قال الباحث والخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، والطبيب النفساني، جواد مبروكي، إن “عدم تناول الطعام وعدم الشرب طواعية أم لا، هو قبل كل شيء أمر معاكس للطبيعة ونوع من إيذاء النفس “المازوشية”، وخلقتنا الطبيعة بإِرغامنا على التغذية والتكاثر للحفاظ على الأنواع، مثل الحيوانات، لأن عدم تناول الطعام إلى أجل غير مسمى يؤدي إلى الموت، ولذا أعطتنا الطبيعة مركزًا دماغيًا تنظيميًا (بفضل هورمونات الغدة النخامية-إيبوطالاموس) يشير إلى الشعور بالجوع بفضل هورمون “لَڴريلين” للطعام وإلى الشبع بفضل هورمون “لليبْتينْ” للتوقف عن الأكل”.
وأكد مبروكي في حديثه لـ”بناصا”، أن “الشعور بالجوع وعدم تناول الطعام يسبب الألم والقلق والانزعاج (افرزات هورمونية مثل الكورْتيكوتْروبْ و الأدْرينالينْوالكورتيزول و الفازوبْريسين…)، وهذا ما يفسر كذلك بيولوجياً ظاهرة “الترمضينة” خلال النهار”، موضحا، أنه عندما نأكل ونستقبل إشارة الشبع فإن دماغنا يكافئنا بالمتعة بفضل افرازات هورمونية مثل السيروتونين و الأُنْدورْفين و الأُكْسِتوسينْ و الدّوبامينْ، وهذا ما يفسر دائما بيويولجياً غياب “الترمضينة” بين المغرب والفجر”.
وهكذا تصبح هذه المتعة، يضيف الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، “مثل المخدر (هورمونات المتعة) الذي نبحث عنه باستمرار من خلال الأكل، وهذا خاص (الإحساس بالمتعة) بالبشر فقط، ومثلا عندما يبكي الرضيع، نرى أن ثدي الأم يُطمئنه على الفور كما يزول انزعاج الطفل بسرعة بعدما نعطيه شيئا حلوا حيث يشعر بالمتعة ونفس الأمر نراه حتى عند الكبار”.
وحلل مبروكي امتناع الصائم عن الأكل والشرب على الصعيد النفسي من خلال ثلاث حالات، وتتعلق الحالة الأولى بالصوم التطوعي، التي لا يهم فيها ما إذا كان الصوم جزءًا من الطقوس الدينية مع أو بدون قناعة، أو مسار تطوير ضبط النفس أو لأغراض أخرى (تطهير الجسم من السموم أو تطوير القدرات النفسية أو غيرها)، ومهما كان الأمر يبقى الصيام ممارسة مضادة للطبيعة وسلوك مازوشي من أجل أن يكافأَ الصائم بمتعة الأكل وإعادة إنتاج “المتعة البدائية” المنحوتة في اللاوعي، لأن الإنسان قد اكتشف لأول مرة “المتعة” من خلال ثدي الأم مباشرة بعد ولادته”.
ولا يمكننا العيش بدون الشعور بـ”المتعة”، يتابع المتحدث ذاته، حيث فقدانها يؤدي بشكل كامل إلى الانتحار (مسألة بيولوجية)، ولكن الإنسان يعمل بطريقة استياء/متعة أو ألم/متعة، مشيرا إلى أن الصوم مثل شخص يضرب رأسه باستمرار بهراوة مما يسبب الشعور بالألم، والأكل مثل التوقف عن ضرب رأسه لكي يشعر بالمتعة، وما يساعد الصائم لتحمل استياء عدم الأكل هو معرفة أنه سيكافأ بمتعة الطعام والشعور بالشبع والأمان والوصول إلى حالة من النعيم كما نراه عند الرضيع بعد نهاية الرضاعة من ثدي الأم.
مردفا، أن هذا هو سبب تزين طاولة الإفطار بمجموعة هائلة من الأطباق المتنوعة التي لا يتم استهلاك حتى 10 ٪ مما تم تحضيره، مشددا على أن الصوم هو بحث ألاوعي عن متعة ثدي الأم الذي لا يقتصر فقط على وظيفة الرضاعة والتغذية ولكن أيضًا على الشعور بالأمان والحنان والتواجد في أحضان الأم”.
والحالة الثانية حسب مبروكي، هي حالة الصوم الجماعي، “التي يصعب فيها التفريق بين أولئك الذين يصومون طوعًا عن أولئك الذين يمارسونه دون اختيار شخصي من خلال ممارسة الجوع فقط، ورغم ذلك، في كلتا الحالتين يشعرون بالألم والاستياء، لأن الصيام مؤلم، فقد اختُرع الصوم الجماعي (من طرف الدين) لتخفيف الآلام الفردية حيث تصبح جماعية ولكن بدون التسامح مع الذي لا يصوم علانية حيث في بعض الأحيان يتعرض إلى العنف وحتى السجن في بعض الدول، في حين يتم التسامح عقلياً مع الذي يفطر في السر، ولماذا هذا النفاق والتناقض؟ لأن الذي لا يصوم علنا يُبرز ألم الجوع (المازوشية) لدى الصائمين ويعبرعن متعته التي يشعر بها، ولهذا يذهب الصائمون إلى الانتقام منه بالقبض عليه (السادية) لكي يشعر بدوره بالعذاب، لذلك نستنتج أنه لا يوجد تطوع في الصيام الجماعي بل هو “سجن جماعي” تفرضه العقائد”.
أما الحالة الثالثة والأخيرة هي “حالة الصوم من أجل تقوية القدرات الروحانية التي فيها غالبًا ما يقدم الصائمون (استنساخ الأنماط الموروثة) الحجج المجنونة والخيالية تمامًا وإلى جانب الحجج الأكثر غباءً”، يضيف الطبيب النفساني، “الشعور بألم الفقراء والدخول إلى الجنة، ويزعمون أتباع كل الأديان بدون استثناء بأن الصيام يساعد على تقوية القدرات والفضائل الروحانية، وهذه الحجج هي كذبة وخيال صبياني وفقًا للتجارب التي نلاحظها في العائلات والأحياء بين الجيران وفي المجتمع وهذا منذ فجر التاريخ ويتكرر نفس الكلام كل عام خلال كل فترة صيام لتجديد الدماغ (التحديث) لتحمل الألم المازوشي”.
و”ما هي القدرات أو الفضائل الروحانية، يضيف المتحدث ذاته، التي يتحدثون عنها أتباع الديانات، بينما خلال فترة الصوم نفسها تبرز ظاهرة “الترمضينة” وتزداد الجدالات والمشاجرات والصراعات والاعتداءات الجسدية والسطو والنصب والسرقة ناهيك عن الكذب والغيبة والنفاق، وأين يرون تطور هذه القدرات الروحانية؟ بل ألاحظ مثل كل مواطن، سلوكًا حيوانيًا بحتًا، لأن الحيوان يصبح زمجيرًا فقط عندما يكون جائعًا ويجب عليه إخراج مخالبه وأنيابه، ولكن الحيوان يفعل ذلك عن طريق الغريزة دون أي خيار، أما الإنسان يفعل ذلك عن طريق المازوشية والسادية من خلال الطاعة للطقوس معتقدا أنه يصوم تطوعيا، ولكن هل الإنسان ملزم بالطاعة؟ أليس لديه خيار أخر؟”.
*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي
ارتداء الملابس مضاد للطبيعة اذا شئنا، و حتى كبح الغريزة الجنسية في حق المحارم مازوشية.. اذا تبعنا هذه الأفكار المزاجية التي تتدثر بالعلم سنقع إلى درجة ما دون الحيوان