شارك المقال
  • تم النسخ

كيف اخترق المغرب دول أمريكا اللاتينية وسحب البساط من تحت أقدام الجزائر؟

رغم أن النظام الجزائري أنفق ملايين الدولارات لشراء الذمم والتجنيد في دول أمريكا اللاتينية لمساندته عصابة البوليساريو، إلا أن الدبلوماسية المغربية كسبت معارك مهمة وانتصارات في هذه المنطقة في السنوات الأخيرة “مما أدى إلى إفشال اللوبي المليونير الجزائري”.

وخلال الخمس السنوات الماضية، انتقلت سفارات أمريكا اللاتينية في الرباط من خمسة إلى 12، بينما سحبت دول مثل السلفادور أو بوليفيا، اعترافهما بالجبهة الإنفصالية في العامين الماضيين، وانضمت إلى دول أخرى في أمريكا اللاتينية نظير كولومبيا أو غواتيمالا.

تغلغل بروباغاندا البوليساريو وصنيعتها الجزائر في أمريكا اللاتينية

رشيد المرزكيوي، أستاذ بكلية الحقوق، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، يرى أنه خلال العقود الثالثة الأخيرة من القرن العشرين، كانت البوليسارو والجزائر تعتبر أمريكا اللاتينية مجالا محفوظا لها، وكانت بروباغاندا البوليساريو وصنيعتها الجزائر قد تغلغت بشكل كبير في أوساط المجتمع المدني والمجتمع السياسي.

وأضاف في حديث مع “بناصا” أنه باستثناء الدول اللاتينية الكبرى كالبرازيل والأرجنتين والشيلي التي لم تعترف قط بالجمهورية الوهمية، كانت الغالبية العظمى من الدول  الصغيرة والمتوسطة في تلك القارة تعترف بالجمهورية المزعومة إما بشكل صريح أو ضمني. وكانت تقدم الدعم السياسي والدبلوماسي للبوليساريو في المحافل الدولية.

وأوضح المرزكيوي، أن هناك العديد من الأسباب والعوامل التي ساهمت في ذلك، أولها أن غالبية دول أمريكا اللاتينية كانت في عهد الحرب الباردة تتبنى الفكر الإشتراكي والإديولوجية الشيوعية، وهو نفس المذهب والإديولوجية التي كانت تَزْعُم البوليساريو والجزائر بأنهما تتبنياها، وهذا ما سهل التقارب بين الطرفين.

أما السبب الثاني، كان يتمثل في ضعف التموقع  والأداء الدبلوماسي للمغرب في تلك الفترة داخل أمريكا اللاتينية، فالمغرب كان يعتقد بأن المحافظة على دعم القوى الرأسمالية الكبرى كفيل بحل كل مشاكله، بينما ظهر في الواقع أن دول أمريكا اللاتينية التي همشتها الدبلوماسية المغربية كان لها دور كبير في السياسة الدولية.

والسبب الثالث، يكمن في أن غالبية  دول أمريكا اللاتينية كانت مستعمرات إسبانية وتتحدث باللغة الإسبانية، ونفس الشيء بالنسبة للبوليساريو التي كان أعضاءها يتقنون الإسبانية ويلعبون على وتر الميراث الإستعماري الإسباني المشترك للتقرب من تلك الدول.

أما السبب الرابع هو أن البوليساريو والجزائر كان لهما نفوذ قوي في الأوساط الحزبية اليسارية وفي المجتمع المدني المناهض للغرب وللإمبريالية، وقد استغلت البوليساريو هذا المعطى لتنشر العديد من الأكاذيب والأباطيل حول المملكة المغربية، ونشطت البوروباغاندا الجزائرية بقوة مُروجة لطروحات الإنفصال ومناهضة للوحدة الترابية للمملكة.

ولفت رشيد المرزكيوي، إلى أن هذه الأباطيل والأكاذيب صدقها المجتمع المدني والمجتمع السياسي في العديد من دول المنطقة، بل تبناها العديد من السياسيين الذين ساروا يدافعون عن الجمهورية الوهمية في جهل تام بِكُنه وحقيقة قضية الصحراء المغربية.

نجاح الدبلوماسية الهادئة للملك محمد السادس

وأضاف، أنه مع اعتلاء الملك محمد السادس للعرش وتأكيده على ضرورة تحسين وتطوير الأداء الدبلوماسي المغربي، ودعوة جلالته المتكررة إلى ضرورة تبني دبلوماسية جديدة وفعالة، كانت قادرة على تحقيق المنجزات والمكتسبات الكبرى في الدفاع عن القضايا الكبرى والإستراتيجية للأمة والدولة المغربية.

وبشكل خاص بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس لمجموعة من دول أمريكا اللاتينية عام 2004، فكان هذا التاريخ إيذانا بتحول جذري في الدبلوماسية المغربية تجاه دول القارة، وستعرف الدبلوماسية المغربية نشاطا وحيوية كبيرة على مستوى الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية على حد السواء.

وبذلك، يردف المصدر ذاته، بدأت العديد من الدول الأمريكية والكثير من السياسيين هناك يعرفون حقيقة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وأصبحوا واعين جيدا بالتضليل الذي كانت تمارسه الجزائر والبوليساريو، فبدأت بذلك تصدح الأصوات في كل بلدان أمريكا اللاتينية بمشروعية وعادلة قضية الوحدة الوطنية للمملكة.

كما بدأت العديد من بلدان القارة في تجميد أو سحب إعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة وتوقفت عن دعم الطروحات الإنفصالية لجبهة البوليساريو. ليصير المغرب، اليوم، دولة فاعلة ذات مصداقية على مستوى بلدان تلك المنطقة، ويحظى بالأهمية والأولوية في السياسة الخارجية لدول أمريكا اللاتينية.

وأوضح الأستاذ بكلية الحقوق، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، أن كل ذلك جاء في إطار الاحترام المتبادل وفي إطار التضامن والتعاون الدولي المثمر والبناء، الذي يتوخى تحقيق مصالح حيوية مشتركة للشعب المغربي ولشعوب القارة الأمريكية برمتها.

التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز التضامن الإنساني

وزاد، أنه من المؤكد أن مبادرات الملك أسفرت على تحقيق مكتسبات رائعة في العلاقة مع دول تلك المنطقة، تمثلت أساسا في تطوير وترسيخ التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز التضامن الإنساني مع كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، ويبدو ذلك واضحا من خلال المواقف الجديدة لدول المنطقة تجاه القضايا العادلة للمملكة وسحب العديد من تلك البلدان لإعترافها بالجمهورية الوهمية.

ومن المعروف، أن  الدبلوماسية المغربية كثفت تحركاتها بأمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة، من خلال تبادل الزيارات بين مسؤولين حكوميين وبرلمانيين من الجانبين، من بينها، زيارة رئيس الحكومة المغربية إلى البرازيل في فاتح يناير 2015، بينما قام نائب رئيس جمهورية الباراغواي بزيارة للمغرب في نفس السنة، ناهيك عن زيارة وزير الخارجية المغربي لخمس دول من أمريكا اللاتينية في يونيو 2019، وهي الشيلي والسلفادور وجمهورية الدومينيكان وسورينام والبرازيل وكولومبيا.

علاوة على ذلك، فالمغرب يتجه نحو إرساء أسس علاقات جديدة مع كوبا، هذه الدولة التي كانت من أكثر بلدان المنطقة معاداة لقضية الوحدة الترابية للمغرب، هذه العلاقات الجديدة مبنية على التعاون البناء والاحترام المتبادل والتعاون المثمر لمصلحة الشعبين.

فقد بدأت الدبلوماسية المغربية تجني ثمارها بتليين المواقف الكوبية تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية منذ زيارة جلالة الملك لهذا البلد سنة 2017، حيث تم التوقيع أنذاك على اتفاق مشترك بين البعثتين الدائمتين للمغرب وكوبا بالأمم المتحدة، حول عودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء سنة 2017، وقد تم تتويج هذا الاتفاق بتعيين سفير مغربي بكوبا سنة 2018 وتقديم السفير الكوبي لأوراق اعتماده بالمغرب سنة 2019.

دينامية البعثات الدبلوماسية ببلدان أمريكا اللاتينية

وأشار المرزكيوي، إلى أن هناك دينامية أيضا على مستوى البعثات الدبلوماسية ببلدان أمريكا اللاتينية، كالرفع من مستوى التمثيلية الدبلوماسية لجمهورية بنما من قائم بالأعمال إلى درجة سفير مفوض، مقابل فتح المغرب لسفارات جديدة ببنما والبارغواي في إطار المعاملة بالمثل، بعدما قام البلدان بفتح تمثيليات دبلوماسية لهما بالمغرب.

وهذا يوضح بجلاء أن الدبلوماسية المغربية تحقق نتائج إيجابية من خلال تقاربها من دول كانت تحسب على الصف المعادي للوحدة الترابية، وإعلان العديد من هذه الدول عن سحب الاعتراف بالكيان الوهمي، ولعل أحدثها جمهورية السورينام ودولة السلفادور وحكومة باربادوس وبوليفيا.

وقد أسفر ذلك كله على قبول المغرب كعضو ملاحظ في العديد من المنتديات والتجمعات الإقليمية في المنطقة، وسيتمكن المغرب من التواجد المستمر والفعال في تلك التجمعات والمنظمات. وهو الأمر الذي سيوفر للدبلوماسية المغربية فرصا هائلة للدفاع عن القضايا والمصالح الوطنية ذات الأولوية.

فالمغرب يعتبر اليوم عضوا مراقبا ذو مصداقية في العديد من المنظمات الإقليمية في القارة الأمريكية، منها إنخراط المغرب منذ 2014 في “تحالف المحيط الهادي” وهو تجمع إقتصادي ضخم يضم عددا كبيرا من دول أمريكا اللاتينية. ومنذ سنة 2010 أصبح المغرب عضوا مراقبا في “القمة الإيبيرو أمريكية”.

ثم أن المملكة المغربية حصلت على عضوية مراقب منذ عام 2014 في “نظام التكامل لأمريكا الوسطى” المصلح عليه بنظام (سيكا). والمملكة المغربية أيضا تعتبر عضوا فعالا في “قمة الدول العربية بدول أمريكا الجنوبية” المعروفة باسم ASPA. هذا إضافة إلى ان المغرب يعد عضوا حيويا في “قمة قادة إفريقيا وأمريكا الجنوبية”. ومنذ شهر يوليوز 2020 أصبح المغرب عضوا في “مجموعة دول الإنديز”.

وأسس تطور العلاقات الدبلوماسية والسياسية لعلاقات جديدة على المستوى الاقتصادي والتجاري عبر عقد اتفاقيات وشراكات اقتصادية مع غالبية بلدان أمريكا اللاتينية، لاسيما في مجال التصدير والاستيراد وارتفاع حجم التبادل التجاري.

الانفتاح على الأسواق اللاتينية

ويرى المرزكيوي، أن المغرب لم يعد يقتصر فقط على شركائه التقليديين على المستوى الاقتصادي، بل انفتح على أمريكا اللاتينية من خلال فتح أسواقه للمنتوجات اللاتينية بالموازاة مع تصديره لمنتوجاته إلى الأسواق اللاتينية. ويتجسد ذلك في المجالات الفلاحية والزراعية والنسيج والمواد الأولية والمنتوجات البحرية والاستثمارات الخارجية.

وبهذا التوجه تكون المملكة المغربية من الدول التي اختارت تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أمريكا اللاتينية، بغية جعل الورقة الاقتصادية مدخلا لعزل خصوم الوحدة الترابية بالمنطقة، حيث يثبت المغرب بأنه شريك اقتصادي موثوق به، مما يدحض كل مزاعم الانفصاليين، بما في ذلك الهجوم على مصالحه الاقتصادية بأمريكا الجنوبية.

وفي نفس الوقت يكثف المغرب من علاقاته الاقتصادية مع أقوى اقتصاديات دول أمريكا الوسطى والكاراييب، ويتجه إلى إرساء علاقات تجارية متينة مع دول كانت في الماضي تقدم الدعم والمساندة للكيان الانفصالي، كالمكسيك التي يراهن المغرب على تغيير مواقفها بشكل جذري من قضية الوحدة الوطنية،

كما أنه من الثابت أن الدبلوماسية الاقتصادية للمغرب أسفرت عن نتائج إيجابية  جدا من خلال كسب حلفاء جدد بأمريكا الوسطى والكارييب كجامايكا وهندوراس وبوليفيا و”كوستاريكا وبنما وهايتي وباربادوس وسالفادور و”ترينيداد وتوباكو”.

معبر الكركرات والدبلوماسية المغربية

وفي إطار الدينامية الجديدة للدبلوماسية المغربية تجاه دول أمريكا اللاتينية، وبعد الأحداث التي عرفها المعبر الحدودي “الكركرات” بين المغرب وموريتانيا، والمتمثل في التدخل السلمي للمغرب وفق الشرعية الدولية لتحرير المعبر من عصابات المسلحين وقطاع الطرق التي أغلقت المعبر لمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع مخلفا بذلك آثار سلبية على التجارة الدولية،

وأوضح المصدر ذاته، أن هذه المبادرة الفريدة للدفاع عن حقوق المغرب وعن موقفه المتناغم مع الشرعية الدولية، لقيت صدى كبيرا لدى دول أمريكا اللاتينية، خاصة لدى البرلمانات الإقليمية في هذه المنطقة. فأكد برلمان أمريكا اللاتينية والكارييب، في بيان صادر من مقره ببنما، على الموقف والتصرف المسؤول والشرعي للمغرب بتدخله السلمي لفتح المعبر وتأمين مرور السلع والخدمات والعربات، وتأمين تنقل الأشخاص بكل حرية وسلاسة.

ومما جاء في هذا البيان نذكر أن هذا التجمع أو المنتدى البرلماني الإقليمي، يشيد باهتمام وجهود المملكة المغربية ومؤسساتها، ولاسيما مجلس المستشارين ومجلس النواب المغربيين، للسعي لحل سياسي متعدد الأطراف للصحراء المغربية. ويضيف البيان قائلا:” إننا نقدم دعوتنا للحوار والمساعي الحميدة في بناء حل سياسي ودائم وعادل للوضع في الصحراء المغربية ، والذي من شأنه خدمة مصالح جميع شعوب الاتحاد المغاربي بشكل عادل.

وفي بداية دجنبر من سنة 2020 أعرب برلمان أمريكا الوسطى عن دعمه لجميع الإجراءات التي يقوم بها المغرب لضمان حرية تنقل الأفراد والبضائع عبر معبر الكركرات الحدودي، الذي يربط بين المملكة وموريتانيا. وقال البرلمان في بيان، يحمل توقيع رئيسته “فاني كارولينا ساليناس فيرنانديز”: “نعرب عن تضامننا وانشغالنا بشأن حرية تنقل الأفراد والبضائع عبر معبر الكركرات الحدودي، وندعم جميع الإجراءات التي تقوم بها المملكة المغربية”. ودعا إلى العودة إلى وقف إطلاق النار في إشارة إلى إعلان جبهة البوليساريو عن خرقه.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي