في شهادته على نفسه وإقراره بجرمه، والإقرار سيد الأدلة، اعترف الصحفي يونس دافقير بواحدة من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها مع جوقة من الكتبة في حق امرأة كانت في وضعية تألم ومعاناة ولم يمنعها ذلك من التفاني في خدمة دينها وبلدها.
وهذه المرأة المجني عليها لم تكن سوى الراحلة سمية بن خلدون التي تعرضت لحملة تشهير وقذف وانتهاك للحرمة والكرامة دون رادع من خلق أو دين أو نبل قيمي أو ضمير إنساني، ودونما اعتبار لأسرة او ابناء، لان حزبها مطلوبة رأسه ويتعين ان يضعف لكي يسقط في اقرب موعد انتخابي، تنفيذا لقرار صادر عن “أحدهم” وينبغي أن ينفذ من قبل كتبة ومياومي أقلام “الموقف”.
قد يكون التعبير عن الأسف والترحم على الفقيدة ومحاولة التمايز عن قطيع الطاحونة مع الإقرار بالمشاركة في جوقة التشهير ولو بمنطق الصراع الإديلوجي والسياسي، قد يعد ذلك ظرف تخفيف بالنسبة للجاني، وهو ناتج عن بقية قيم مكتسبة من تربية يسارية أو من رواسب من ثقافة مناهضة الظلم التي كان اليسار يحمل لواءها ذات يوم، لكن هل الآلام التي لا ترحل من نفوس من رحلوا ومن بقوا، يمكن أن تجبر بسطرين من التأسف في مقال كتب في لحظة صحوة ضمير أو حالة استفاقة أمام لحظة الموت، وهو مقال تم فيه الإقرار بارتكاب جريمة تشهير مقرفة وحملة قذف مقززة وحملة عدوان متوحشة على امرأة وإنسانة وعضو في حكومة البلاد.
فهل جريمة بهذا التوحش وهذه القذارة يمكن أن تفلت من العقاب أو أن تجبر بإعلان الأسف والإقرار بالجرم.
ولنفرض أن الراحلة هزمت الجوقة والقطيع والجلاد بصمتها وتساميها على جراحها وباختيارها التضحية بلعاع الدنيا وانتصارا لعرضها وأسرتها ولحياتها الخاصة، ولنفرض أنها سامحت جلاديها، لكن ما بال باقي الضحايا الذين لم يقر أحد من الجلادين بما اقترف في حقهم، وما هي ضمانات عدم تكرار ما جرى بالنسبة لضحايا آخرين محتملين؟ هذا هو السؤال وهذا هو جوهر الموضوع.
إن أهم ما في إقرار الصحفي يونس دافقير هو أنه كشف للرأي العام عن أدلة تثبت الأعمال الإجرامية المرتكبة ضد امرأة وإنسانة قبل أن تكون مناضلة وسياسية، والأكثر خطورة أيضا، هو البوح بما جرى من جرائم الطحن التي ارتكبت في حق الاختيار الديموقراطي وفي حق الوطن عندما تمت استباحة حرمة العملية الديموقراطية وقواعد المنافسة السياسية وتم التنكيل بهيئة سياسية ينظمها القانون، من أجل تنفيذ قرار مسبق اتخذ في الدهاليز ويقضي بضرورة إسقاط حزب جاءت به الإرادة العامة.
لقد اعترف الصحفي يونس دافقير أنه كان شاهدا بل ومشاركا في الجوقة رغم ادعائه برفضه مسايرة قطيع الطحن.
وأن عملية الطحن هاته حسب إفادات شاهد عيان ومشارك في الجوقة بدرجة صحفي ومحلل هو السيد يونس دافقير، تتكون من جهة خفية هي في هذه الحالة ضمير متصل تقديره “أحدهم” حسب تعبير السيد دافقير، ومن جهة مستفيدة هي التي تم إخلاء الطريق لها، ثم من قطيع الطحن والجوقة المشاركة لها والتي تتولى مهام التشهير المرعبة بذريعة مناقشة ازدواجية المنطلقات، وكل ذلك يتم بعيدا عن أحكام الدستور وعن القانون ودون مراعاة لقواعد التنافس السياسي الحر والنزيه وهذه وحدها تشكل جريمة جنائية مكتملة الأركان.
إن هذه الجرائم المعترف بها ينبغي أن لا تفلت من العقاب ليس لأنها جرائم تشهير وقذف للمحصنات وحسب، ولكن لأنها في المقام الأول جريمة حق عام، ولأنها في النهاية جريمة إفساد سياسي وفساد انتخابي مجرمة بنص الدستوري وبنصوص مجموعة القانون الجنائي.
إن توالي وتكرار مثل هذه الوقائع تظهر أننا إزاء سياسة ممنهجة “للطحن السياسي المتوحش والمرعب”، وهي سياسة ممنهجة تصدر عن جهة آمرة وجهة مستفيدة، وأعوان تنفيذ متوثبين للإنجاز بلا رحمة ولا شفقة ومستعدين للضرب حتى في غرف النوم المحصنة.
هذا هو البؤس الحقيقي ليس في السياسة وحدها، ولكنه بؤس متعد إلى رجال الأعمال المفترسين، المستعدين للانقضاض على كل الفرائس، وهو بؤس في النخب التي ينخفض صوتها دفاعا عن الديموقراطية بانخفاض حصص غنيمتها منها، وهو بؤس في الصحافة التي كانت تعد مهنة حراسة الحرية وخط الدفاع الأول والأخير عن الديموقراطية وتحولت إلى جوقة للمشاركة في حفلات التشهير المقرفة المدرجة في سياسة الطحين.
إن شهادة الصحفي يونس دافقير على نفسه وعلى الجوقة التي أقر بالمشاركة فيها وشهادته في حق قطيع الطحن بغض النظر عن علاقته بها، هي شهادة تؤكد أننا أمام مافيا وعصابة ووفاق إجرامي، كما تدل على ذلك كلماته وهو يصور مستوى الإجرام في حق سيدة ذنبها الوحيد هو أنها اختارت أن تتزوج في قلب انشغالها بأداء واجبها واضطلاعها بمسؤولية حكومية تحملتها بموجب نتائج الانتخابات.
وهذه الكلمات هي التوحش والقسوة وبلا شفقة ولا رحمة والطحن والضرب في غرف النوم.
لقد كانت مثل هذه الأفعال بهذه الوحشية تنسب في العادة إلى المافيات وإلى العصابات وقطاع الطرق، لكن أن يتم امتهانها اليوم من قبل كتبة ومياومي الأقلام، فهذا قد جعلنا أمام عصابات ومافيات مأجورة مندسة في مهن شريفة في أصلها، وتم تحويلها إلى مجرد قطيع للطحن حقيقة لا مجازا.
وهذه المافيات أصبحت مستعدة لعرض خدماتها في الطحن لمن يدفع أكثر وللجهة المتوارية خلف كلمة أحدهم.
إن إسقاط الأحزاب والقتل الرمزي للشخصيات ومحاربة الأفكار لم يعد في حاجة إلى اغتيالات سياسية أو إلى طرود ملغمة، وإنما أصبح يكفي أن يصدر “الأحدهم” أمره المطاع بالطحن وأن يشير بالبنان إلى الجهة المرشحة للطحن، لنرى أعوان التنفيذ وهم يضطلعون بالمهمة القذرة بهمة ونشاط.
وهؤلاء هم جوقة الكتبة المحسوبين على مهنة المتاعب والمنتشرين كالفطر في مواقع وجرائد فقدت المصداقية مع القراء، وأصبحت تبيع خدماتها المأجورة لمن يدفع أكثر، بل وأصبحت أجورهم تؤدى من أموال دافعي الضرائب ومن جيوب الضحايا أنفسهم.
إن السياسة ليست بئيسة في ذاتها، وإنما صارت بئيسة في زمن البؤس بفعل التبخيس والتيئيس وبفعل التبئيس الذي تتولاه نخبة تتصدر مشهد البؤس من عالم الساسية والصحافة ورجال الأعمال المفترسين .
لذلك فالبؤس الحقيقي هو عندما يأكل المحسوب على الحرية من ثدي المصداقية وثدي القيم وثدي الأخلاق.
إن الجديد الذي اعتراف به الصحفي يونس دافقير هو أنه كشف الحقيقة عارية لمن كان يجهل أو لمن لم يكن يصدق حقيقة المشهد السياسي وحقيقة المشهد الصحفي في هذه المرحلة .
وهذه الحقيقة هي أن حزب العدالة والتنمية كان ينبغي أن يسقط في أقرب موعد انتخابي وأن كل الأسلحة أضحت مباحة في سبيل تحقيق هذه الغاية .
ولأن الأحزاب لا تسقط إلا بضعف أداء نخبها أو بفساد منتخبيها أو بتخيب آمال قاعدتها الانتخابية، ولأن لا شيء من هذا في الأفق بالنسبة للعدالة والتنمية، فإن الأسلحة المحرمة أخلاقيا وقانونيا أصبحت في السياسية البئيسة مشروعة لإسقاط هذا الحزب بما فيها الضرب في غرف النوم والتشهير المرعب بالنساء والرجال والافتراء الرخيص على القادة والزعماء.
لقد كنا بشأن هذا العدوان على المرحومة سمية بنخلدون امام جريمة حقيقية للاتجار في البشر والاتجار في الاعراض وامام حملة لاكل لحوم البشر الاحياء وهي نيئة .
ولأن سمية بن خلدون كغيرها لم تثنيها الآم والمعاناة عن مواصلة مهامها وأداء واجبها من موقعها كمناضلة أو قياديا ووزيرة، فإن رأسها يمكن أن يفيد في إنجاز المهمة “المقدسة” المتعلقة بإضعاف حزب وإنزاله من الصدارة وإسقاطه من الحكومة، أيا كان الثمن ومهما تطلب الأمر ومهما كان الإيذاء والإيلام الذي سيدفعه الضحايا ومنهم الراحلة سمية بن خلدون.
إن التأسف والترحم على الفقيدة ممن أقر بالمشاركة في إيلامها تعد خطوة شجاعة من موقع العصابة والجوقة، لكنها تظل خطوة ناقصة، بالنظر إلى حجم الضرر وحجم الإذاية والآلام التي لا ترحل من النفوس، وهي خطوة تبقى في منتهى الصغر بالقياس إلى ما ارتكب في حق الديموقراطية وفي حق الحريات الفردية عند من يقول بها، وفي حق الوطن وفي حق المستقبل، لاسيما في ظل البديل الذي من أجله صنعت هاته الجوقة ومن أجله استخدم قطيع الطحن، وهو بديل لم يقم سوى بمفاقمة البؤس وتوسيع نطاقه وترسيم الفشل وجعله مشاعا ومنتشرت في كل شيء تقريبا.
لذلك فإن ضمانة عدم تكرار ما جرى في حق الوطن وفي حق الاختيار الديموقراطي وفي حق الكرامة الإنسانية وفي حق أعراض وحرمات النساء هو عدم الإفلات من العقاب لا غير، أما الإجرام في حق الضحايا رجالا ونساء فأمرهم موكول للضحايا إن شاؤوا سامحوا وإن شاؤوا تمسكوا بحقهم في الإنصاف القضائي. أما الندم والتوبة فهي لا تكتمل إلا برد الحق إلى أهله، ويتوب الله على من تاب.
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
تعليقات الزوار ( 0 )