منذ سنوات، يحلم موسى مسرور، الباحث بكلية العلوم قسم الجيولوجيا بجامعة ابن زهر، بإنشاء متحف للتاريخ الطبيعي بمدينة أغادير، رغبة منه في نقل تجربته التي اكتسبها عندما طالبا باحثا في فرنسا مع متاحف أوروبية، وبعد أن تحقق هذا الحلم زاد طموحه بأن يكون هذا المتحف معلمة علمية تحافظ على التراث الطبيعي وعلى المواقع الجيولوجية للمدينة ونواحيها، وتعمل على تبسيط المعرفة العلمية بهذا المجال للجمهور العام.
قال مسرورفي حديث للجزيرة نت “تأسيس هذا المتحف جاء في سياق اكتشاف موقع آثار أقدام الديناصورات في منطقة أنزا بمدينة أغادير سنة 2017 (وسط غرب المملكة) الذي أصبح موقعا عالميا (لأنه يطل على المحيط الأطلسي) وقد ثبتت أهميته بفضل 4 مقالات علمية أشرفت عليها رفقة باحث من إسبانيا”.
المتحف الذي تم افتتاحه رسميا يوم 13 يناير/كانون الثاني الجاري هو الأول من نوعه بأغادير، وبعد 3 أيام في استقبال الأطفال والتلاميذ والطلبة في إطار “اليوم المفتوح للصغار” (kids open day) بهدف تبسيط العلوم للناشئة، والتوجيه المدرسي للطلاب وتكوين الشباب، والحفاظ على الموروث الجيولوجي. وهو فضاء بيداغوجي للتعرف على جيولوجيا الأطلس الكبير الغربي بالقرب من الموقع العالمي لآثار الديناصورات بأغادير.
وتم إنشاء هذا المشروع العلمي في إطار شراكة تجمع شبابي من المغرب وتونس وفرنسا، في إطار منظمة شباب الضفتين للتبادل الثقافي، تحت إشراف الجمعية المغربية للتوجيه والبحث العلمي (AMORS) التي قامت بتنفيذ الجوانب الإدارية للحصول على فضاء المتحف.
متحف الموقع الجيولوجي
يقول مسرور للجزيرة نت “هذا المتحف يدخل في إطار المتاحف المرتبطة بموقع اكتشاف، لأنه يبعد عن موقع آثار الديناصورات في أغادير بأمتار معدودة، وهناك عدة متاحف في العالم بهذا الشكل تكون قريبة أو فوق موقع اكتشافي معين، ويعد هذا المتحف الثاني من هذا النوع بالمغرب بالإضافة لمتحف تازودة بمدينة ورزازات المرتبط بموقع اكتشاف ديناصور” كما هو موجود بفرنسا وإسبانيا.
ويتضمن المتحف آثارا متنوعة للديناصورات ومستحاثات عمرها أكثر من 500 مليون سنة وأخرى عمرها 120 مليون سنة، كما تم تزويد المتحف بمجموعة من المستحاثات التي لا توجد بالمملكة.
ويشير مسرور إلى أن أغلب مواقع الاكتشاف في العالم يوجد بجانبها متحف من أجل التعريف بذلك الموقع، مؤكدا وجود متحف التاريخ الطبيعي في أغادير أصبح أمر ملحا، لأن موقع أنزا لآثار الديناصورات يكون مختفيا بالرمال في بعض مواسم السنة لوجوده في شاطئ البحر بالساحل الأطلسي، وبالتالي تصعد الرمال وتغطيه تماما بفعل عملية المد والجزر.
ويتابع: المتحف سيعوض زيارة آثار الديناصورات هذه المواسم لأننا قمنا بقولبة عدة آثار للديناصورات بموقع أنزا ووضعناها بالمتحف، وسنقوم بعمليات قولبة أخرى للآثار المتبقية.
ويضيف مسرور: أغادير تنتمي إلى الأطلس الكبير الغربي وهو غني بالمواقع الجيولوجية، والمتحف يتضمن خريطة قمنا بإنجازها تقدم تعريفا لهاته المواقع الجيولوجية التي أنجزت حولها دراسات ومؤلفات، والجمهور العام لا يعرف عنها شيئا ولا يعرف قيمتها، لهذا قمنا بعرضها بالمتحف ليتعرف عليها الزوار.
ويسعى هذا المتحف إلى إظهار القيمة الجيولوجية للمواقع التي تحيط بأغادير، ومن ثم يمكن جعلها في مدار سياحي لتنويع العرض السياحي للمدينة، في أفق جعل الأطلس الكبير الغربي محمية جيولوجية، إضافة لمحمية مكون (جيوبارك مكون) الوحيدة بالمغرب.
فضاءات متنوعة لتبسيط العلوم
ينقسم المتحف إلى 3 فضاءات متنوعة، يختص الأول بعرض جيولوجيا المغرب بطريقة مختصرة عن طريق المستحاثات، حيث تم تمثيل كل زمن جيولوجي ببعض المستحاثات، منذ الزمن البركومبري، ولأن كل الأزمنة الجيولوجية ممثلة بالمغرب، وبالتالي فالزائر عندما يأتي المتحف فإنه يقوم برحلة عبر الزمن عن طريق المستحاثات.
أما الفضاء الثاني، فقد تم تصميمه للتعريف بالمواقع الجيولوجية لأغادير ونواحيها، حيث قدم لها تعريفات بالمتحف، ومنها: موقع أنزا لآثار الديناصورات، أزيار، تاكركرا، أركانة، ليتعرف عليها الجمهور عن قرب من خلال الصخور والمستحاثات.
وبخصوص الفضاء الثالث فهو بيداغوجي مخصص للأطفال والتلاميذ والطلبة والباحثين، للتعرف على الموروث الجيولوجي للمنطقة بطريقة مبسطة في محاور متنوعة منها: أنواع الصخور، المستحاثات، كيف تعيش، كيف يتم الحصول عليها، مدى أهميتها العلمية. وينقسم هذا الفضاء إلى مستوى متقدم موجه للطلبة والباحثين، إضافة إلى مستوى خاص بالأطفال والتلاميذ بالمدارس التعليمية من أجل التشبع بالفكر الجيولوجي.
وقد قامت الهيئة المشرفة على المتحف ببرمجة زيارات للأطفال والتلاميذ والطلبة، وشرع في استقبال زيارات الأطفال كل يوم أحد رفقة والديهم، كما برمجت زيارة للفعاليات المدنية بأغادير اليوم الأحد، وقال مسرور “سوف نستمر في تنظيم زيارات للأطفال وللتلاميذ بالمدارس كل يوم أحد”.
وينهي المستشار العلمي لمتحف التاريخ الطبيعي حديثه للجزيرة نت بالقول “سنقوم بتنشيط المتحف من خلال تنظيم أنشطة علمية، وذلك بعقد شراكات مع متاحف أخرى لتبادل المستحاثات والآثار لتنظيم معارض علمية لشهور محددة، من أجل ضمان تفاعل الجمهور في موضوع علمي محدد، لأن هذا النوع هو الذي يتفاعل معه الجمهور العام بالمقارنة مع المعرض القار.
عن الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )