بلا أدنى شك أن جائحة كورونا تمثل أزمة صحية عالمية، بالقدر نفسه التي هي أزمة إنسانية على جميع الأصعدة، سينتج عنها تداعيات اقتصادية لاريب فيه، وقد تستمر آثارها السيئة وعواقبها الوخيمة على مدى عدة أشهر أو تستغرق عدة سنوات. فهناك شبه إجماع أن العالم بعد جائحة فيروس كورونا المستجد لن يكون كما كان عليه قبلها.
إذ يبدو أن الاقتصاد العالمي مقبل لا محالة على تراجع إن لم يكن انكماشاً حاداً، فالتوقعات الأولية تشير أن فيروس كورونا سيدخل الاقتصاد العالمي في ركود عميق، وقد يشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.
وتأسيساً عليه، فإن هذه الظرفية الحرجة التي تمر بها بلادنا، تحتم على الحكومة العمل علىترشيد النفقات، لكن من دون اللجوء لسياسةالتقشف الاجتماعي، حتى نتمكن من دعم الطلب الداخلي والحفاظ على السلم الاجتماعي، فالتقشف أداة اقتصادية تشبه الكي في العلاج.
- نحو سياسات اجتماعية رشيدة ومتكاملة
نحن الآن بحاجة أكثر لسياسات اجتماعية رشيدة ومتكاملة، تعزز من طلب فئات واسعة أنهكها التقشف،لذا ينبغي ألا نغفل ضرورة استمرار الحس التضامني، والتكافل الاجتماعي، والإحساس بالوطنية والإنسانية.لأن هذه الأزمة برهنت وبكل المقاييس على أن الاقتصاد مرتبط بالإنسان، ويمسّ حياة الإنسان، فهو يشمل النشاط الإنساني كله، بل هو مرآة للواقع الإنساني، فإذا أصاب الضرر الإنسان، فهذا الأمر سينعكس سلباً على الاقتصاد.
وبناءً عليه يجب علينا أن نستثمر أكثر في الجانب الاجتماعي، باعتماد نظام اقتصادي يضع الإنسان في قلب عملية التنمية، من خلال تعزيز قدراته وتكوينه وضمان فرص الشغل والمناخ الملائم لتطور المقاولات، في ظل مجتمع متضامن، يحتل فيه المواطن مكانة مركزية. هذه هي السياسات التحفيزية التي يجب على الحكومة المغربية أن تقدمها إلى المواطن وتوجهها تحديداً للفئات الفقيرة والمستضعفة، وإلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والعاملين في القطاع غير المهيكل؛ هؤلاء الناس الذين لا يتمتعون بأدنى أشكال الحماية الاجتماعية،والذين يعملون بشكل يومي بحثاً عن لقمة العيش لهم ولعائلاتهم، والذين سيفقدون مورد عيشهم بسبب تعطيل قطاع الخدمات.
فالحكمة اليوم هي رفع الضرر على المواطن، إذأن معركة المواطن اليوم هي البحث عن لقمة عيشه ليوم الغد. وبما أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء المواطنينسيفقدون ولا شك مورد عيشهم الوحيد، أصبح من المُلِحّ ومن الحتمي تسريع وتيرة اتخاذ سياسات استعجالية، دون أن ننتظر حتى انتهاء أزمة وباء كورونا. لأجل كل هذاوجب تعزيز وتوفير الدعم الفعال لهذه القطاعات الأساسية، كقوة دافعة لعجلة الاقتصاد.
فلا أحد ينكر أهمية الجهود المبذولة في المغرب، ومع ذلك، تبقى هذه الجهود مجزأة وغير كافية لضمان الحماية الاجتماعية؛فضعف نطاقها يؤثر بشكل سلبي على وضعية شرائح واسعة من المواطنين، مما يؤدي إلى شعورهم بعدم الطمأنينة. ففي سنة 2018، بلغت نسبة الساكنة المغربية غير المشمولة بأي نظام من أنظمة التغطية الصحية 38 في المئة، كما أن 60 في المئة من السكان النشيطين غير مشمولين بنظام معاشات التقاعد. ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة لبعض الفئات الهشة،حيث إن ثلثي الأشخاص ذوي الإعاقة(66،9 في المئة) لا يستفيدون من أي نظام للضمان الاجتماعي.
- جائحة فيروس كورونا هل تعيد تشكيل المشهد السياسي المغربي ؟
إن هذه الأزمة هي، في المقام الأول، أزمة إنسانية تقتضي منا التضامن معاً، إذ نحتاج اليوم، إلى التضامن والتعاون بين المواطنين داخل المجتمع، وتضامن بين الفرقاء السياسيين؛ نحتاج كذلك إلى الإرادة السياسية لاجتياز هذه المحنة معاً، فقدأصبح لزماً على الطبقة السياسية المغربية، أن تعي خطورة المرحلة وتداعياتها وتحاول تقديم منتوج سياسي يليق بالمغاربة، خصوصاً وأنّ وباء جائحة فيروس كورونا كشف حقيقة الأحزاب والتنظيمات الشعبوية، التي أصبحت في موضع العجز بعد أن فشلت في التعامل مع تداعيات الأزمة، ولم تعد قادرة على مقارعة مخلفات هذا الوباء، واصطدم خطابهم بواقع جديد، وبقيت غارقة في خطاب شعبوي ينمي روح الفردانية والكراهية والعدمية السياسية، وحبيسة شعارات غير قابلة للتحقيق، مُعتمدةً في ذلك على دغدغة المشاعر، بدلاً من تقديم خطاب سياسي واقعي. وهو ما أجهض تطلعاتهم وطموحاتهم السياسية.
كما كشفت أزمة جائحة فيروس كورونا، غياب جل الأحزاب السياسية عن دورها التعبوي وعدم وضع رؤية بشأن مهماتها في التوجيه.فمنذ أن أطلَّ وباء كورونا على المغرب، وفرضت حينها السلطات العمومية حالة الطوارئ الصحية، دخلت الأحزاب السياسية في محطة الانتظار وفي الحجر السياسي، إذ لم يعد لها أي تأثير في الفعل العمومي.
يمكن للأحزاب السياسية المغربية اليوم، أن تستخلص الدروس من أزمة جائحة كورونا وأن تجود منتوجها السياسي، وأن تتميز بالقدرة على توفير ما يحتاج إليه المواطن المغربي. السؤال المحوري، الذي نروم إلىطرحه، هو: هل تمتلك هذه الأحزاب القدرة على فعل ذلك؟
على اعتبار أن الحزب فاعل أساسي في الرفع من منسوب الوعي السياسي، وتعزيز مفهوم المواطنة، باعتبارها مؤسسة للتمثيل والتأطير، لذا من المرتكزات المهمة التي أقبل عليها الدستور المغربي لـــ 2011، هو تعزيز الآليات الدستورية الخاصة بالأحزاب السياسية، وبالتالي تقوية دور الأحزاب السياسية المغربية في تأهيل المشهد السياسي وتخليق الشأن العام، وقدرتها على خلق ثقافة سياسية جماهيرية.
فالأحزاب السياسية المغربية أصبحت اليوم مُلزَمة بتغيير مفاهيم سائدة وتكريس مفاهيم جديدة، عن طريق البناء والعمل المؤسساتي، فهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتوسيع قواعدها باستقطابات جديدة، وانفتاح على طاقات جديدة، من خلال تبني القرب كمنهجية، والاصغاء إلى اهتمامات وهموم وملاحظات المواطنين، وبتبني الديمقراطية الداخلية، باحترام القواعد كقوة اقتراحية وتقريرية من خلال تنظيم مؤتمرات اقليمية وجهوية حقيقية، تفرز مكاتباقليمية وجهوية حقيقي.
لقد أثبتت التجربة أن الأحزاب التي لا تستمد وجودها وقوتها من أفكارها ومجهوداتها الخاصة في التأطير والتنظيم والمبادرة، لا تستطيع أن تضمن لنفسها مكانا ثابتا ومحترما على الخريطة الحزبية. فالأحزاب التي تسعى فقط إلى استقطاب أشخاص لا وجود لهم إلا من خلال ما يملكون، وينظرون إلى الحزب على أنه قنطرة للوصول إلى مآربهم الشخصية، يكون مآلها الفشل فيكسب ثقة الجماهير الواسعة.
باحث في العلوم السياسية.
تعليقات الزوار ( 0 )