شارك المقال
  • تم النسخ

محنة محمد حسين يعقوب: دروس وعبر

إن استدعاء “الشيخ” محمد حسين يعقوب للإدلاء بشهادته فيما يخص “خلية داعش امبابة” موضوع يحمل في طياته عددا من الرسائل الخطيرة، تزكيها الحملات الإعلامية التي تشنها جملة من الأسماء المحسوبة على الإعلام الرسمي و التي “تجتهد” في القيام بنوع من التحريض ضده و ضد نظرائه ممن هم من طينته و نوعه، فتُقلب و تبحث عن الخطب و الدروس و “المحاضرات” التي كان يلقيها هو و “إخوانه” من المشايخ: مشايخ السلفية، و تفتش فيها لعلها تظفر بما من شأنه أن يدينهم و يقضي عليهم.

   إن هذا الموضوع يؤذن بأن هؤلاء “المشائخ” قد دخلوا ـ أو سيدخلون في القريب ـ مرحلة مظلمة، صعبة و قاسية، و هذه المرحلة سيكون لها ما بعدها، بالنسبة إليهم و بالنسبة إلى غيرهم ممن هم على منهجهم و مذهبهم، و سيدفعون فيها ثمنا باهضا جزاء ادعائهم المشيخة، و زعمهم أنهم قادة و مؤثرون حقيقيون جديرون بأن تحسب لهم الدولة حسابا، و جزاء تعبيرهم عن كونهم يتحكمون في الشارع المسلم، و الناس لهم تبع، بل و جزاء تعاليهم على الناس و اعتبارهم من دونهم عواما و جهلة.

   إن المصير الأسود، الذي لا نتمناه لهم و لا يتمناه لهم أي مسلم، و الذي يلوح في الافق، لأن كل المؤشرات تؤذن بأنه ينتظرهم، وهم سائرون إليه لا محالة، مهم و لكنه ليس الأهم بالنسبة إلينا، و إن الأهم هنا هوـ و الذي يعنينا ـ هو الإشارات و الرسائل و الدروس و العبر، التي ينبغي تسجيلها انطلاقا من الشهادة التي أدلى بها الرجل، و الطريقة التي أدلاها بها، و الحال التي كان عليها و هو يدلي بها.

   إن اول درس نخرج به من حال الرجل، و الوضع الذي كان عليه، هو أن قراءة الكتب الإسلامية و الاطلاع عليها، و عرضها على الجمهور من على المنابر و عبر القنوات، و اعلان الرجل نفسه شيخا سلفيا يدين لله ب”منهج السلف” و يستغرق في حكاية قصص الصالحين و المجاهدين، لا يجعل منه مثلهم و لا يرفعه إلى منزلتهم، وإن الرجل عندما يختار أن يمضي في هذه الطريق، إنما يختار مهنة تدر عليه الأرباح و يجني من خلالها الثمار، لا أقل و لا أكثر، و لا يكون للأمر أية علاقة بالمتاجرة مع الله و العمل معه، كما يقال.

  و نستفيد كذلك، أن قراءة كتب العقيدة و استظهارها، لا يجعل من الرجل صاحب عقيدة و إيمان،  فقد تأكد لنا ـ و عبر عدد من الوقائع و الأحداث ـ أن الاطلاع على كتب العقائد و علم الكلام و المساجلة بها و حولها، و تبني “منهج السلف” و “عقيدة السلف أهل الحديث” و ادعاء الذود عنهما، لا يعني أن هذا الرجل يتمتع  بعقيدة صلبة و إيمان راسخ، و الحديث عن الإيمان لا يعني أن إيمان هذا المتحدث قوي، و استظهار نصوص وأقوال السلف حول العقيدة، لا يعني أيضا أن هذا المستظهر ذو عقيدة سليمة و متينة، فالإيمان الحق هو الذي يجعلك تؤمن حقيقة، أن الله الذي تعبده و تدعو إليه هو وحده الذي يقدر لك أو عليك، و هو وحده الذي يعز و يذل، و وحده يبتليك بالنقم كما يبتليك بالنعم، فلا تسأل إلا إياه و لا تخشى إلا إياه . و العقيدة المتينة هي التي تجعل صاحبها يثبت أمام الزلازل و الاهوال و يصمد في وجهها. إن الابتلاء إذن، هو الذي يكشف لنا معادن الرجال و ليس الدعاوى العريضة و المزايدات الفارغة على الناس.

  كما نستفيد أيضا أن كل ما يقوله هؤلاء “الدعاة” أو “الشيوخ” و يحدثون الناس به عن التضحية في سبيل الإسلام، و في سبيل الدعوة، كما كان شأن الصحابة الكرام، لا يتوجهون به إلى انفسهم، و لا يعنيهم هم، و إنما هو كلام يخاطبون به “العوام” كما يسمونهم، أي من هم دونهم تدينا و التزاما، فلم يكتب صاحب “لا تحزن” الكتاب لنفسه ليعتبر به هو و يعمل بمقتضاه هو، و إنما كتبه للناس، تعزية لهم على مصائبهم و مواساة لهم و تحريضا لهم على الصبر و التحمل، حتى إذا ابتلي هو لم يلتفت إليه و لم يعد إليه، و إنما توجه إلى ذوي السلطان للنجاة بنفسه. و نفس الأمر بالنسبة للرجل محمد حسين يعقوب، فقد قرأ كتاب” أصحاب الاخدود” لرفاعي سرور و أثنى عليه و على كاتبه، و لكنه أيضا، قرأ الكتاب فقط ، من أجل إعداد درس مؤدى عنه و مأجور عليه، وبالتالي، لم يكن للكتاب أي تأثير عليه، و إلا فإن هذا الكتاب خطاب واضح و موجه إليه، هو و من على شاكلته ممن اختاروا طريق “الدعوة” ،خاصة و أنه يشير بوضوح إلى ان قصة “أصحاب الاخدود” هي طريق الدعوة و الدعاة و نبراسهم، و يرد على من يزعم أن مصلحة الدعوة تقتضي الحفاظ على حياة الدعاة، بإشارته إلى ان الرأي انحراف عن طريق الدعوة، محاولة للارتداد عنها.

  بالإضافة إلى ذلك، نستفيد ـ و هذا مهم أيضاـ  أن هؤلاء الدعاة الذين أحاطوا انفسهم  و حصنوها بعدد من النصوص و النقولات، التي أضفت عليهم هالة من “التقديس” لا يختلفون عن غيرهم و لا يزيدون عليهم، بحيث يجري عليهم، ما يجري على هؤلاء “العوام” و يصيبهم ما يصيب أولئك، أي أنهم يخشون بطش ذوي السلطان كما يخشىاه غيرهم من “العوام” و يتقون شرهم كما يفعل الناس عادة، و بالتالي، فإن هذه الحال المخزية و الفاضحة التي ظهر بها، و يظهر بها جل هؤلاء الدعاة و المشائخ “ورثة الأنبياء” أدعى بأن تجعلهم يتواضعون، لا أقول قليلا و لكن كثيرا، و يتوقفون عن التكبر عن الخلق و التعالي عليهم، و الزعم أن الطريق الموصلة إلى الله هي، بالضرورة، الطريق التي يرسمونها هم و يخطونها هم، و التي يكرسون بها سلطتهم على الناس، و يحكمون قبضتهم عليهم، حتى أن الناظر يحسبهم عبيدا لهم يعكفون على خدمتهم، و ليسوا عبادا لله أحرارا، كما أرادهم ربهم.

 و كيف ما كانت الحال، فإن هناك أمرا مهما ينبغي الإشارة إليه و الوقوف عنده، فهؤلاء المشايخ معذورون في تعلقهم بالدنيا ، فقد اجتهدوا و جاهدوا حتى اشتهروا و اغتنوا و حصلوا العز و الجاه الذين ينعمون بهما، و توفرت لهم شروط للعيش، لم تتوفر لغيرهم،  حتى إذا قلنا مع القائلين أنهم يعيشون جنتهم الموعودة في الدنيا لم نبالغ و لم نعد الصواب.  فمن من الناس بإمكانه أن يزهد في زهرة الحياة الدنيا و زينتها؟ ومن من الناس يقدر على أن يزهد في العاجلة و هو ينعم فيها بالطيبات و الملذات؟ إنه لا يقدر على ذلك إلا من اصطفاه الله و اختاره، و إنه لا يغامر مثل هذا النوع من المغامرات إلا من كان قلبه مليئا بالإيمان و التصديق بوعد الله.

   تختم هذه الورقة نفسها بالقول أن هذه “المحنة” ستتولد عنها نعم عظيمة، إذ ستسهم في “تنوير” وعي الناس و رفع وصاية “رجال الدين” عليهم، و ستسهم في تحريرهم من قبضتهم و سطوتهم، لأنهم سيتأكدون بأن هؤلاء “الشيوخ” ليس لهم ما يزايدون به عليهم، و الدعوة التي يزعمون أنهم أوقفوا حياتهم في سبيلها ليست بالنسبة إليهم إلا تجارة تكسبهم أكثر، و مثل هذه “المحنة” ستعصم العباد من الاغترار بفصاحة “رجال الدين” و مهاراتهم في الخطابة و سيكون “فيصل التفرقة” بين العلماء العاملين و الصادقين و بين غيرهم من المتعالمين المتفيهقين و المتشدقين، هو الصبر على البلاء و الصدق عند اللقاء، و ليس التقعر في الكلام و استعراض العضلات بسرد النصوص و المحفوظات، لإرعاب العوام و إرهابهم.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي