ما يحدث من ترحيل لساكنة بعض أحياء العاصمة الرباط يدفعنا الى طرح سؤال مهم للغاية: هل هناك فرق بين الترحيل القسري للسكان من بيوتهم وهدمها وبين نزع ملكيتهم من طرف السلطات العمومية في إطار ما يسمح به القانون المغربي الذي وضع لكي يسري على الجميع بدون اي تعسف أو ظلم؟
نعم، هناك فرق كبير بين الترحيل القسري للسكان من بيوتها وهدمها فيما بعد، وبين ونزع الملكية وفق القوانين الجاري بها العمل في المغرب، حيث أن التهجير القسري يُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان إذا تم دون توفير بدائل أو تعويضات مناسبة للسكان المتضررين. أما نزع الملكية، فهو إجراء قانوني يتم تنظيمه بموجب القانون المغربي لأغراض محددة، مثل المصلحة العامة (بناء مشاريع وطنية أو إنشاء بنى تحتية).
وفقًا للقانون المغربي، يتم نزع الملكية وفق شروط محددة مثل:
- إثبات المصلحة العامة: يجب أن تكون هناك مصلحة عامة ضرورية للمشروع الذي يتطلب نزع الملكية.
- تعويض عادل: يجب على السلطات دفع تعويض عادل ومناسب لأصحاب العقارات المتأثرة.
- إجراءات قانونية واضحة: يتم نزع الملكية عبر خطوات قانونية محددة تضمن حق الشخص المتضرر في الدفاع عن نفسه أو الاعتراض على القرار.
إذًا، الفرق الرئيسي هو أن التهجير القسري ينطوي على انتهاكات قانونية وحقوقية، بينما نزع الملكية يتم وفقًا للقانون بشرط احترام حقوق الأفراد وتعويضهم.
بعد الإجابة على هذا السؤال المهم، فإن ما تنقله الصحافة من تصريحات على لسان عدد من المتضررين، الذين تم افراغهم من بيوتهم، وهدمها دون اللجوء إلى المساطر المعمول بها في إطار نزع الملكية، أمر جلل ويستدعي تقديم أجوبة صريحة من طرف الجهات المختصة ( وزارة الداخلية) حرصا على ضمان حقوق الناس وحفاظا على الصورة الحقوقية للبلد!
إذا كانت هناك مشاريع استثمارية تعود بالنفع على الوطن والمواطنين فلا اظن أن هناك مواطنا واحدا في تلك الأحياء التي تتعرض للهدم في العاصمة الرباط، وفي غيرها من المناطق التي شهدت أعمال مماثلة، سيقف ضد المصلحة الفضلى للبلاد، ولكن، تصرفات السلطات ينبغي أن تكون في إطار القانون، ودون المساس بحقوق الناس وممتلكاتهم، لأن الأمر يتعلق بنزع ملكية مساكن ترعرعت فيها أجيال مختلفة، وأصبحت جزء من الثقافة العمرانية للمدينة!
جميل جدا أن تلجأ السلطات من خلال ممثليها في العاصمة الرباط ( الوالي وغيره من رجال السلطة) إلى التواصل مع السكان المتضررين ومفاوضتهم حول حقوقهم بالتراضي غير أن الأمر كان سيكون أجمل، وأروع، وأفضل، لو تمت العملية في إطار قانون نزع الملكية، مع كل ما يترتب عن ذلك من حماية حقوق الناس، وجبر ضررهم الفردي والجماعي، من خلال تعويض منصف وبديل ملائم!
الغريب والمثير في واقعة إفراغ السكان من بيوتهم ومباشرة عمليات الهدم في توقيت حساس جدا ( فصل الشتاء، شهر رمضان، صعوبة العثور على الكراء) هو صمت الأحزاب السياسية التي تسيطر على الحكومة والبرلمان والجهة والمجالس، والأخرى التي تتموقع في المعارضة وتتجذر ضد أخنوش وحكومته، باستثناء فيدرالية اليسار الديمقراطي التي أخدت زمام المبادرة للترافع عن حقوق السكان المتضررين، مع العلم أن هذا الحزب لا يتوفر على الإمكانيات الضخمة التي تتوفر لغيره من الاحزاب التي رفعت شعارات رنانة، مثل البام الذي رفع شعار “مع البام نزيدو القدام” وحزب التجمع الوطني للاحرار الذي رفع شعار ” تستاهل أحسن” وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي رفع شعار ” المغرب أولا” وحزب العدالة والتنمية الذي رفع في أحد ملتقياته الحزبية شعار ” اي دور للمنتخب في تقوية الديمقراطية المحلية ومحاربة الفساد؟”
هل تخاف هذه الاحزاب من المطالبة بتطبيق القوانين التي شرعتها أو ساهمت في تشريعها في البرلمان؟ أم أنها غير معنية بحقوق الانسان في مملكة الإنصاف والمصالحة؟ وما هي مصلحتها في ترك المواطنين يواجهون مصيرهم دون أي مؤازرة أو دعم؟ وهل هي على علم بطبيعة المشاريع المزمع إحداثها فوق ذلك العقار والجهات المعنية بها؟
المعنيون بالامر يريدون اليوم أجوبة واضحة ومقنعة فقط عن جملة من الأسئلة المعقولة والوجيهة ويقولون بصريح العبارة أنهم مع المصلحة الفضلى للبلاد غير أنهم يرفضون مخاطبتهم بجمل فضفاضة من قبيل أن “هناك تعليمات لجهات عليا، وأن هناك قرارات فوقية، أو أن المغرب مقبل على تنظيم تظاهرة كأس العالم”
في دولة الحق والقانون مفروض أن يتم التعامل مع مثل هذه الأمور في إطار القانون، والترسانة القانونية في المملكة متقدمة وصريحة ولاتطرح أي إشكال بشأن التسوية، بل هناك توجيهات ملكية صريحة،صادرة عن اعلى سلطة في البلاد عبر عدد من الخطب الملكية السامية، تحت السلطات العمومية على صيانة حقوق الناس وحمايتها من اي مصادرة غير مشروعة، وتعويضهم بما يتناسب وحجم الضرى الذي لحقهم عند مباشرة اي إجراء له علاقة بنزع الملكية!
اذن لا داعي للاختباء وراء مفاهيم غامضة لتمرير إجراءات يعتبرها المتضررين تعسفية في ظل وجود دولة لديها قوانين متقدمة ودستور متقدم ومؤسسات دستورية وقضاء مستقل وملك ضامن للحقوق والحريات ولا داعي لتصوير وزارة الداخلية كما لو انها تشتغل خارج سلطة الحكومة لأن ازدواجية السلطة التي تحدث عنها اليوسفي وابن كيران (سلطة الدولة وسلطة الحكومة) ينبغي أن يوضع لها حد حفاظا على صورة المملكة في الداخل والخارج!
اليوم هناك غضب تتسع رقعته وعلى العقلاء والفضلاء في هذا الوطن الغالي أن يتدخلوا لتسوية المشاكل في إطار القانون وبما يحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم لأن الوطن أكبر من الجميع وأغلى من الجميع ومرحبا بالمونديال ومرحبا بالاستثمار الخارجي فرنسيا كان أو خليجيا أو افريقيا أو امريكيا أو أسيويا.
تعليقات الزوار ( 0 )