بحاجة نحن إلى حزم السلطات ومسارعتها لتدارك تراخيها وخطئها القاتل بتأجيل منع التنقل مع الدول التي تفشّى فيها الوباء، والذي شكّل فيه القادمون من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ومصر، بؤرة الانتشار الأولى، بقدر ما نحن بحاجة إلى من ينبّه ويحذّر ويقوّم، كي لا يتحوّل الامتثال السلس، والتجاوب الطوعي للشعب اتجاه مجمل قرارات الدولة، إلى شيك على بياض لترسيخ دَوْس حقوق الإنسان ورمي القانون في سلة المهملات.
إن الحاجة إلى الدولة بوصفها كيانا مؤسساتيا، يعبّر عن الإرادة الجماعية للشعب، ويتخذ الخطوات الجريئة في اللحظات الوطنية الحاسمة، بما يمتلك من مقومات ولوجستيك، مسألة لا يشكك فيها أحمق، ولا يجحد بها إلا من فقد عقله، لكن محاولة تكميم الأفواه، واستغلال الفرصة لتأبيد الإجراءات الاستثنائية، لتصبح قواعد تسلط مطلق، مما ينبغي أن ينبري للتحذير منه والتبصير به العقلاء والفضلاء بقوة وجرأة أيضا، لا ينبغي أن تتأثر عاطفتنا نتيجة ظروف الخوف، فنعتبرها تشويشا على عمل السلطة، بل تتميما ورقابة شعبية مطلوبة، حفظا للمستقبل بقدر حفظ الحاضر.
نحتاج، دولة وشعبا، أفرادا، وتنظيمات، إلى الالتحام والتكامل، وطرد هواجس الربح السياسي والاستثمار الانتخابي، والرفع من قيمة الثقة المفقودة، واسترجاع قيم التآزر والتكافل والتماسك، والتداعي الجماعي الواعي لخوض معركة المصير المشترك، كل من زاوية تخصصه، ومجال معرفته، وزاوية نظره، وإمكانياته ووسائل عمله، لنحقق الهدف جميعا، بأقل كلفة، رغم أن كل فرد يرحل عنا هو خسارة لشعبه وأمته ولعائلته، وتعزّ علينا كل نسمة يزهقها الوباء في أي بقعة في الأرض، مع تسلمينا بمشيئة ربّ السموات والأرض سبحانه.
نحتاج إلى نصائح الأطباء، وإفادات المتخصصين، وتوجيهات الأساتذة، وتدابير المسؤولين، بقدر احتياجنا لوعظ العلماء والفقهاء، ودعم الكتاب والمثقفين، ومقترحات الشباب.. لا ينبغي أن يضيق كل ذي تخصص بما عداه، ولا أن يحتقر ذو جانب جوانبَ أخرى تغيب عنه، أو لا يدرك تأثيرها، ولا يفهم أدوارها.
التوعية الصحية مطلوبة، بقدر شحذ الهمم وتقوية الإرادات، بقدر إشاعة المحبة والإخاء، ونشر الفضائل والقيم، وابتكار وسائل مقاومة الخوف واليأس والجهل والعدوى.. معركة متكاملة، نواجه فيها أنفسنا أولا، بالانضباط التام لما صحّ من نصائح وتوجيهات، ونضرب المثل في التحمّل والتفهم، والنموذجية في الإبداع والتقاسم.. إنها معركة جماعية، بنَفَسٍ جماعي، ولْنَدَعْ كلَّ واحد يُلبِسها ما يطمئن إليه ويقتنع به من قيم وتوجهات.
بحاجة نحن إلى تعميق الاستمساك بالله سبحانه وتعالى، في الوقت نفسه الذي يتوجّب علينا ترجيح العقل على الهوى، واختيار تربية الإرادة على الركون إلى العجز والكسل، وإعلاء الإسهام العملي الغيور على احتراف الكلام، وترجيح ما يجمع ويقوي اللحمة الاجتماعية على ما يشتت وينتصر للانتماءات الجزئية.
فلا تفتعلوا التعارض رجاء، ولا تتركوا من يفتعل هذا التعارض ينشر وساوسه ونعراته، دعكم من المماحكات الضيقة، وتعالوا نتداعى إلى فعل جماعيٍّ بانٍ، يتبعه إن صدقت النية والإرادة، غداة انفراج الغُمّة بحول الله تعالى، تعاقد جديد على أولويات العمل الوطني المشترك، في سبيل بناء مشروع وطني حقيقي، بعيدا عن الشعارات الجوفاء وتضخم جوانب الضبط واللهو والاستعراض على حساب المجالات الاستراتيجية: بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، تمجيد قيم الحرية والتعددية والمحاسبة، إعطاء الأولوية للتعليم والصحة، تقوية مناعة الوطن ضد الفساد والتفاهة والخواء الروحي.
إن حاجتنا إلى أهل التنفيذ العملي والتدبير الميداني العاجلة، لا تسقط أبدا حاجتنا إلى من يفتح الآفاق ويضيء المسارات، فحاجتنا إلى قوة الدولة توازيها تماما حاجتنا إلى دينامية الشعب وقوة تفاعله وطاقة روحه الجامعة.
*كاتب روائي مغربي
تعليقات الزوار ( 0 )