ومنذ عام 2004 أصبح حدثًا سنويًا يقام في شهر فبراير من كل سنة لمدة عشرة أيام في مركز المعارض بمدينة الدار البيضاء. وقد كان تنظيم هذا المعرض بالعاصمة الاقتصادية التي تضم أكبر عدد من دور النشر التي تتمركز بالخصوص بحي الحبوس قرب القصر الملكي ، مسألة تنظيمية بديهية سيما وأن هذه المدينة تضم أيضا أكبر عدد من المكتبات وشركات توزيع الكتب والصحف بالإضافة إلى تمركز جل المنابر الإعلامية والصحفية قبل أن تتمركز بها جل المواقع الالكترونية والإذاعات الخاصة.
- قرصنة المعرض الدولي للكتاب
لم يكن من الغريب أن يفاجأ الجميع خاصة محترفي النشر والكتاب بقرار وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، بنقل المعرض الدولي للنشر والكتاب من مدينة الدارالبيضاء إلى العاصمة الرباط، مبررا هذا القرار، باختيار الرباط عاصمة إفريقية ثقافية، وأيضا بسبب تحول فضاء المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء لمستشفى ميداني لاستقبال وإيواء مرضى كوفيد 19، على أن تتم إعادة المعرض بعد التخلص من جائحة كورونا. لم يكن ليمرّ خبر نقل معرض الكتاب من الدار البيضاء إلى الرباط مرور الكرام، إذ استغرب الكثيرون اتخاذ هذا القرار علما أن مدينة بحجم العاصمة الاقتصادية تضم عدة أراضي شاسعة يمكن أن تحتضن معرض الكتاب، بما أن فضاءه تحوّل إلى مستشفى ميداني. وعبّر العديد من النشطاء عن غضبهم، من بينهم من ظنّ أن قرار نقل المعرض هو نهائي وليس مؤقتا كما جاء على لسان الوزير، حيث تخوفوا من أن يؤثر ذلك بشكل كبير على المشهد الثقافي في المدينة. فمعرض الكتاب هو ليس مجرد حدث ثقافي بسيط، وإنما بات يعدّ من تراث ورأسمال المدينة الرمزي، في حين طالب البعض أن يكون المعرض متنقلا بين المدن المغربية وألا يقتصر تنظيمه في مدينة الدار البيضاء فحسب، وأضافوا أن من حق كل من مدينة أن تحظى بفرصة إقامة معرض الكتاب مرة كل بضع سنوات. لكن مختلف هذه التعاليق وردود الفعل ، لم تثني وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، من اعتبار نقل المعرض الدولي للنشر والكتاب من مدينة الدار البيضاء إلى العاصمة الرباط، نهائيا، مشيرا إلى أن العاصمة الاقتصادية سيصبح لها معرض دولي سنوي آخر لكتاب الشباب والطفولة.وقد جاء ذلك في ندوة صحفية للوزير، خلال تقديم الدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب الذي نظم بالرباط، للمرة الثانية على التوالي، بدل مكانه الأصلي بالدار البيضاء، وذلك من 1 إلى 11 يونيو 2023، بفضاء “OLM” السويسي بالرباط، تحت رعاية الملك محمد السادس، وبشراكة مع ولاية جهة الرباط سلا القنيطرة، ومجلس الجهة.حيث اعتبر الوزير أن الدعم المالي لمجلس الجهة في تنظيم هذه التظاهرة الثقافية الدولية كان من بين الأسباب التي دفعت به إلى اتخاذ هذا القرار. وليخفف من وقع هذا القرار على ساكنة وممثلي العاصمة الاقتصادية أوضح بنسعيد أن إحداث معرض دولي سنوي آخر لكتاب الشباب والطفولة بالدار البيضاء، “يأتي لمصالحة فئتي الشباب والأطفال مع الكتاب والقراءة، سيما وأن ما بين 60 و70 في المائة من ساكنة هذه المدينة هم من هاتين الفئتين”. معتبرا بأن أن المغرب سيصبح له معرضان دوليان كبيران للكتاب، الأول للنشر والكتاب بالرباط، والثاني موجه للناشئة في الدار البيضاء، مضيفا أن المطلوب هو العمل لتعزيز العرض الثقافي وبنياته والمبادرات الرامية لتعزيزه في مختلف مناطق المملكة، بهدف “دمقرطة مفهوم الثقافة والولوج إلى الكتاب”.
-عدم تطوير المعرض الدولي للكتاب
على الرغم من كل التبريرات التي قدمت بهذا الصدد ، فيبدو أن ما حرك هذا الوزير هو تعصبه لمدينته حيث فضل نقل معرض كتاب بكل زخمه الدولي وتاريخه الفكري من عاصمة المغرب الاقتصادية إلى العاصمة الادارية مستغلا في ذلك ضعف وتقاعس الممثلين المحليين للدارالبيضاء وكذا منتخبيها في الدفاع على الاحتفاظ بمقر المعرض الاصلي. إذ في الوقت الذي حرص الملك الحسن الثاني على إقامة أكبر مسجد على ساحل المدينة وقرب المكان الذي كان ينظم فيه هذا المعرض لتقوية البعد الروحي والثقافي للعاصمة الاقتصادية ، يأتي وزير عابر ليقوض رمزية ثقافية كانت تميز دائما هذه المدينة بمختلف حمولتها الشعبية والفكرية التي أظهرت كل الفعاليات المسرحية الدولية كمسرح الطيب الصديقي والغنائية كناس الغيوان ولمشاهب إلى غير ذلك من الفعاليات الثقافية .ولعل ما يؤكد هذا المعطى هو أن تنظيم هذا المعرض بالعاصمة الإدارية لم يطرأ عليه أي تطوير لا في مفهومه ولا في هيكلته . إذ بخلاف تنظيم دورات المعرض الدولي للكتاب سابقا في معلمة عمرانية ثابتة تتميز بها الدارالبيضاء كبناية المعرض المتميزة ، فضلت السلطات المحلية للعاصمة الإدارية إقامة هذا المعرض في منطقة لا تتوفر على أدنى الشروط لاقامة هذا المعرض بدليل ما يتجشمه الزوار الاتين من كل صوب أو الحافلات التي تقل تلاميذ المدارس من صعوبة وهدر للوقت في العثور مكان لركن سياراتهم ومركباتهم نظرا لغياب مآرب أو كراجات مناسبة خاصة بالمعرض في الوقت الذي تنزعج فيه الساكنة المقيمة من هذه الحركية غير المعتادة . إضافة إلى هذا فبدل أن تضفي السلطات المحلية هالة خاصة على تنظيم هذا المعرض الثقافي من خلال اختيار على سبيل المثال معلمة تاريخية كشالة لتنظيم المعرض ، فضلت صرف مبالغ مالية على إقامة خيام سيتم هدمها بعد انتهاء المعرض مما يعتبر هدرا ممنهجا لمال دافعي الضرائب لن تستفيد منه إلا بعض الشركات المشتغلة في هذا المجال . كما أن تصميم المعرض لا يوفر المناخ الملائم لاقامة الندوات و التظاهرات المبرمجة بسبب الصخب ورجع الصدى ، حيث يحس الزائر وكأنه في “سوق عكاظ” أو في بعض المواسم التي تقام بالمملكة مما أفقد معرض الكتاب خصوصيته الثقافية ورونقه الفكري نظرا لعدم ملائمة تجهيزاته لاحتضان ندوات المؤسسات المستضافة، و لا لحظات فكر وإبداع بعض الرموز الثقافية التي أسست مسارات فكرية وإبداعية متميزة، إضافة إلى عدم تسهيل اللقاءات المباشرة بين المبدعات والمبدعين وجمهورهم. ولعل هذا ما ظهر من خلال حفل توقيع روايات الكاتب السعودي أسامة المسلم ، إذ على الرغم من ظهوره لدقائق محدودة داخل أروقة الدورة الـ29 من المعرض الدولي للكتاب والنشر صبيحة اليوم الثالث من أيام هذا المعرض ، إلا أن هذا الظهور تحول إلى أهم أحداث المعرض، إذ اصطف آلاف القراء من المراهقين والمراهقات في طوابير امتدت لساعات، لكنها أثرت على حركة البيع داخل أجنحة البيع والعرض وأدت إلى صعوبة الحركة بعد سلسلة من الإغماءات بسبب الازدحام وحرارة الشمس، الأمر الذي دعا إدارة المعرض الى التدخل وتهريب الروائي السعودي من أروقة خلفية .
من هنا ضرورة أن يتم اتخاذ قرار حاسم من طرف السلطات العليا للمملكة لبناء معرض دولي للكتاب تتوفر فيه كل المواصفات المعمارية والهندسية واللوجستيكية التي تميز باقي المعارض الدولية للكتاب في مختلف الدول العربية “كمعرض القاهرة” ،الذي يعد أحد أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، ، والذي يقام منذ سنة 1969في يناير من كل سنة بأرض المعارض بمدينة نصر بالقاهرة وقاعة المعارض في قاعة المؤتمرات ،أو “معرض أبوظبي الدولي للكتاب” الذي أقيمت أولى دوراته في مؤسسة قصر الحصن الثقافي قبل أن ينقل إلى مركز أبوظبي الوطني للمعارض ، أو “معرض الرياض الدولي للكتاب” الذي عرف في سنة 2023 زيارة مليون زائر من شتى أنحاء السعودية ومن خارجها، والذي نظم على مدار 10 أيام في حرم جامعة الملك سعود بمدينة الرياض على مساحة تتجاوز 55 ألف متر مربع ، وحظي بحضور جماهيري، ومشاركة نخبة من الأدباء والمثقفين والمتحدثين في مختلف مجالات المعرفة، مما انعكس إيجاباً على حجم إيرادات دور النشر المشاركة في المعرض؛ التي تجاوز عددها 1800 دار نشر من 32 دولة، موزعة على 800 جناح. حيث شمل البرنامج الثقافي للمعرض باقة من الفعّاليات والأنشطة، تجاوزت أكثر من 200 فعّالية؛ منها ندوات حوارية، وأمسيات شعرية ضمَّت نخبة من شعراء الفصحى والشعر النبطي، وورش عمل في شتى ميادين المعرفة، وعروض مسرحية لمسرحياتٍ سعودية ودولية، وحفلات موسيقية وغنائية، وفعالية (حديث الكتاب)؛ التي استضافت نُخبة من المفكرين والمؤلفين المؤثرين. فعلى هذا المنوال ينبغي أن يتم تطوير معرض الكتاب الدولي بالمملكة وذلك على غرار ما تم إنجازه من منجزات ثقافية كمسرحي الدارالبيضاء والرباط أو فضاء المكتبة الوطنية . وفي انتظار ذلك لا بد أن يتم إرجاع المعرض الدولي للكتاب إلى حضنه الأصلي أي لمدينة الدارالبيضاء التي ينبغي لسلطاتها المحلية بتعاون مع السلطات المركزية أن تقيم معرضا للكتاب بمختلف المواصفات والتصاميم التي يتطلبها بناء معرض كتاب حديث ومتطور يسع عرض الكتب والاصدارات مع تخصيص أماكن لحفلات التوقيع وصالات خاصة للندوات والمحاضرات يحفظ للمبدعين والكتاب مكانتهم الثقافية وهيبتهم الفكرية.
الأكاديمي محمد شقير اختزل العقل الثقافي الحكومي في التسلط على الذات العلمية آخر قلاع الفكر العربي
شكرا مقال في الصميم شخصيا قاطعت هذا المعرض المهرب رغم حضوري لجميع المعارض التي أقيمت في الدارالبيضاء منذ اوله سنة 1987 ً. هناك مقر معارض تابع لمكتب الصرف في طريق الجديدة قرب الكليات و هل في الرباط فنادق لإيواء الزوار فقط نرجسية الوزير / أدعو أبناء البيضاء لمقاطعة هذا المعرض