يأتي احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب امتدادًا لتركيز الدولة على استثمارات الطاقة النظيفة، ويبدو أن الأمر تخطّى التطوير المحلي إلى طموح أوسع نطاقًا، وذلك حسب تقرير لمجلة الطاقة المتخصصة في أسواق الطاقة العالمية على المستويات الاقتصادية والسياسية والبيئية والتقنية الفنية.
ويمتد طموح الرباط إلى جذب المصنّعين الراغبين في توريد السلع إلى أوروبا، ومع تطبيق تقنيات احتجاز الكربون خلال مراحل التصنيع وإعادة تصدير المنتجات المصنعة وفقها إلى أوروبا، يمكن للمصنّعين تجنب رسوم ضريبة الكربون التي يستعد الاتحاد لفرضها خلال عامين.
ووفق متابعة مستمرة من جانب منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، هناك تحديات تعطُّل انطلاق هذا الهدف حتى الآن، غير أن تدخل الاستثمارات العربية -خاصة الخليجية- قد يدفع انطلاقة المغرب في مشروعات احتجاز الكربون إلى الأمام.
بالإضافة إلى احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب، فإن هناك تطورًا عربيًا لافتًا للنظر في إستراتيجيات التخلص من الكربون، لتعويض الانبعاثات الناجمة عن صناعة الوقود الأحفوري والتنقيب عن النفط والغاز.
غسل كربوني
قد يكون احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب بمثابة “غسل كربوني” للصناعات، في ظل استعدادات تطبيق آلية حدود الكربون على واردات الاتحاد الأوروبي.
وبوصف المملكة المغربية موقعًا صناعيًا مهمًا، قد يخدم جذبها للمطورين توريد سلع مثل: “الصلب، والأسمنت، والأسمدة” إلى دول الاتحاد الأوروبي، دون تحمل تكلفة ضريبة الكربون.
ويستعد الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة -بحلول عام 2026- على واردات السلع السابق ذكرها، وفق معدلات ثاني أكسيد الكربون المطلقة خلال عملية الإنتاج، وبذلك تُجنِّب تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب الموردين تحمّل هذه التكلفة الإضافية.
ويرتبط تنفيذ هذا الطموح ارتباطًا وثيقًا بالقدرة على طرح تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه بتكلفة أقل من تكلفة الرسوم الضريبية المرتقبة، حتى يشعر المستثمر أنه جنى فائدة ربحية ومناخية من استثماره في المغرب.
بدورها، أكدت مسؤولة مدير البرنامج الإقليمي لأمن الطاقة وتغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى معهد “كونراد أديناور” البحثي الألماني، فيرونيكا إرتل، أن تطبيق الحكومة المغربية هذه التقنية خطوة مهمة؛ نظرًا إلى انخفاض سعر الطاقة المتجددة وتكلفة العمالة.
ما التحديات؟
من ضمن المشروعات التجريبية لاحتجاز الكربون وتخزينه في المغرب المخطط لها، مشروع بتكلفة 12 مليون يورو (ما يزيد على 13 مليون دولار أميركي) تابع لشركة بريليانت بلانيت (Brilliant Planet) البريطانية.
ويهدف المشروع إلى التقاط الكربون وتخزينه في “مزرعة طحالب”، وشرح مؤسس الشركة وكبير علمائها رافائيل جوفين، أن اختيارهم وقع على الموارد الطبيعية لاستعمالها وتطويعها في امتصاص مزيد من ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى كتلة حيوية.
وكشف جوفين عن أن الموارد الطبيعية تساعد في تجنّب ثاني أكسيد الكربون سنويًا بمعدل 30 ضعفًا لما تفعله الغابات الاستوائية، وفق موقع إربيان غولف بيزنس إنسايتس (AGBI).
ورغم اتجاه الدولة الرائدة أفريقيًا وعربيًا في مجالات الطاقة النظيفة للتوسع بتقنية احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب، وفتح المجال أمام المشروعات الطموحة، فإن هناك بعض التحديات التي قد تعطّل الاستثمار.
وقد تتجاوز القدرة التخزينية للتكوينات الجيولوجية 10 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون، لكن الرباط تحتاج إلى متطلبات حتى تتمكن من استغلال المزايا المتوافرة.
ويبرز تحديان رئيسان في هذا الإطار: (استثمارات بمليارات الدولارات، والبنية التحتية اللازمة)، وينظر الباحثون والمعنيون بالأمر إلى الاستثمارات الخليجية بوصفها مساهمًا محتملًا لتطوير ونشر تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب.
احتجاز الكربون وتخزينه عربيًا
لا تقتصر الجهود والتطلعات على احتجاز الكربون وتخزينه في المغرب فقط، فعلى الصعيد العربي -خاصة الخليجي- هناك محاولات تطوير قوية أبرزها: (السعودية، والإمارات، وقطر)، بنشر مزيد من مرافق الاحتجاز والتخزين.
وربما يرجع ذلك إلى “محورية” صناعة الوقود الأحفوري في هذه البلدان؛ إذ تشهد عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز كثافة مفرطة لإطلاق الانبعاثات بكميات هائلة.
وتملك هذه البلدان فرصًا قوية -أيضًا-؛ إذ تملك تكوينات جيولوجية تُعد الموقع الأمثل للتخزين.
وقد ترتفع خطط احتجاز الكربون في الشرق الأوسط من 5 ملايين طن العام الماضي 2023، إلى 43 مليون طن سنويًا بحلول 2034، وفق تقديرات مؤسسة وود ماكنزي للاستشارات.
وتطور السعودية وحدها 40% من هذه المشروعات، في حين ترتفع متطلبات التقنية الناشئة إلى استثمارات تُقدر بما قيمته 196 مليار دولار عقب 10 سنوات.
وعلى الرغم من النظرة المتفائلة فإن تطوير احتجاز الكربون وتخزينه في الشرق الأوسط وأفريقيا مهدد بالافتقار إلى السياسات واللوائح المنظمة، والأهم من ذلك ضعف توافر التمويل المطلوب.
تعليقات الزوار ( 0 )