Share
  • Link copied

ليس الدين.. الفقر هو المغذي الأول لتنامي التطرف في أفريقيا جنوب الصحراء

يعود العامل الاقتصادي، وقلّة الثقة بالحكومات، إلى الواجهة، مع مراجعة جديدة أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (يو أن دي بي)، نشرت نتائجها أمس الثلاثاء، وأظهرت تحول أفريقيا جنوب الصحراء، إلى بؤرة التطرف الجديدة عالمياً، لا سيما مع سيطرة متزايدة للجماعات المسلّحة المتطرفة على الأراضي في دول ينهشها الفقر، وحيث تقول نسبة كبيرة من المنتسبين إلى هذه الجماعات، من الجنسين، إن الشعور بالخذلان من الحكومات المتعاقبة، أو الحاجة الماسة للعمل، من الأسباب الرئيسية التي تدفعهم للالتحاق بشبكات التطرف.

وفي اتجاه معاكس، فإن عدداً كبيراً من الذين استطاعوا التفلت من هذه الجماعات، سواء اختياراً أو بعد الاعتقال، أعربوا عن شعورهم بالإحباط بعد اعتناق التطرف، بعدما وجدوا أن الكثير من المغريات التي بنوا عليها آمالهم، وحتى تلك التي تنطلق من حافز ديني، كانت خادعة.

ويرصد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجديد، في خلاصاته، العديد من التوجهات الجديدة، التي أصبحت مهيمنة على صنّاع القرار في الدول الكبرى، لا سيما الغربية، صاحبة النفوذ في القارة.

وترى هذه الدول، مثل الولايات المتحدة وفرنسا التي تسابق الوقت للحفاظ على نفوذها في القارة الأفريقية، مع مزاحمة فيها من الصين وروسيا، أن الاستثمار الإنساني، قد يكون أكثر فعالية في سياسة محاربة الإرهاب، من الضربات العسكرية، ومنها المؤلمة، التي لم تعالج حتى الآن جذور المشكلة.

لكن هذه التوجهات تبقى حتى الآن، غير قابلة للتنفيذ على نطاق واسع، فيما يشعر الغرب خصوصاً، المهتم أيضاً بالاستفادة من ثروات القارة، بقلّة ثقة من فساد الحكّام الأفارقة، ومنهم الباقون في السلطة بحمايته، ما يمنعه من توسيع استثماراته.

أفريقيا جنوب الصحراء… نشاط متزايد للجماعات المتطرفة

ونقل التقرير عن مسح سنوي يحمل اسم “مؤشر الإرهاب العالمي”، أنه رغم انخفاض عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب حول العالم خلال السنوات الخمس الماضية، فقد ارتفع عدد القتلى في أفريقيا جنوب الصحراء (48 في المائة من قتلى الإرهاب في العالم في 2021)، ما يجعلها الآن بؤرة الهجمات عالمياً.

وأكد التقرير أن هذه المنطقة، وتنامي التطرف فيها، لم يحظيا خلال السنوات الماضية، بالاهتمام الدولي الكافي، مع انشغال العالم بأزمات أخرى، مثل تفشي كوفيد 19، والتغير المناخي، والحرب الروسية على أوكرانيا.

وتطلق تسمية أفريقيا جنوب الصحراء، على معظم الدول الأفريقية، في غرب وشرق ووسط وجنوب أفريقيا، ما عدا دول شمال أفريقيا، التي تعرف على نطاق واسع بـMENA، أو دول “الشرق الأوسط – شمال أفريقيا”.

ومن أبرز هذه الدول، دول منطقة الساحل الأفريقي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر، موريتانيا وتشاد)، وكذلك الصومال، جيبوتي، جمهورية أفريقيا الوسطى، الكونغو، الكونغو الديمقراطية، كينيا، غانا، الكاميرون، زيمبابوي، ليبيريا، جنوب أفريقيا، وغيرها.

وبحسب التقرير، فإن 71 في المائة من الذين التحقوا بالجماعات المتطرفة، قالوا إنهم تأثروا بالانتهاكات الحقوقية لقوات الأمن النظامية، مثل القتل أو اعتقال أحد أفراد عائلاتهم. ووجدت الدراسة أن هناك مستويات منخفضة من الثقة لدى المنتسبين للجماعات المتطرفة في المؤسسات الحكومية، لا سيما في قطاع الأمن، الذي يشكل بؤرة خصبة لتجنيد الشباب للتطرف، بالتوازي مع مستويات منخفضة من المشاركة الديمقراطية للمُستجوبين في البحث.

ومقارنة مع دراسة سابقة أجراها البرنامج الأممي في 2017، فإن الشرخ في العقد الاجتماعي بين الدول الأفريقية ومواطنيها أصبح أكثر اتساعاً. وبالإضافة إلى الشعور المعّمم بالظلم والخذلان من الدولة، فإن سوء الحال المعيشية يطغى على نسبة كبيرة من الملتحقين بالجماعات المتطرفة في أفريقيا.

وبينما عدّ البحث عن العمل، أول الأسباب التي دفعت الذكور ممن أجرى البحث مقابلات معهم، لانتهاج التطرف، فإن النساء منهن تحدثن بمعظمهن عن “تأثير العائلة”، بما فيها الأزواج، كأحد الدوافع لاعتناق النهج المتطرف. وقال الرجال إنهم كانوا يكسبون أقل قبل انتمائهم لإحدى المجموعات الناشطة في المنطقة، وذكر التقرير أنهم بمعظمهم متزوجون، ما يجعلهم حاملين مسؤوليات أكبر.

وتطرق التقرير إلى الدور الذي تؤديه الجماعات المتطرفة، في محاولة إقناع الشباب بالالتحاق بها، وذكر أنه يقوم على إظهار نفسها بديلاً عن “مؤمّني الخدمات” في بعض المناطق، أو “دولة داخل الدولة”، حيث تقوم بوظائف متعددة، منها إدارة والتوسط بالصراعات المحلية، وتأمين “العدالة”، والأمن اليومي.

ورغم الحاجة إلى “التوسع في البحث”، رأى التقرير أنه تمكن من فهم بعض ركائز العملية التي تقوم من خلالها الجماعات المتطرفة باستغلال عجز الحوكمة الحاصلة، والاعتماد على التفكك التدريجي لمصداقية الدولة، لتحشيد الدعم، واللعب على وتر الإحباط الشعبي، وسرديات غياب العدالة والظلم.

وأكد المسلّحون السابقون الذين شكّلوا عيّنة البحث، أن الزعماء الدينيين في مجتمعاتهم يحتلون المرتبة الأولى في حلقة الثقة لديهم، وأن الجماعات المتطرفة شكلّت مصدر جذب لهم في وقت من الأوقات أكثر من الدولة. وشدّد التقرير، بناء على ذلك، على دور رجال الدين والمنظمات الرسمية أو غير الرسمية ذات الطابع الديني، في بناء منصات ذات مصداقية لمواجهة الإرهاب.

نقطة تحول

وتحدث تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي”، والذي يستمد بياناته من قاعدة بيانات “متعقب الإرهاب” لدى “دراغون فلاي”، وهي خدمة أمنية ومخابراتية بالقطاع الخاص، عمّا سماه “نقطة تحول”، اختبرتها بشكل أو بآخر، نسبة كبيرة من الشباب الأفريقي الذي التحق بالجماعات المتطرفة، بعدما كان مصنفاً على أنه عرضة بنسبة عالية لأن يتأثر بالفكر المتطرف.

وقال 48 في المائة من الشباب الذي انتسب في وقت سابق إلى إحدى الجماعات المتطرفة الناشطة في أفريقيا، والذين قابلهم معدّو التقرير، إنهم مرّوا في وقت من الأوقات بـ”نقطة التحول” هذه، ومن بينها قتل قوات أمن الدول لأحد أفراد أسرهم أو اعتقاله. ولفت التقرير إلى أن هؤلاء عددهم أكبر داخل فئة المنتسبين للجماعات المتطرفة، بشكل اختياري، أكثر منهم ممن جّندوا بالقوة. ويقلّص غياب “نقطة التحول” من فرص التجنيد بشكل لافت، بحسب التقرير.

نقطة أخرى، سلّط التقرير الأممي الضوء عليها، هي المحركات التي تدفع مسلّحين متطرفين لقرار مغادرة مربع التطرف. وقال 77 في المائة ممن تمّت مقابلتهم، وأكدوا أنهم قرّروا المغادرة من تلقاء أنفسهم، إن خيبة الأمل أو التوقعات هي السبب وراء تركهم، بينما كانت خيبة الأمل هي سبب تخلي 66 في المائة من المقاتلين المتطرفين السابقين، ولكن ممّن اعتقلوا على يد السلطات الأمنية. كما يربط التقرير، وفق البيانات التي جمعها، بين تدني الراتب الذي كان يقبضه بعض المسلّحين المتطرفين السابقين، ومغادرتهم.

وتحدث 68 في المائة ممن غادروا إحدى الجماعات المتطرفة عن “انقطاع بين وعود الجماعة وأفكارها الأصلية، وممارساتها على أرض الواقع”، ومن بينها قتل المدنيين، وقالوا إنهم “لم يعودوا متوافقين مع تطلعاتهم التي لم تلَبّ”. وأكد 65 في المائة من المُستجوبين، من الذين غادروا جماعة مسلّحة بقرار منهم، إنهم لا يفكرّون بالانضمام مجدداً إلى جماعة متطرفة. أما بالنسبة لأولئك الذين تمّ اعتقالهم، فإن العامل الأبرز الذي قد يدفعهم للعودة إلى التطرف والانخراط في العمل داخل جماعة متطرفة، هو أن هذه الجماعة “تؤمن لهم شعوراً بالانتماء”، أو أنهم “يبحثون عن العدالة”، ما يشير إلى أن المتوقفين عن ممارسة الأعمال المتطرفة بسبب الاعتقال، ينسبون لاستخدام العنف وشرعنته “أفكاراً إيجابية” أكثر.

وأخيراً، وبدلاً من اتباع نهج عسكري، أوصى التقرير بزيادة الاستثمار في رعاية الأطفال وتعليمهم والارتقاء بسبل العيش لمواجهة التطرف العنيف ومنعه.

(العربي الجديد)

Share
  • Link copied
المقال التالي