأ إلى سرقة أفكار الآخرين لإثبات ذاته.. وفي بعض الحالات قد يصل الأمر إلى اضطراب جنون العظمة، حيث يتخيل الشخص أنه كاتب عظيم او مفكر كبير دون أن يكون له إنتاج حقيقي!
في النهاية، الكتابة الحقيقية لا تسرق، ولا تزيف.. إنها ابنة التجربة، تحتاج إلى خوض عميق في تجارب الحياة واستكشاف حثيث لاسرارها وتأمل عميق يؤهل صاحبه لإعادة التشكيل حسب الواقع، كما يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالذات كما هي دون أقنعة أو أدوار مستعارة.
تعليقات الزوار ( 0 )