Share
  • Link copied

كان مناهضاً للاحتلال والانفصال ومدافعاً عن الوحدة المغربية.. دراسة جديدة تكشف “الوجه المُغيّب” لمحمد بن عبد الكريم الخطابيّ

كشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة “كان التاريخية”، جوانب، غيّبها الجهل، والتّجاهل، والأجندات الخفية، من سيرة ومسار محمد بن عبد الكريم الخطّابي، “أمير الريف”، وزعيم الجهاد ضد الاحتلال الإسباني لشمال المغرب، تفنّد، بالحجج والوثائق التاريخية، الأكاذيب التي تروّجها بعض الجهات، بخصوص كون الرجل، انفصالياً، وتميط اللثام عن علاقته المبنية على البيعة، بسلاطين المملكة المغربية وقتها.

وأكدت الدراسة، التي قام بها الدكتور إلياس الهاني، الباحث في قضايا الفكر والحضارة، في ورقة بحثية منشورة على مجلة “كان التاريخية”، بعنوان: “تهافت القراءة الأيديولوجية لتجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي وانعكاساتها على الحاضر“، أن “أمير الريف”، لم يكن مطلقاً انفصاليا، ولم يرغب قطّ في تأسيس دولة مستقلة عن المملكة المغربية، بل إن إنشاءه لـ”إمارة”، جاء بدافع محاربة الاحتلال الأجنبي للبلاد.

مفهوم الانفصال.. بين الصناعة الأجنبية والتحرر من الاحتلال

وقال الهاني، الذي يشتغل على مشروع الخطابي، وقد أنجز أطروحته لنيل الدكتوراه حول مسارات الخطابي النهضوية، كما يشتغل على مجموعة من الأبحاث المتعلقة به تأليفا ونشراً، إن مفهوم الانفصال، “الذي تولت نشره الإدارة الفرنسية”، لم يكن “سوى امتداد لسلسلة الاستهدافات التي تولته المركزية الأوروبية، التي راحت في إرسال بعثاتها للمغرب، تتنصل بين قبائله لجمع المعلومات والقيام بمسح المناطق التي تحتويعلى ثروات باطنية مهمة تساعد أوروبا على رفاهية أبنائها”.

وأضاف الباحث أن “الناظر في تاريخ المنطقة، يجد أن هذا المفهوم، تسرب بعدما اكتشفت القوى الأجنبية مدى الثروات الباطنية المعدنية التي تختزنها هذه المنطقة، فراحت تروج في كتاباتها التي سهلت الأمر للاحتلال الأجنبي بكون قبائل الريف، منفصلة عن أي دولة ولا ولاء سياسي لها، وهو ما يسمح حسب زعمهم بملأ هذا الفراغ؛ فقد جعل أوجيست مولييراس، قبائل الريف، منفصلة عن حكم السلطان، فقال: ولم يكن الريف خاضعا أبدا، فهو يشكل جزءاً من بلاد السيبة الشايعة، أي المتخلى عنها من طرف السلطان”.

واعتبر الباحث ذاته في ورقته، أن هذا النعت، “درج عليه بقية الغزاة الذين أوهموا الأوروبيين أن الريف، منفصل عن باقي الأراضي المغربية، ولا يشمله حكم المغرب، وقد أغرق مولييراس، كتابه بالأوصاف وإطلاق النعوت التي تجرد الريفين من أي فعل حضاري، بل وأمعن في إلصاق كل تهمة خلقية أو خلقية، مبررا للدول الأجنبية تدخلاتها ونشرها لما تحسبه تحضرا وتقدما”.

هذا الأمر، يضيف الهاني، كرّره أنخيلو كيريلي في مونوغرافياته لقبائل الريف، حيث قام، بدوره، بتجريد القبائل من “تبعيتها لأرضها، فوصف قبيلة بقوية، بأنها “مستقلة عن سلطة المخزن المغربي، ولا تخضع لأي تدخل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من طرف سلطان المغرب”، مؤكداً أن هذا الأمر، “مغالطة تاريخية تكشفها حجم الأحداث التي أظهر من خلالها الريفيون مدى التشبث بأرضهم وولائهم التام للواجبات التي يحتمها عليهم نداء الوطن، وتفاعلهم الحضاري”.

وأوضح الباحث نفسه، أنه مع “بداية تقلّد العلويين للحكم، استعان الملوك بالريفين لتحرير أراضيهم من الاحتلال البرتغالي والإسباني، حيث وصفهم محمد الأول بـ”ريف الفرسان، وصقور الفيافي والفجاج”، وظل هذا الانتماء، حسب الهاني، إلى “العصر الحديث عند بزوغ الخطابي بالريف، ولم يخطر ببال أحد إلا ما حاولت القوتين المحتلتين فرنسا وإسبانيا الترويج له، من كون الخطابي يريد أن ينفصل عن المغرب، بعدما استطاع أن يهدد وجودهم الاستعماري وكاد أن يقضي عليهم، فلم يجدوا من يد تزوير التاريخ وتشويه البعض في العصر الحديث لترويج نفس الأسطورة، التي ليست في الحقيقة “سوى إعادة تدوير لما رددته الدوائر الكولونيالية الاستعمارية”.

في الحقيقة، يؤكد الهاني، سعى الخطابي، “بكل جهد للانفصال عن المستعمر الأجنبي وبناء المغرب، حيث لخّص في ندائه الموجه للمغاربة في سنة 1925، هدفه من إنشاء إمارة الريف: “أيها المراكشيون (المغاربة)، إننا لا نريد من كل هذا أن نتسلط عليكم، أو نخرق عليكم عادة كما يموه عليكم العدو أو كما تتوهمون أو غايتنا الملك والاستواء على عرش المغرب، كلا، إنما غايتنا الوحيدة ومقصودنا المنشود، هو طرد الأعادي من تراب المسلمين، والوصول إلى إصلاح شؤوننا ماديا وأدبيا، لنحيي بذلك ما اندرس ونجدد مجد الأسلاف، وما ذلك ببعيد على رجال المغرب ومفكريه إن قاموا قيام رجل واحد، وعملوا ما يحقق هذا الأمل بالقول والفعل”.

وأشار الباحث في هذا السياق، إلى أن “القوى الاستعمارية، أبت سوى إجهاض هذه الإرادة وإخضاع المغرب بسلطانه وشعبه وإصلاحييه، تحت حمايته الاستعمارية التي أراد الخطابي الانفصال عنها، والتعامل مع كل الأمم والشعوب بندية ومساواة بعيدا عن منطق الخضوع والقوة والحرب”. ونقل الهاني، في مقالته البحثية، عن الخطابي قوله: “إن قصدنا وغايتنا هي غاية القبائل الريفية، إننا لسنا بمتسلطين على هاته القبائل، وهو الدفاع عن كياننا وحقوقنا معتمدين على حقانية مسألتنا ومطالبنا التي لا ينكرها أحد، وقد أعلنا هذا لإسبانيا، قبل حادثة أنوال وبعدها، وجاهرنا بعد الحادثة بطلب الانفصال عنها ورفض حمايتها بالكلية”.

ولم تستسغ، يقول الهاني، “الإدارة الاستعمارية، التي راحت تؤلب الرأي العام المغربي والأوروبي، بأن الخطابي ما قصد جراء مناهضته للسياسة الاستعمارية الأجنبية، سوى الانفصال عن المغرب، بعد إدراكها للمرامي الحقيقية للخطابي الذي يعبر الجنرال ليوطي في مذكرة له سنة 1925، عن الأمر، بقوله: إن هيمنة عبد الكريم على كل قبائل منطقتنا التي لم تخضع لنا بعد، وذيوع صيت وهيبة هذا الزعيم الريفي، أصبحنا مقلقين لنا، ولن نسمح له بأن يكون مركز جذب لكل من يطمح في استقلال الغرب الإفريقي المسلم”.

وأردف الهاني، أن الإدارة الاستعمارية، أدركت أن إسقاط تجربة الخطابي، لن تتم سوى عبر “تشويه معالمها، بعد أن بدت نموذجا رائدا لمن رام استنهاض بلده وإصلاح شؤونه، وما تهمة الانفصال، إلا حلقة ضمن سلسلة طويلة من النعوت التي تعرض لها الريف لاستعباده وإبقائه رهينا للشركات الرأسمالية ولنهب الدول الإمبريالية”.

“جمهورية الريف”.. الإمارة المناهضة للمحتل

وقال الهاني، إن الخطابي كان يدرك أن مقاومة الاحتلال الأجنبي، أثبتت فعاليتها وجدواها في “حالة التنظيم الجيد والمحكم للأرض ومقدراتها، وتهذيب الإنسان من العادات التي تكبل طاقاته وتنوير فكره نحو الارتقاء”، وهو الأمر، الذي أثمر تأسيس إمارة الريف، و”اعتبار الخطابي زعيما وقائدا لقبائل الريف بعد توحيدها وتنظيمها وتجريدها من كل التطاحنات والنزاعات الداخلية”، موضحاً في هذا الصدد، أنه “تم تنصيب الخطابي أميرا بها يوجبه هذا النظام من تدبير حياة الناس وحمايتها، والرفعة من شأنها، وهو نظام إبداعي في دلالته يتم من خلال تنصيب أمير تجسدت فيه صفات القيادة وإصلاح شؤون الناس على غرار ما شهدته تجارب احتدمت فيها الصراعات من فترات سابقة، كإمارة القلال بفرنسا الحالية، التي نشأت لحفظ كيان المسلمين بعد تكتلهم وحسن تنظيمهم، وكذا إمارة الأندلس بإسبانيا الحالية، التي ازدهرت في فترة وجيزة من الزمن وكانت مصدرا أساسيا لنهضة أوروبا”.

على نفس المنوال، أشار الهاني، إلى أن الضفة الجنوبية للمتوسط، شهدت هي الأخرى، “نشوء كيانات قامت بأدوار حضارية متعددة، على رأسها إمارة النكور في شما-ل المغرب، وهي أول إمارة مستحدثة بعد دخول الإسلام إلى المغرب الأقصى، وقد بدت نموذجا للارتقاء بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية”، مسترسلاً أن تأسيس إمارة بالريف زمن الخطابي، “لم يكن يفهم منه ما اصطلح عليه اليوم في القانون الدولي الحديث من اعتبار تأسيس نظام سياسي داخل دولة ما نوعا من الاستقلال الترابي؛ فقد بقي الخطابي ومعه نموذجه النهضوي تابعا للبيعة السلطانية”، متابعهاً أن الخطابي نفسه، ما فتئ يؤكد في جميع مراسلاته ومواقفه وتصريحاته على تبعيته الكاملة للمغرب وسلطانه؛ فالوضعية الحضارية التي آل إليها المغرب واحتلال أراضيه وتكبيل سلطانه، هو ما جعل الخطابي يعلن استقلاله عن الاحتلال الأجنبي، ورغبته المتواصلة في فك أسر السلطان من نظام الحماية المتسلط”.

الخطّابي: إن سعى جلالة السلطان إلى استقلال البلاد فنحن أول من يؤيده ويؤازره على الحكم

واسترسل الهاني، أن الخطابي، قال في رسالته للمغاربة، سالفة الذكر: “أما جلالة سلطان مراكش، فإن سعى فيما نكد من أجله وقام بواجبه نحو الأمة الإسلامية ليتخلص من ربقة الحماية والاستعباد، فنحن أول من يؤيده ويعضده ويؤازره على حكم بلاده، ثم ليكن هذا في علم جميع إخواننا المراكشيين، حتى يحققوه، وخصوصا أساطين المغرب وعماله، كما يجب إن كانوا يؤمنون بالله وباليوم الآخر، أن لا يعيروا التفاتا لما يلقيه العدو من الخيلات التي تعود أن يسحر بها الفكر العام تشتيتا لكلمة المسلمين، وليتحققوا أيضا أن ما نحارب من أجله ما فيه إلا سعادتكم وسعادة سلطانكم إن طان يود السعادة الحقيقية والمجد غير الموهوم”.

وبخصوص وصف الإمارة بـ”الجمهورية”، أوضح الهاني، أن ترويج هذا الاسم في المحافل والمؤسسات الدولية، لم يكن “سوى لاستدرار العطف وعقد الاتفاقيات التي يمكن من خلالها امتلاك المقومات الذاتية لبناء الريف واستنهاضه”، وهو ما أكده الخطابي نفسه في أكثر من تصريح، حيث قال في حوار له مع الصحفي الأمريكي فنسنت شيين مراسل جريدة “شيكاغو تريبيون” الأمريكية: “تسمية جمهورية الريف هي نموذج مؤسف للتسميات غير الموفقة، إن الصحف الإنجليزية هي التي أطلقت علينا هذا الاسم في البداية، وكذلك بعض عملائنا الإنجليز ذوي النوايا الحسنة، لكن لم تكن لدينا أبدا جمهورية بالمعنى الغربي للكلمة، ولم نعتزم قط إقامة شيء من هذا القبيل”.

وأوضح الخطابي، وفق ما أورده الدكتور الهاني في مقالته البحثية، أنه “في الواقع، نستعمل الكلمة الإسبانية ريبوبليكا في لغتنا لنطلقها على مجموعات محلية صغيرة، بل إنها أصغر من القبيلة، تماما مثل المجالس العسكري للضباط الإسبان juntas”، متابعاً: “لدينا مثلا عدة جمهوريات في كل سرية من المشاة الريفيين، ولا تعني كلمة الجمهورية بالنسبة لشعبنا، أي شيء أكثر من ذلك”.

وأكد الهاني، في هذا الصدد، أن مفهوم الجمهورية بمعناه الغربي، “لم يكن متاولا بمنطقة الريف المغربي، ولكم يسعى إليه الريفيون أثناء تشييد معالم نهضتهم وتثبيت شهودهم الحضاري”، مشيراً إلى أن “ما تم تداوله وشيوعه ووروده في الكثير من الوثائق”، لم يكن سوى “ترويج من الأجانب والشركات الرأسمالية الذين تواردوا على الريف، لعقد الصفقات واستغلال الثروات وإبرام الاتفاقيات بما يضمن لهم الربح بموجب ما تمكنه تداول القضية الريفية، من رصيد وامتيازات واحتكار، كما لا ينفي هذا وجود بعض الشخصيات التي وجدت في قيامة الخطابي وجها مشرقا لحضارة في أفول مستمر، وما كان مفهوم الجمهورية سوى إطلاقا لفظيا على تلك التجرببة ولم يكن بالتداول الأوروبي”.

علاقة الريف بمؤسسة المخزن

وبشأن علاقة الريف بمؤسسة المخزن، قال الهاني، إنه مباشرة بعد حرب الريف سنة 1926، انطلقت أكاذيب الاحتلال الأجنبي، في الترويج لأن “الخطابي ينازع السلطان في حكمه، وأن ما قام به اتجاه إسبانيا وفرنسا ما هو إلا تمهيد لإسقاط المخزن”، وهذا الأمر، لازالت بعض الجهات تردده إلى غاية الآن، موضحاً أن قصد الاحتلال من هذا الطرح، كان تأليب السلطة على تجربة الخطابي، لأن الأخير، كانت له علاقة بمؤسسة المخزن منذ شبابه، متابعاً أن الخطابي، بعدما أدرك، قبل الحماية، مدى الفساد الذي بات ينخر مؤسسة المخزن، عمل جاهداً للحيلولة دون سقوطها في براثين الأجانب، ذلك “عندما قام بمعية والده، بأخذ البيعة للسلطان عبد الحفيظ في ربوع الريف، بعد البيعة المشروطة، ظنا منهم أن ذلك عهد سيقود إلى إصلاح ما فسد من أمور المغرب المتهاوي”.

وبعد سقوط مؤسسة المخزن، بعد الحماية، في يد الاحتلال، وتحولها إلى تابع لما تمليه فرنسا، عمل الخطابي قصارى جهده من أجل “تحسيس السلطان وحاشيته بكافة السبل والوسائل بخطورة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادي للمغرب وتخليصه من وضع الأسير الذي أضحى عليه”، متابعاً أن الخطابي لم يتوانى “في بعث الوفود التي تؤكد على الصلة الوثيقة التي تجمع منطقة الريف بالمخزن عبر تاريخه. وأوضح الهاني، أن هذه الصلة التاريخية، أكدها محمد أزرقان، وهو أحد الرجال المقربين من الخطابي والذي تولى أدوار قيادية أثناء حرب التحرير، في مذكراته، حيث قال: “كان الملوك العلويون ينظرون إلى الريف بعيون الإجلال من قديم، لكون الريف في نظرهم السياسي محل رباط المجهادين المدافعين عن حمى الإيالة الشريفة من ناحيته”.

الخطابي للسلطان: ما نصنعه هو دفاع على تطاول الإسبان على الدولة المغربية الشريفة

هذا الوضع، ظل مستمرا، وفق الهاني، إلى زمن الخطابي، الذي “أكد في كثير من المواقف والرسائل، على تشبثه بالبيعة الشرعية للسلطان، وما تقتضيه من التزامات وواجبات، على رأسها رفض الاحتلال وأزلامه، حيث بادر الخطابي فور انتصاره في أنوال سنة 1921، إلى تبليغ السلطان، من خلال وفد مكون من أبرز القادة الريفيين، إلى مدينة الرباط، وعبر الشيخ أبو شعيب الدكالي (كان من ندماء السلطات وقتها): “إن صنيعنا الجهادي حيال الإسبان المتعصبين، هو مجرد دفاع عن الشرف المهان، المتمثل في التطاول الإسباني على الدولة المغربية الشريفة، وكذلك أن يبلغه مساندتنا له في السراء والضراء، بكل ما أوتينا من قوة، وإلى أن يصبح سلطاننا ينعم بحرية التصرف ومباشرة مهامه، ونرجوه كذلك أن يكون جذرا مما تشيعه الأبواق الاستعمارية ومن يسير في فلكهم، من أننا ضد بيعته في ربوع المغرب، ولينكن واثقا مما نقول كل الثقة”، ليتلقى الوفد ردا بعدعها من أبو شعيب الدكالي، بالقول: “عودوا إلى إخوانكم، وقولوا لهم، لا تلقوا بالا لهذه الناحية، فالسلطان في الظرف الحالي لا يقوى على جلب نفع ما، أو دفع ضرر كيفما كان، ولعلكم لا تحتاجون إلى أكثر من هذه الوصية، والله لا يخيب مسعهاكم الحميد، والسلام”.

هذا، ونبه الهاني في الورقتة البحثية نفسها، إلى أن الصورة التي ينقلها محمادي الحاتمي عن أحد جلساء السلطان يوسف وهو عمر التازي، عن لحظة الإبعاد التي تعرض لها الخطابي سنة 1926، جراء الاستسلام المشروط بسلامة أهل المنطقة من الإبادة الجماعية التي انطلقت بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية من طرف فرنسا وإسبانيا، تبين الأسف الذي أبداه السلطان اتجاه الخطابي لما قررت فرنسا إبعاده نحو جزيرة لارينيون (قرب مدغشقر)، فيقول: “دخل الترجمان ماركو على المولى يوسف وقال له: سيدي لقد جئتك ببشرى، سأله السلطان: ماهي؟ أجابنه: إن عدوك عبد الكريم تقرر إبعاده إلى جزيرة الرينيون”، وبعد خروج الترجمان، الذي أحس بامتعاض المولى يوسف للنبأ، اغرورقت عيناه بالدموع، إلى أن قال لعبابو (وهو أحد الفقهاء الذين كانوا يجالسون السلطان): إنهم بهذا الإجراء أرادوا قتله”، وأضاف: “لله درّك يا بن عبد الكريم، أنت شرفت الإسلام وأعلنت عن حسن مآل”.

واستشهد الهاني أيضا، في السياق نفسه، بما نقله، عبد السلام الهراس عن الخطابي عند زيارته له بمصر، حيث حكى له “أمير الريف”: “قد استغل الاستعمار فصار يروج ويزور ويدس ويشيع أننا طلاب مُلك، وأننا سنكون جمهورية إلى غير ذلك من مكر الليل والنهار، وحرضوا علينا بعض الزوايا القواد، والبوادي، وكانوا يضغطون على مولاي يوسف الذي كان يكرههم فيخرجونه إلى المحلات والعساكر المغربية التي تحاربنا تحت قيادة فرنسا، ويظهرونه للقبائل من بعيد ليهموها أن السلطان جاء ليؤيد محاربة المجاهدين، وقد أخبرني غير واحد مما يوثق بهم أن مولاي يوسف كانت تدمع عيناه وهو في باب الخيمة، كما كنا نحن نرسل إليه أننا معه وضدا على النصارى”، متابعاً، نقلاً عن كلام الخطابي: “مما يدل على أن مولاي يوسف كان له عطف علينا أنه عندما استسلمنا للفرنسيين ونقلونا إلى فاس ريثما ينفنونا إلى لارينيون، مررنا راجلين ببعض الأزقة الفاسية، وإذا بشخص يقترب مني ويجذبني بلطف من قب جبابتي، ويقول لي: سيدنا يسلم عليك ويقول لك إنه لا ينساك أبدا”.

وخلص الهاني في ختام ورقته البحثية، إلى أن القراءة الضيقة لمختلف المحطات التاريخية لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، التي تبنتها بعض الجهات الهوياتية واليسارية والإسلامية، والتي ألبست مواقف الرجل جلبابا أيديولوجيا، ليست دقيقة، ولا تظهر الصورة الحقيقية لشخصية “أمير الريف”، لأنها تقوم بجرد مواقفه “من سياقها التاريخي وظرفها الزماني والمكاني”، كما أنها تجعل من مشروعه، “مجرد مواقف سياسية”، وهو ما لا يرقى، حسب الباحث نفسه، إلى “ما طمح وعمل عليه الرجل طيلة مسيرته، وهو ما يفرض الحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من الأطروحات التي يتم تسويقها عن الخطابي، التي قد تنعكس سلبا على الواقع المعيش، لما لهذه الشخصية من حمولة رمزية وتاريخية لأهالي منطقة الريف”.

Share
  • Link copied
المقال التالي