Share
  • Link copied

لماذا لم تعترف الأمم المتحدة لحدود اللحظة باستقلال الجزائر؟

حسنا فعل الباحث الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، حينما أثار الانتباه إلى كون الجزائر ماتزال غير مستقلة إلى الآن بالنسبة إلى الأمم المتحدة، كاشفا بذلك عن سبق بحثي هام، وذلك عبر فحص قائمة الدول المستقلة المدرجة على موقع الأمم المتحدة، وهو ما انتهى به إلى معطى بسيط لم ولن يتجرأ النظام العسكري الجزائري على التطرق إليه، أو بالكاد تقديم تفسير أو تبرير له، وهو ما يزيد من حدة تناقضات الخطاب الذي لا ينفك سدنة ذلك النظام عن لوكه تارة بالحديث عن الكفاح ضد الاستعمار، وأخرى بالحرص على مرجعية الحدود الموروثة عنه، فكيف بهم اليوم والأمم المتحدة ترتاب في المركز القانوني للجزائر قبل العام 1962 وبعده؟، وكيف لهم بالتبجح بالحديث عن تقرير المصير كلما حل شهر أكتوبر وجاء معه موعد تقارير وقرارات الأمم المتحدة بخصوص النزاع المفتعل حول صحرائنا، وهم لم يجدوا بعد صيغة قانونية تؤكد أن الجزائريين قد قرروا مصيرهم واعترفت لهم بذلك الأمم المتحدة، أو بالكاد الدولة التي منحتهم حكما ذاتيا مُذلا ذات يوم في ستينيات القرن العشرين؟؟؟

ولعل جرد الدول المدرجة على تلك القائمة المذكورة، يبين أن الأمر يتعلق بما يزيد عن ثمانين دولة جرى تكييفها من طرف الأمم المتحدة بكونها دولا كانت مستعمرة، ولم تنل شعوبها قسطا من حقها في تقرير مصيرها والاستقلال عن الاستعمار، ثم نال أغلبها استقلاله، وهي القائمة التي لا توجد ضمنها الجزائر، ما يطرح الكثير من الأسئلة عن السبب الذي يجعل الأمم المتحدة ومنذ حصرها لأول لائحة للشعوب المستعمرة عام 1946، لم تعتبرها “شعبا مستعمرا”، كما لم تعتبرها دولة مستقلة منذ العام 1962، فلم تشملها لا اللائحة الأولى ولا اللائحة الثانية، لا سواء قبل العام 1962 أو بعده.

ومن هنا يكون السبب الواضح هو أن الجزائر خلال الفترة الممتدة من تاريخ الحصر الأممي وإلى غاية العام 1962، رأت فيها إقليما فرنسيا لا يمكن وضعه تحت أي شكل من أشكال الاستعمار، لا شكل الانتداب الذي كان معتمدا على أيام عصبة الأمم، ولا ضمن نمط الوصاية الذي خلفه منذ تأسيس الأمم المتحدة، ولا أيضا في إطار صيغ معاهدات الحماية الموقعة بين الدول المستعمَرة والقوى المستعمِرة، فضلا عن كون تلك الفترة أيضا لم تسجل فيها الأمم المتحدة أي رغبة للسكان تسعى فعلا إلى التحرر، وإلا لجرى ضمها إلى تلك اللائحة ولو من باب واقع حركات التحرر التي أخذتها الأمم المتحدة بعين الاعتبار منذ العام 1945، بخلاف مقتضيات ومفاهيم وتكييفات عصبة الأمم التي لم ترَ في حركات التحرر سوى تمرد وأعمال شغب، تبعا للتصورات التي صاغها الاستعمار نفسه عن رغبات الشعوب الرافضة له.

  1. لقد حصرت الجمعية العامة ضمن قرارها رقم 66 الصادر عام 1946 قائمة تشمل 72 إقليما ينطبق عليها توصيف “الأقاليم التي لم تنل شعوبها قسطا كاملا من الحكم الذاتي”، كما هو وارد في الفصل 11 من ميثاق الأمم المتحدة، وهي القائمة التي لم تشمل بحال من الأحوال الكثير من الدول التي إما كانت قد نالت استقلالها مع بقاء القوة الاستعمارية فيها بناء على اتفاقيات كما هو الحال بالنسبة لمملكة مصر والسودان، والتي استقلت فعليا في العام 1922 على عهد أسرة محمد علي باشا، أو كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الليبي المشكل من برقة وطرابلس وفزان، والذي رفضت إيطاليا التخلي عنه قبل أن تستولي عليه فرنسا وبريطانيا ثم تختلفا في شأن وضعه على قائمة مجلس الوصاية، ثم إعلان استقلاله تحت سلطة ملكية “مستحدثة” عام 1951، في شخص أول وآخر ملك ليبي هو الملك إدريس السنوسي، أو سوريا التي جرى إعلان اسقلالها عام 1941، إبان ما يعرف بالجمهورية السورية الأولى.
  2. وبالنسبة للمغرب، ففي العام 1946 تقدم بطلب رسمي إلى الأمم المتحدة لكي يتم وضعه على اللائحة، كنتيجة للنضال الدبلوماسي والقانوني الذي خاضه المغفور له محمد الخامس بمعية الحركة الوطنية، والذي أثمر ضغطا هائلا على فرنسا ومهد لنيل استقلال المملكة الشريفة، وكانت أبرز محطاته قد بدأت تتشكل خلال العام 1941، مرورا بانعقاد مؤتمر آنفا في العام 1943، وذلك بعدما زاغت فرنسا عن مضمون اتفاق التعاون المبرم بينها وبين المغرب، وأرادت تحويل المغرب إلى مستوطنة فرنسية، وأن تمحو تدريجيا معالم نظامه السياسي والقانوني والاجتماعي، برغم كل المقاومة التي واجهها بها المغاربة منذ بدء عهد الاستعمار. ولذلك اعتبرت الأمم المتحدة المغرب بلدا مستعمرا، إلى غاية العام 1956، وشملته لاحقا لائحتها للدول المستقلة التي جرى تحديثها في العام 1963، بعد موافقة اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، والمعروفة أيضا باسم “اللجنة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار” أو “لجنة الأربعة والعشرين”، حيث تبنت قائمة أولية بالأقاليم التي ينطبق عليها الإعلان رقم A/5446/Rev.1 الصادر في نفس السنة، وهي القائمة التي شملت الدول المستقلة، وجرى فصلها منذ ذلك التاريخ عن قائمة الأقاليم التي مازالت لم تنل شعوبها قسطا من الحكمالذاتي وتلك التي يشملها نظام الوصاية.

    واللافت للانتباه في خضم كل هذا أن الجزائر التي لا توجد في كلتا اللائحتين غير موجودة أيضا في اللائحة التي تضم أزيد من ثمانين دولة، تشمل 55 إقليما من أصل 72 المحصاة عام 1946، والتي بقي منها فقط 17 إقليما جرى آخر تحديث لها عام 1963 عبر ضم الصحراء المغربية إليها، ومضافا إليها (أي إلى العدد 55) الـ11 إقليما التي كانت مسجلة على لوائح مجلس الوصاية، والتي عولج آخر ملف فيها عام 1993، ليصبح العدد بالتالي خلال العام 1963 ما يصل إلى 66 دولة مستقلة، أو إقليما اختار الالتحاق بدول أخرى، فضلا عن الدول التي ضمتها لاحقا الأمم المتحدة إلى تلك الدول والاقاليم بسبب تصاعد حركات التحرر فيها، أو الأقاليم التي كانت مدرجة ضمن ملفات أخرى وجرى استقلالها وتغيير مركزها القانوني كما هو الحال بالنسبة لسيدي إفني الذي استرجعه المغرب عام 1969، أي بعد الحصر الذي تم سنة 1963 بست سنوات، فضلا عن حصر ما بعد إفراغ مجلس الوصاية من آخر ملفاته أوساط التسعينيات.

    وفي وجه كل هذه المعطيات الدقيقة والصارمة يبقى السؤال الملح والمطروح على النظام العسكري الفرنسي الإفريقي هو لماذا لم تعالج قضية انفصال الجزائر، انفصالا مشروطا خلال العام 1962، باعتبارها قضية تصفية استعمار؟؟، وهو السؤال الذي لن يكون بمستطاعهم سوى الإجابة عليه بكون “دولتهم” لم تكن مستعمرة بالمطلق، وما حصل فيها من أحداث منذ العام 1958 لم يكن حركة تحرر، وبالتالي فالواقع القانوني لرقعتهم تلك منذ العام 1962 لم يكن له علاقة مطلقا بتأسيس دولة، بقدر ما هو تأسيس كيان مشوه قابع تحت شروط معاهدة إيفيان، والتي تنص صراحة على ضرورة إجراء استفتاء يطرح فيه على المشاركين سؤال يخيرهم بين بقاء الجزائر أرضا فرنسية كما كانت منذ العام 1830، أو أن تصبح “دولة متعاونة مع فرنسا”، على نحو ما يسجله مؤرخو العلاقات الدبلوماسية الدولية في القرن العشرين، وفي مقدمتهم جون باتيست ديروزيل، وهذه العبارة الأخيرة لم تعنِ شيئا في العرف القانوني الفرنسي سوى منح حكم ذاتي لإقليم شهد أعمال تمرد بدون أي أفق سياسي أو قانوني يُذكر، وكانت النتيجة هي أن حوالي 48 في المائة من المشاركين قد اختاروا فعلا أن يبقى الحال على حاله، أي فرنسا بإقليمين، برُّ رئيسي في أوروبا وإقليم إفريقي مدار من الداخلية الفرنسية ويشمل ثلاث أقاليم متمايزة جغرافيا وديمغرافيا.
  3. وإلى غاية اليوم ما تزال الجزائر إقليما فرنسيا إفريقيا، تجمعه بالدولة الأم روابط يستحيل أن تكون بين مجرد دولتين كانت إحداهما تستعمر الأخرى، من قبيل التداخل الديمغرافي الذي يجعل فرنسا تعترف بأقلية ديمغرافية وازنة تسمى “الفرنسيين الجزائريين”، مشكَّلين مما يقارب السبعة ملايين إنسان، إضافة إلى ملفات قانونية تحمل عنوان “الذاكرة”، تم تأسيس لجنة خاصة بها يرأسها مؤرخ فرنسي ذائع الصيت هو “بنيامين ستورا”، وإشكالات أخرى لا حصر لها من قبيل مشكلة “الجماجم” ومشكلة “الحركى”، الذين تكرمهم فرنسا متى ما شاءت دون حضور أي ممثل عن حكومة الجزائر، بل وتغيض بهم حكام المرادية وتستعملهم للضغط عليهم، وذلك بخلاف ما تفعله حينما ترغب في تكريم أحد الجنود المغاربة الذين شاركوا في الحرب ضد النازية، فلا تفعل ذلك إلا وأحد مسؤولي الحكومة المغربية يكون حاضرا، كعنوان للسيادة المغربية، حتى ولو كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين البلدين، كما هو الشأن بالنسبة لحضور عبد اللطيف لوديي لاحتفالات ذكرى تحرير كورسيكا وتكريم أحد الجنود المغاربة القدامى، بحيث أن الأعراف الدبلوماسية تقتضي ذلك الحضور، بما يعنيه من الاحترام للدول المستقلة استقلالا كاملا.

    وتبعا لذلك الوضع فإن التقدير الدبلوماسي والبروتوكولي الفرنسي للجزائر ما يزال يعاملها إلى غاية اليوم وسيبقى كجزء من فرنسا الأم، حيث لا يحتاج أي رئيس فرنسي إلى بروتوكول ضيافة وهو يزور الجزائر ويلتقي مواطنيه ويزور أماكن ومرافق هامة متفقدا إياها دون حاجة إلى أن يرافقه رئيس البلد المضيف، خلافا لكل الأعراف الدبلوماسية المعمول بها في سائر أنحاء العالم، بل وعلاوة على كل ذلك فإن سفارة فرنسا في الجزائر لها وضع خاص إلى اليوم داخل هرمية الجهاز الدبلوماسي الفرنسي، حيث تتوفر ضمن هرميتها المعلنة على موقعها الرسمي على وزير مستشار يعمل إلى جانب السفير، ومقر السفارة الفرنسية التاريخي نفسه في الجزائر تسميه فرنسا “السفارة الدبلوماسية”، قياسا إلى مِلكيته التي آلت إلى فرنسا بعد عدة محطات يُفرد لها الموقع الرسمي للخارجية الفرنسية تبويبا خاصا، لا نجد له مثيلا بخصوص سفارات فرنسا في أي مكان آخر في العالم، وذلك ضمن جملة مظاهر دبلوماسية تعكس الانتماء السيادي الجزائري لفرنسا، وأبسط مثال لها يبرز مع مشكلة النشيد الجزائري الذي ما تزال حقوقه إلى غاية اليوم مملوكة لشركة فرنسية، وتتلقى الأموال من حكومة الجزائر عن كل بث له.
  4. إن هذه الوقائع الصلبة لا يمكن نفيها بمجرد كون الجزائر دولة عضو في الأمم المتحدة، ذلك أن العضوية في تلك المنظمة التي تمثل الجماعة الدولية المعاصرة، أو في غيرها من المنظمات الإقليمية الأخرى، ليس هو الحامل الأساسي لتأكيد استقلالية وسيادة الدول، ناهيك عن كون تلك الدول هي دول بالمعنى المادي والقانوني، والشاهد على ذلك أن دولا وازنة معروفة بتاريخها واختياراتها وشخصيتها القانونية وهويتها السياسية اختارت طواعية أن لا تنخرط في تلك المنظمة أصلا، كما هو الشأن بالنسبة لسويسرا التي لم تنضم إليها إلا في العام 2002، أو الدول التي تتواجد في تلك المنظمة، لكنها تعتبر نفسها أقاليما تنتمي إلى دول أخرى، وتدين بالسيادة لرؤسائها، كما هو الشأن بالنسبة لدول مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا، إذ وبرغم عضويتها في الأمم المتحدة إلا أنها تعتبر نفسها جزءا من بريطانيا، وتعتبر مُعتمِر التاج البريطاني هو رئيسها الفعلي. وهذا بخلاف ما عليه “الطبقة السياسية العسكرية” في الجزائر من جبن أخلاقي وسياسي بالقدر الكافي الذي يجعلها تتهرب من الاعتراف بالروابط القانونية التي تلغي سيادة الدولة وتلحقها بسيادة دولة أخرى معظم برها الرئيسي يتواجد في أوروبا.
  5. واللافت للانتباه، والمثير للاستغراب في الآن نفسه، هو انصراف عسكر الإقليم الفرنسي الإفريقي المسمى بـ”الجزائر”، خلال السنوات الأخيرة إلى محاولة اختراع تاريخ للدولة، بدل امتلاك جرأة الاعتراف بوضعيتها القانونية، والتي لم تتغير منذ أن تحول الإقليم إلى السيادة الفرنسية عبر وضع اليد والحيازة في العام 1830، بعد إنهاء وضع السيادة العثمانية عليه، وحينما بدأت أعمال التمرد خلال العام 1958 لم يجد دارسو القانون الدستوري الفرنسي على غرار موريس فلوري من أسانيد قانونية تضع تلك الأحداث في حيز ما سمي منذئذ بـ”حركات التحرر”، أو وضع الإقليم ضمن حيِّز ما يسمى بـ”المستعمرات”، ليطفق اليوم عسكر ذلك الأقليم في البحث عن تاريخ غير التاريخ أملا في تخدير سكان الإقليم وإقناعهم بجدوى الانخراط في العداء المحموم للمغرب المرافق بسعار ناجم عن الإحباط والفشل الذين منيت بهم كل مخططات العسكر المريض منذ أن أقفل ملف الكركرات إلى غير رجعة.

    وفي الوقت الذي يحاول العسكر فيه صناعة تاريخ لدولة ينطلق من التصور الذي يجعل الدولة هي الحدود، والحدود الموروثة عن الاستعمار تحديدا، للقول إن هذه الدولة بحدودها الملفقة تلك، كانت هكذا منذ العصر الجوراسي الأول، وكل من مر أو استقر في ذلك الحيز فهو ينتمي إلى تاريخ تلك الدولة، يجهل ذلك العسكر أو يتجاهل، لا فرق، أن الدولة بوصفها اختراعا بشريا لم تعن في معظم التجارب الإنسانية سوى السلطة المنظمة القادرة على احتكار القوة وممارسة العنف المادي والمعنوي، وهو المعنى الذي تكاد مختلف مرجعيات التنظير السياسي الحديث والمعاصر تتفق عليه من ابن خلدون وماكيافيل إلى ماركس وماكس فيبر وصولا إلى جورج بيردو وميشيل فوكو، لم يعرِّف أحد يوما الدولة بحدودها، وذلك لكون الدولة إياها لم تعرف تجربة الحدود المتفق بشأنها إلا مع أوفاق ويستفاليا عام 1648، والتي جمعت بقايا الإمبراطورية الرومانية المقدسة بعد حرب الثلاثين عاما، ومع ذلك بقي مفهوم الدولة بعيدا عن تعريفها قياسا إلى حدودها، إلا مع نشأة القانون الدولي المعاصر انطلاقا من تجربتي عصبة الأمم والأمم المتحدة.

    فكيف يستقيم في ذهن العسكر أن يصنع تاريخا لإقليم ما يزال لحدود اللحظة محكوما بالفيتو الفرنسي على استقلاله، بما يكفي من أثر لذلك الفيتو لتكبيله على الدوام، ويتهجم على المملكة المغربية التي هي دولة بالمعنى المذكور، بل وبشخصيتها القانونية المستقرة والمستمرة طيلة قرون ممتدة منذ ابداع واقع مؤسساتي واجتماعي وثقافي في القرن الحادي عشر بمسمى “المخزن”، وتقعيده وتطويره بشكل مستمر خلال عهد الاشراف السعديين ومن ثم خلال عهد الأشراف العلويين الممتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟، كيف يتلافى العسكر شاهد الإثبات الوحيد هذا، الماثل بشخصيته تلك في دولة كانت دائما في سياقنا العربي والسلامي هي العصبية التي تنظم السلطة السياسية وتبني العواصم ويكون محورها السلطان الذي يدعو “الرعية إلى عاصمته والعاصمة إلى حاشيته والحاشية إلى ذاته”، على حد تعبير الدكتور عز الدين العلام في مؤلفه الشهير “الآداب السلطانية”، لتكون الدولة المغربية بذلك واقعا سياسيا وقانونيا ثابتا يشهد على تاريخ الدول والممالك المجاورة له من خلال ترسانة اتفاقيات ومعاهدات هي أصل القانون الدولي الذي مازلنا نحتج به ونناقشه إلى اليوم؟ وبالمقابل يتهافت العسكر المريض لكتابة تاريخ هش بمجرد أن تطرح عليه أسئلة عن معنى الدولة والتأريخ حتى يتهاوى كالعهن المنفوش؟؟
  6. وبالتالي فلا شك أن كل ما سبق يُظهر أن عقدة العسكر الفرنسي الإفريقي هي نفسها عقدة فرنسا مع المغرب، إذ برغم توسعتها لإقليمها الإفريقي، وسرقة أراضي المغرب الشرقية، وكل محاولاتها لإسقاط ملكيته، والوقوف ضد حقه في استرجاع أراضيه المنهوبة، بقي صامدا بنظامه السياسي والاجتماعي والثقافي، حريصا على موروثه الديني والثقافي، ومتمسكا بحقوقه التاريخية والاجتماعية التي هي أصل وطنيته، بل وقادرا على الاحتجاج بالمعاهدات والاتفاقيات والنصوص الموثقة، وقادرا بفضل ملكيته المناضلة الاجتماعية على قيادة المغاربة لمواجهة الاستعمار وبقاياه ودحرهم ورميتهم إلى قارعة الطريق، وليبقى ذلك المغرب عبارة عن دولة تقود “رابطة كومينويلث روحي” متلاحم مع عدد كبير من الدول والشعوب في القارة السمراء، بل وبإمكانه صوغ معادلات جيوسياسية كبرى تلفظ تلك الفرنسا وإقليمها الإفريقي ومفاهيمهما عن الحدود والشعوب والدول إلى سلة مهملات الجيوبوليتك.
Share
  • Link copied
المقال التالي