يعد الحي البرتغالي بمدينة الجديدة من بين المعالم التاريخية المشهورة في المغرب، إذ يمثل جزءا من ذاكرة المملكة نظير بناياته وشوارعه وأسواره وأبوابه وأزقته التي تنفرد دون سواها بميزات معمارية تمزج بين ما هو إسلامي أندلسي وكولونيالي أوروبي.
لكن مظاهر الإهمال الذي تعرضت لها هذه المعلمة التاريخية، إحدى أهم المواقع الأثرية بالمحيط الأطلسي، فرض على الجهة الوصية، وزارة الثقافة وعمالة إقليم الجديدة، وضع برنامج لإعادة الاعتبار لها ، وإعادة هيكلتها وهو ما دفع بمنظمة اليونيسكو إلى اعتمادها في 30 يونيو 2004، تراثا عالميا بمناسبة انعقاد مؤتمر زوهو بالصين .
وانطلقت أشغال الترميم رسميا في 11 يونيو 1994، حيث أكد الباحث الأثري أبو القاسم الشبري، أن الأشغال كانت تقتضي في بدايتها ترميم السور الخارجي للحي البرتغالي بأزمور.
وأضاف أنه باقتراح من عمالة إقليم الجديدة ، حينئذ تم تمديد الأشغال لتشمل الحي البرتغالي بالجديدة بعدما شملت أشغال الترميم في البداية الأسوار الخارجية.
وأكد الشبري في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تم البحث عن تمويلات من جهات متعددة ومنحها لمقاولات صغيرة لتشجيعها، والتي عملت على ترميم الأبراج الأربعة المشكلة للسور العظيم للحي البرتغالي . وتم التركيز على المواد الأولية المكونة من مادة الجير والتوفنة، التي كانت ترقد في الماء مدة شهر لتختمر، وهو ما جعل عملية الترميم ناجحة وأعادت الاعتبار للأسوار سيما أن لونها قريب جدا من اللون الأصلي للحي البرتغالي.
وتمت إزالة مجموعة من الدكاكين التي كانت تشكل ما يسمى بدرب الدكاكة المعروف بحي الصياغين. كما تمت توسعة الساحة المقابلة للحي البرتغالي، ليتسنى رؤيته من بعيد احتراما لتوجيهات منظمة اليونيسكو.
وشملت عملية الترميم برج “سان سيباستيان” وتم فتح ممرات على السور بعد إزالة الأشواك والأحجار والأتربة المتراكمة، كما تم فتح الطابق السفلي المحاذي لمرسم الزبير والذي يتم الولوج إليه من الزقاق الموالي لباب البحر مرورا من الزاوية الحمدوشية والكنيسة الصغرى فدار البارود.
وأوضح الشبري أن عملية الترميم شملت برج “سانت أنطوان” المواجه لساحة أحفير والذي يتم الولوج إليه انطلاقا من باب “دوز”، كما شملت الإصلاحات برج روح القدس المواجه لساحة الحنصالي وتم فتح ممره السفلي وتمت إعادة فتح بابه المطل على الساحة نفسها وهو ما ساهم في إضاءة مرافقه السفلية التي تضم مجموعة من البيوت والقاعات المظلمة.
وانتهت الأشغال الأولى التي امتدت من سنة 1994 إلى سنة 2000 ببرج الملاك المواجه للميناء والنادي البحري. وعملت اللجنة المكلفة بالترميم على إغلاق الممر السفلي الذي كان هواة السباحة من فوق السور يستعملونه للولوج إلى الحي البرتغالي تفاديا لحدوث أعمال غير محسوبة.
وفي مرحلة أخرى أكد أبو القاسم الشبري أن أشغال الترميم شملت المسقاة البرتغالية وتمت إزالة الأتربة والأحجار المتراكمة فوق سطحها والناتجة عن البيوت المهدمة لتخفيف العبء على سطحها، وتمت إعادة اكتشاف محيطها، بعد التعرف على عدة قاعات منها قاعة الفنانة المرحومة الشعيبية طلال وقاعة المرحوم عبد الكبير الخطيبي وقاعة الكنيسة البرتغالية، فيما لا تزال قاعة أخرى تمت تهيئتها دون تسميتها.
وانتهت أشغال الترميم بالاهتمام بالأزقة والشوارع الداخلية والساحات، حيث تم ترصيفها وتصفيفها بالاعتماد على أحجار صقيلة وخاصة وهو ما أعطى رونقا وجمالية لهذه الفضاءات.
يشار إلى أن النواة الأولى للحي البرتغالي، أو “مازغان”، انطلقت منذ سنة 1502 عندما حلت رحلة لبحارة برتغاليين بموقع “مازيغن”. وشرع في وضع اللبنة الأولى للقلعة سنة 1514م من طرف المهندسين البرتغاليين الأخوين فرانسيسكو ودييغو دي أرودا، عندما عاد أسطول برتغالي محمل بكل اللوازم والمعدات.
وشهد الموقع البرتغالي عملية توسيع وتحصين كبرى انطلاقا من سنة 1541م، بعد طرد البرتغاليين من الشواطئ المغربية، خاصة من أكادير وأسفي وأزمور. وتزامن ذلك مع بداية بروز مد مغربي مقاوم للاحتلال ومحاولة تحرير الثغور من طرف الجيوش السعدية.
وظل البرتغاليون مستوطنين ب”مازاغان” إلى غاية 1769، عندما حاصر السلطان سيدي محمد بن عبد الله القلعة البرتغالية، مما فرض على البرتغاليين التفكير في مغادرة المدينة عبر البوابة البحرية (باب البحر)، التي كانت تدخل منها البضائع. ولكن لخبثهم ودهائهم وضعوا برامل من البارود بأسوارها وتركوا شيخا أوكلوا له مهمة إشعال البارود لتفجيرها ومنها أخذت لقب “المهدومة”.
تعليقات الزوار ( 0 )