موجة نقاش كثيف حول مشروعية العنف و مقداره وحدوده في لحظة استثنائية من تاريخ المغرب ، النقاش تفجر بعد تسريب مجموعة من الفيديوهات على شبكات التواصل الافتراضي حول التعامل العنيف لرجل سلطة مع مواطن مخالف لمقتضيات الحظر الصحي.
النقاش وصل الى اجتماعات اللجن البرلمانية و مطالبة عبد اللطيف وهبي وزير الداخلية ان يكون العنف وفق القانون .
بعدها نقاش عمومي منقسم بين اتجاهين : اتجاه ينتصر للصرامة في تطبيق القانون ، و للحق في الحياة و منع انتقال الفيروس، و اتجاه ينتصر للدستور و قيم الكرامة الانسانية و الدفاع عن الحق و القانون.
انخرط في هذا النقاش ، و الذي اعتبره نقاشا صحيا مادام نقاشا مفتوحا على التعدد و الاختلاف و مؤسسا على قيم الاحترام المتبادل للاخر ولأفكاره.
ربما ، مقاربة العنف هو موضوع شائك و إشكالي يصعب تحديده بشكل نهائي لان أي تحديد مرتبط بزاوية النظر و التخصص المعرفي الذي يؤطر الظاهرة .
من خلال مشاركتي في حملات التوعية، و من خلال الفيديوهات المنشورة حول وقائع المخالفات، و حملات توقيف المخالفين تبدو ملاحظة بارزة ان اغلب المخالفين لمقتضيات الحظر الصحي من الذكور ، و هي ملاحظة تستدعي اهتماما من اجل الوقوف على طبيعة الظاهرة و أسبابها .
ان تحترم المراة مقتضيات الحظر الصحي ، فالامر مقبول و متوقع ، بالمقابل ارتفاع منسوب التحدي و عدم احترام القانون من طرف الذكور يعيد نظرية بيير بورديو حول الهيمنة الذكورية الى دائرة النقاش حول ظاهرة العنف و العنف المضاد و اشكال الهيمنة لذكورية و ابعادها الثقافية و السلوكية .
بحسب الأطر النظرية لنظرية بيير بورديو فان المرأة تلعب دوراً أساسياً وحاسماً في إعادة إنتاج القوانين والأعراف المنظمة ، فهي تساهم في اعادة الانتاج البيولوجي اظافة الى إعادة الإنتاج الثقافي و ألقيمي للمجتمع ، و لمجموع سلطه ، و هو ما يمنح الذكور هيمنة مطلقة على النساء .
لذا و من داخل هذه النظرية يمكن فهم و تفسير سر احترام النساء لمقتضيات الحظر الصحي و التزام البيت ، وهو مؤشر على الانضباط و احترام النظام العام . على اعتبار ان دور اعادة الإنتاج البيولوجي والثقافي أي الانجاب بما يضمن الحفاظ على السلالة و استمرارية العائلة ، و ما يؤكد هذا الطرح ان المراة العاقر سرعان ما يتم تطليقها لانها لا تستطيع تحقيق المهمة الاساسية بالاوساط الاجتماعية المحافظة، ولاسيما بالعالم القروي ،فالمراة العاقر هي كائن بلا قيمة و بلافائدة . حيت يؤكد المثل الشعبي ** لمرا بلا اولاد بحال الخيمة بلا اوثاد **
فالحماية الاجتماعية للمرأة في البنيات الاجتماعية المحافظة مرتبطة بالإنجاب ، مما يعني ان اندماج المرأة في مجتمعها رهين بعدد ابناءها لاسيما الذكور منهم ،فالمرأة لا تستطيع ان تندمج في محيطها و ان تكون لها سلطة و قيمة الا بواسطة الطفل ،وهو ما يفسر سر رغبتها وإصرارها على الإنجاب ،لاسيما انجاب الذكور وهو مؤشر على هيمنة الثقافة الدكورية المسنودة بمجموعة من الاعتقادات و الاساطير ([1] ) .
فاغلب القيم الاجتماعية و الثقافية يتم الحفاظ عليها بواسطة المراة وهو مايقود إلى تبني فرضية أسباب الصراع حول المراة بين دعاة الحداثة ودعاة المحافظة .
و فق نظرية بييربورديو ، فان المجال المخصص للمرأة هو الفضاءات الخاصة داخل الاسرة لا خارجها، وهو ما يفسر ان المراة ورغم موجة الانفتاح و الدفع بها الى خارج فضائها الخاص , و المغلق إلى الفضاء العام كان لأسباب رسمية و مؤسساتية, لاسيما ارتفاع منسوب تعلم الفتاة و الولوج الى الوظائف العامة و حتى الخاصة .
ورغم ان خروج المرأة من عالمها الخاص الى الفضاء العام ، فانها لم تكتسب بعد صلابة الحضور في فضاء عنيف ( موجة التحرش و العنف ضدها ) ، لذا يفهم سر حرص النساء على احترام القانون و البقاء في فضاءها الخاص بناء على قناعاتها المتوارثة ان الفضاء العام هو فضاء العنيف و مازلت لم تكتب بعد اليات التوافق معه او ما يسميه بورديو بالابيتوس .
ان يكون صدام السلطات العمومية مع الذكور من المخالفين , هو انعكاس مباشر لنتائج تربية ووعي ذكوري مؤسس على قيم التفوق و السيطرة و التحدي ( انت مالك خايف بحال لمرا – انت اشنو غادي يديروا ) و غيرها من العبارات الدالة على تقافة ذكورية .
وفق التمثلات الاجتماعية , فالفضاء الخاص محجوز للمرأة و هو مجالها لحيوي ، في حين الفضاء العام هو فضاء مخصص للذكور و سلطة الذكور و هيمنتهم ، مما يمنحهم الاعتقاد انه ملك لهم ، يصعب إقناعهم بالعودة الى الفضاء الخاص المخصص للنساء .
و بحسب هذه التمثلات الذكورية للفضاءات العامة و الخاصة ، فان مطالبةبعض الذكور بالرجوع الى المنزل كفضاء خاص ، هو انتقاص منهم و من فحولتهم , مما يقود بلا شك الى العنف . و النتيجة فعل صدامي بين رجال السلطة العمومية و التي تعمل على اخلاء الفضاءات العامة كشرط للسلامة , و بين من يتمثلون الفضاء العمومي كفضاء ذكوري مخصص لهم لاستعراض فحولتهم وذواتهم ، وان اي دعوة الى الخروج من الفضاء العام الى لفضاء الخاص , هو تنقيص منهم و اساءة لا يمكن تقبلها , و لعل حجم و كثافة التعبيرات الصادرة عن الشباب في مقابل الدعوة بالبقاء بالمنزل كفضاء خاص , تكشف حجم المشكل و طبيعته كمشكل تقافي اولا , حيت نجد الكثير من العبارات مثل ّ: مالي امراة حتى نجلس في الدار – راه غ لعيلات لي كظلوا في الدار .
مما يعيشه المغرب
هو ظرف استثنائي ، حيت جهود القوات العمومية
ينبغي ان لا تستنزف بالشجار مع كل مواطن يرفض الانصياع و الخضوع ، فالمهمة معقدة و صعبة تحتاج تفكيك البنيات
الذهنية و الثقاقية التي انتجت هذا الكم الرهيب من التصلب و الصلابة المنتجة للعنف
. تحقيق هذه المهمة رهين بتجديد ادوات المعرفة و التفكير و اشكال وطرق التنشئة
الاجتماعية التي ينبغي ان تكون مؤسسة على المعرفة و الفكر كاساس للسلوك و التصرف .
[1] يتدول سكان الاقليم اسطورة حول كرامات الولي الصالح سيدي عبد الرحمان حفيد سيد رحال مول السبع , تقول الحكاية ان امراة حامل و لها ست بنات و ان زوجها هددها بالطلاق ان انجبت بنتا سابعة , وحين و ضعت كان المولود انثى فاخدتها الى الوالي الصالح في احدى خلواته وهي تيكي لانها تعرف مصيرها ان علم زوجها بالخبر , فقام الولي الصالح بحسب الرواية فامر الولي الصالح المراة بالتوقف عن البكاء ووضع المولود امامه فوضع عليه غطاء اخضرا تم امر الزوجة ان تزيل الغطاء فاذا بها تجد ان البنت قد تحولت الى ذكر .
تعليقات الزوار ( 0 )