شارك المقال
  • تم النسخ

محكمة تركية تدعو لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي المعارض

في خطوة متوقعة، أعلنت المحكمة الإدارية العليا بتركيا، أمس الأربعاء، رفع دعوى قضائية لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي؛ قرار يحمل بين طياته أكثر من قراءة، بين من برره بارتباط الحزب بتنظيم “بي كا كا” الإرهابي، ومن اعتبره مناورة من التحالف الحاكم لإعادة رسم الخريطة الانتخابية في أفق تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، سواء كانت مبكرة أو في موعدها المقرر سنة 2023.

قرار المحكمة العليا، التي ستبت في الاتهامات الموجهة لقيادات وأعضاء الحزب بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المحظور، ستكون له، بالتأكيد، تداعياته على المشهد السياسي الداخلي دائم التجاذب والاستقطاب، على صورة تركيا الحديثة التي تستعد لإقرار دستور جديد، وذلك على بعد بضعة أيام على تقديمها خطة إصلاحات سياسية وقضائية لتعزيز حقوق الانسان والديموقراطية بالبلاد.

ويتجسد الثقل السياسي لحزب الشعوب الديمقراطي الذي يبلغ عدد نوابه بالبرلمان 58 نائبا، ويعد الثالث بعد حزب العدالة والتنمية (291 نائبا)، والشعب الجمهوري (138 نائبا)، في قدرته على إحداث الفارق في الاستحقاقات الانتخابية الكبرى الأخيرة بالبلاد؛ فخلال الانتخابات المحلية لمارس 2019 ساهم الحزب في الهزيمة الانتخابية الأولى لحزب العدالة والتنمية الحاكم، إثر سحب مرشحيه في بعض المدن ومطالبة ناخبيه بالتصويت لمرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض، ما أدى إلى خسارة العدالة والتنمية لأكبر 5 بلديات في تركيا، لاسيما معاقله التقليدية إسطنبول وأنقرة.

حسابيا، ومنذ الانتخابات البرلمانية لسنة 2015، حالت نتائج الانتخابات الجيدة لحزب الشعوب الديمقراطي دون تحقيق حزب العدالة والتنمية الفوز بأغلبية مطلقة، ما يضطره إلى اللجوء لحزب الحركة القومية في إطار “تحالف الجمهور”، لضمان الأغلبية داخل البرلمان.

كما أن المتابع للمشهد السياسي التركي، يجد الدعوى القضائية التي فتحت بحق الحزب الموالي للأكراد، نتيجة منتظرة/طبيعية لحملة قوية لحل الحزب يشنها حزب الحركة القومية اليمني، حليف الحزب الحاكم، واختيار الأخير تفعيل الدستور من خلال التوجه للقضاء، إدراكا منه أن أي خطوة سيقدم عليها خارج النسق القانوني ستكلفه كثيرا إن على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ في ما يبدو أنه تقاسم للأدوار مع حليفه، وذلك بالتزامن مع عزل وزارة الداخلية لمعظم رؤساء البلديات الـ 65 التي فاز فيها الحزب، واستبدالهم بمسؤولين إداريين.

وحسب بعض التسريبات الصحفية، فإن مذكرة المدعي العام المطالبة بإغلاق الحزب وبمنع 600 عضو وقيادي به من ممارسة العمل السياسي والحجز الاحتياطي على أموالهم، تتضمن تصريحات سياسية لأعضائه تؤكد ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، وتشمل قيادات سابقة وحالية.

ويرى محللون سياسيون أن الحزب الحاكم، على الرغم من تأكيده أن حزب الشعوب الديمقراطي ليس سوى الواجهة السياسية لتنظيم “بي كا كا”، إلا أنه نأى بنفسه عن المطالبة المباشرة بحله، وترك الكلمة الأخيرة للقضاء، وذلك بالنظر إلى تراجع شعبيته على خلفية صعوبات اقتصادية تعاني منها البلاد زادت من حدتها أزمة “كوفيد-19″، وكذلك لتفادي اتهام الغرب له بالتضييق على الحريات السياسية وتقويض الديمقراطية وممارسة “الاستبداد السياسي”، لاسيما أن الحزب نفسه نجا سنة 2008 من تفعيل قرار مماثل، بعد اتهامه بالخروج عن المبادئ العلمانية للجمهورية، وعمل على تعديلات دستورية تضع قرار الإغلاق بيد القضاء.

واعتبروا أن هذه الخطوة تأتي في سياق التوتر الذي خلفه مقتل 13 من الرهائن الأتراك لدى تنظيم “بي كا كا” منتصف فبراير الماضي بمنطقة غارا شمال العراق، واتهام السلطات التركية قيادات في حزب الشعوب الديمقراطي بتنسيق العملية مع التنظيم، ما جعلها تقدم على تنفيذ حملة أمنية واسعة في 40 مقاطعة في البلاد، واعتقالات طالت 718 شخصا، بينهم رؤوساء فروع الحزب، هذا إلى جانب تقديم ملتمس للبرلمان برفع الحصانة عن نحو 20 نائبا للحزب.

بالمقابل، يرفض الحزب، الذي يقبع عديد من مسؤوليه في السجن بمن فيهم الرئيس السابق صلاح الدين ديميرتاش بتهم ذات صلة بالإرهاب والمس باستقرار البلاد، هذه الاتهامات، ويعتبرها محاولة من التحالف الحاكم للتضييق عليه في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

ويؤكد قادة حزب الشعوب الديمقراطي أنه وحتى وإن تم إغلاقه بقرار من المحكمة العليا، فلديه بدائل أخرى من أجل مواصلة “نضاله السياسي”، في إشارة إلى إمكانية تأسيس حزب أو أحزاب آخرى بنفس التوجهات والمطالب والأجندة، لاسيما أنه هو نفسه خرج من رحم أحزاب موالية للأكراد تعرضت للحل.

وللإن كان اللجوء إلى القضاء لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، خطوة محسوبة سياسيا من قبل الحزب الحاكم تضعه على بعد مسافة من قرار المحكمة أيا كان، إلا أنه لن يمر دون إثارة المزيد من الجدل داخل المشهد السياسي التركي حول سؤال التعددية والديمقراطية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي