يعتبر الروائي الفرنسي من أصول تشيكية، ميلان كونديرا، من أشهر الروائيين اليساريين في اوربا، حيث برع في مزج أجواء مأسوية بروح كوميدية في تحليله لحياة المواطن في ظل أنظمة استبدادية.
ولعبت هذه الكوميديا السوداء دورها في جذب القراء لرواياته وبشكل خاص القارئ العربي الذي يعرفه تمام المعرفة.
انتمى إلى الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا، وانخرط فيما سمي بربيع برغ عام 1968، وبعد دخول الاتحاد السوفييتي إلى تشيكوسلوفاكيا، وعوقب على موقفه بطرده من وظيفته ما اضطره للهجرة إلى فرنسا عام 1975 بعد منع كتبه من التداول لمدة خمس سنوات، وغادر بلده مع زوجته فيرا التي كانت نجمة في مجال تقديم البرامج على التلفزيون التشيكي.
ولم يسترد ميلان كونديرا وزوجته، الجنسية التشيكية حتى عام 2019 عندما أصدر رئيس وزراء البلاد السابق أندريه بابيش قرارا بإعادة الجنسية للزوجين بعد نحو أربعين عاما من تجريدهما منها.
رحل بعد أن ترك بصمته الفريدة في فن السرد الحديث والنظرية السردية، وترك أثرا واضحا في المكتبة العربية حيث ترجمت معظم أعماله الروائية والنظرية إلى العربية، وتأثر به عدد من الروائيين العرب.
ولم يبحث القارئ العربي وحتى المترجمين إلى العربية عن أصول كونديرا التي يعتقد أنها يهودية، وعن موقفه من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وربما يعود إلى أنهم لم يلمسوا في رواياته أي انتماء من أي نوع لليهودية أو الصهيونية أو “إسرائيل”.
غير أن قبول الروائي اليساري ميلان كونديرا “جائزة أورشاليم” الإسرائيلية التي منحت له عام 1985، كما حصل عليها كتاب عالميون آخرون، تعد نقطة غامضة في مسيرته حيث وضع الكلمة التي ألقاها أثناء استلامه للجائزة في مقدمة كتابه “فن الرواية” بالفرنسية، بطريقة غير مفهومة بشكل جلي.
وذهب البعض إلى أن كونديرا قبل بهذه الجائزة في محاولة منه لاسترضاء القائمين على جائزة نوبل للآداب، غير أن المترجمين العرب تجاهلوا هذه المقدمة بعد ترجمتهم للكتاب المذكور بشكل بدا متعمدا.
يقول في كلمته: “إن كانت الجائزة الأهم التي تمنحها إسرائيل مكرسة للأدب العالمي، فلا يعد ذلك صدفة، إنما يعود لتراث طويل. إنها الشخصيات اليهودية الرفيعة التي، بإبعادها عن أرضها الأصلية وتعاليها على المشاعر القومية، أبدت دائما حساسية استثنائية تجاه أوروبا ما فوق القوميات، أوروبا المعرَّفة ليس كأراضٍ بل كثقافة”.
ويضيف: “إن كان اليهود، حتى بعدما أُحبطوا بشكل تراجيدي من قبل أوروبا، قد بقوا مخلصين رغم ذلك لهذه العالمية الأوروبية، فإن إسرائيل، مكانهم الصغير الذي وجدوه أخيرا، تبرز أمام عينيّ كالقلب الحقيقي لأوروبا، قلب غريب موضوع في ما بعد الأجساد. أستقبل اليوم بمشاعر جياشة هذه الجائزة التي تحمل اسم جيروزالم ودمغةَ هذه الروح الكبيرة العالمية اليهودية”.
ويقول نقاد إن ثمة احتفاء عربي دائم ومبالغ فيه بكونديرا، مقابل جهل شبه تام بآخرين كثر، لا يشي بإدراك قارئ العربية لرأي كونديرا بدولة الاحتلال كما طرح في المقدمة.
رحل ميلان كونديرا من غير أن يحتضن جائزة نوبل للآداب التي خسرته في رأي كثيرين، ولكن دون أن يقلل ذلك من شأنه، باعتباره أحد أشهر الروائيين الذين عرفهم العالم خلال القرن الماضي.
تعليقات الزوار ( 0 )