مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية في المغرب، يعود إلى الواجهة سؤال ضمان نزاهتها عبر التنافس الشريف على مستوى الحملات الانتخابية الرامية إلى استمالة الناخبين للتصويت لصالح حزب سياسي معين، بيد أن هذا الأخير قد يلجأ في أحيان كثيرة إلى توظيف وسائل غير مشروعة من قبيل الرشوة للتأثير على مسار العملية الانتخابية بمجملها.
وقال عبد المنعم لزعر أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي، جامعة محمد الخامس بالرباط، أن الإقدام على الرشوة الانتخابية يعبر عن سلوك غير واعي مؤطر بما هو مخزن في الأذهان على مستوى جميع أطراف العملية الانتخابية، باعتبار أن هذه الأخيرة في كثير من تفاصيلها هي عملية غير واعية، والاستثمار في الرسائل غير المشروعة انتخابيا والاستجابة لها من قبل زبائن مفترضين هو بدوره سلوك غير واعي.
وأوضح لزعر في حوار مع جريدة بناصا الالكترونية، أن السوق الانتخابي بالمغرب كغيره من التجارب المقارنة يستوعب تشكيلة مختلفة ومتناقضة من السلوكات والاستراتيجيات والتكتيكات والرساميل منها المشروعة وغير المشروعة، الصريحة والضمنية.
إليكم نص الحوار:
في كل سنة انتخابية في المغرب، تبرز معضلة الرشوة الانتخابية لتعكر جو منافسة الأحزاب السياسية في الحملات الانتخابية، كيف ترون واقع الرشوة الانتخابية في المغرب؟
بداية، يجب الإشارة إلى ملاحظة أساسية وهي أن التعاطي مع بعض الظواهر السياسية أو الاجتماعية يفرض دائما استحضار بعدين، بعد الحضور الفعلي للظاهرة وبعد الحضور الطاقي لها، فعندما نتحدث عن الرشوة الانتخابية سواء كانت سلوكا أو ظاهرة أو غيرها من الظواهر الانتخابية فإن واقعها الفعلي يتباين في كثير من الأحيان مع حضورها الطاقي بسبب صعوبة إثبات مثل هذه السلوكات، فيمكن أن تكون الظاهرة قوية في الميدان ولكنها تظل منسية وغير خاضعة للتركيز الإعلامي أو الطاقي والعكس صحيح.
في ضوء هذه الملاحظة أقول بأن السوق الانتخابي بالمغرب كغيره من التجارب المقارنة يستوعب تشكيلة مختلفة ومتناقضة من السلوكات والاستراتيجيات والتكتيكات والرساميل منها المشروعة وغير المشروعة، الصريحة والضمنية، لذلك ترى دائما مؤسسات رعاية العملية الانتخابية تضع على هامش كل استحقاق انتخابي معايير جديدة لتقليص الفجوة بين المعايير الانتخابية والسلوكات الانتخابية.
في نظركم، هل يقف غياب الوعي السياسي لدى المواطنين وراء تنامي ظاهرة الرشوة الانتخابية في المغرب؟
العملية الانتخابية في كثير من تفاصيلها هي عملية غير واعية والاستثمار في الرسائل غير المشروعة انتخابيا والاستجابة لها من قبل زبائن مفترضين هو بدوره سلوك غير واعي، لماذا لأن هذا السلوك يرتبط بمقولات تشكل بنية جزء من العقل السياسي والانتخابي بالمغرب، فهناك مقولات ترى بأن المال هو الحاسم في الانتخابات وهناك من يرى بأن الاستثمار في الخدمات هو المؤثر وهناك من يرى بأن الاستثمار في السياسات هو الطريق الآمن للفوز، هذه المقولات تتطابق مع مقولات من نفس الموجة الطاقية توجه سلوكات الناخبين، وعملية التطابق الانتخابي تكون دائما عملية لا واعية، إذا فتقديم رشوة انتخابية هو سلوك غير واعي مؤطر بما هو مخزن في الأذهان على مستوى جميع أطراف العملية الانتخابية.
طيب، ألا يساهم تركيز الأحزاب السياسية على تزكية شخصيات سياسية واجتماعية معينة ومؤثرة بدل التركيز على البرنامج الحزبي في الحملات الانتخابية في قبول الناخبين للرشوة الانتخابية؟
عمليا تقوم استراتيجيات الأحزاب السياسية في طريقها لتحصيل أصوات الناخبين بالاختيار بين مسارين، المسار الأول هو الاستثمار في السياسات، والمسار الثاني هو الاستثمار في الشخصيات، عبر هذين المسارين يتبلور نموذجين انتخابيين، نموذج الاستثمار في الأقوال وهنا يتم التركيز خلال الحملة الانتخابية على الوعود الانتخابية وتسويق الحصيلة والمنجزات المحققة من قبل المرشح أو الحزب أو الحكومة، وهناك نموذج الاستثمار في الأموال وهو نموذج يعتمد على الارتباطات الشخصية والزبائنية والنفعية للمرشحين، في حضن هذا النموذج الأخير قد تنمو وتتشكل العديد من السلوكات والممارسات المتنافية مع القواعد والمعايير التي تضبط العملية الانتخابية.
ورد كثيرا في عنوان ومحتوى مؤلفكم الذي صدر حديثا الموسوم ب”اللعبة الانتخابية ورهانات الحقل السياسي بالمغرب” مصطلح “اللعبة”، ما المغزى من توظيفه؟
عندما أتحدث عن لعبة فأنا لا أقصد المفهوم بدلالاته المرتبطة بالثقافة السياسية السائدة داخل المجتمع، وإنما أقصد ذلك المفهوم الذي تبلورت افتراضاته داخل أطر نظرية علمية، من قبيل نظرية الحقول لبيير بورديو ونماذج اللعب المرتبطة بنظريات الاختيار العقلاني، وبالتالي فالمقصود باللعبة وفق هذه المرجعية النظرية هو أن العملية الانتخابية عملية تفاعلية تتميز بشبكة من العلاقات الموضوعية تتحرك داخل سوق سياسي تحكمه مواقع وتوازنات وتحركه رساميل ورهانات وتخترقه مشاهد وكواليس وتنافس وصراع، يمكن إدراك بعضها عبر مؤشرات ونوازل ووقائع.
كما تتميز العملية الانتخابية بوجود فاعلين مرتبطين بموازين قوى يلعبون وفق قواعد لعب صريحة وضمنية، فاعلين دخلوا في لعبة ليس من السهل الدخول إليها، لأن الدخول في اللعبة هو دخول صلاحية وأهلية وحس باللعبة، هو دخول يتم عبر طقوس وعمليات تأهيل وتأهل من أجل التموقع داخل اللعبة ومن أجل لعب اللعبة والوظيفة معا على حد تعبيير بيير بورديو.
بناء على ما سبق، كيف ترون مستقبل العمل السياسي والحزبي برمته والعملية الانتخابية بصفة خاصة في ظل استفحال الرشوة الانتخابية بالمغرب؟
بداية، يجب التمييز بين مستويين، المستوى الأول يرتبط بالفضاءات التقليدية للتنافس الانتخابي، وهذه الفضاءات كما قلت مرتبطة بمقولات مرجعية تشكل بنية الأذهان، حيث السلوكات التي نعاينها ما هي إلا تعبير عن ما يخترق بنية الأذهان من قيم ومرجعيات وثوابت، وبالتالي يصعب إحداث اختراق أو تغيير على هذا المستوى، وهناك مستوى ثاني مرتبط بالفضاءات السايبيرية للتنافس حيث بدأت الأحزاب السياسية والمرشحين ينتقلون من الحملة الانتخابية التقليدية إلى الحملة الانتخابية الرقمية وبدأ الملصق الانتخابي الرقمي يعوض الملصق الورقي، هذا المستوى مرتبط ببنية ذهنية واقعة تحت سحر الرقمنة والانترنت، وهي بنية لا تؤمن بالتفاعلات المباشرة بقدر ما يحركها التفاعل عن بعد والتفاعل غير المرئي، وهو مستوى واعد يمكنه أن يحرر العملية الانتخابية من العديد من المقولات التقليدية ويدمجها بالمقابل في مقولات حديثة غير مألوفة.
ماهي الحلول والمقترحات الكفيلة بمحاربة الرشوة الانتخابية في المغرب؟
عندما نتحدث عن ظاهرة الرشوة فإننا نتحدث عن صندوق مغلق ولا يمكن تقديم مقترحات حول ظاهرة ما زالت غير واضحة المعالم، لذلك فالأولوية هي الاهتمام بفتح صندوق هذه الظاهرة من طرف الباحثين والإعلاميين، وعندما تتكشف بعض تفاصيل ما يخفيه هذا الصندوق نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو تحرير العملية الانتخابية من مثل هذه الظواهر.
تعليقات الزوار ( 0 )