منذ صباح يوم الجمعة المنصرم، لازال بعض أطفال منطقة القصر الجديد أو القرية بإقليم الرشيدية تحت وقع الصدمة بعد أن وضعتهم الأقدار أمام جريمة “وحشية” ذهب ضحيتها أستاذ متقاعد في السبعينيات من عمره كان في طريقه إلى المسجد لرفع أذان صلاة الجمعة.
هؤلاء الأطفال عاينوا الرجل السبعيني وهو يذبح “مثل خروف”، وهم من أخبروا رجال الأمن والسلطة بمكان تواجد الفاعل، ليتم تطويق منزله قبل الشروع في اقتحامه، لكن بعد أن فشلت كل محاولات القبض عليه، لجأ رجال الأمن لآخر الحلول وهو الرصاص الحي.
كل الروايات تقريبا التي تناسلت حول الجريمة ذهبت إلى أن دوافعها تتمثل في وجود خلاف قديم بين المقتول والقاتل المعروف بالمنطقة بترويج المخدرات وسبق له أن أدين بالحبس النافذ.
في حديثه لجريدة “بناصا” الإلكترونية، يدلي مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه بمعطيات عن المتهم يمرر من خلالها رسالة مباشرة لمن يهمهم الأمر، مفادها أن الجريمة البشعة التي وقعت تأتي في سياق ظاهرة “المدننة” التي تعرفها البادية.
المدننة.. البراني
قال مصدر “بناصا” إن والدي المتهم لا ينحدران من الرشيدية، وإنما “وجدا ذواتهما” بالمدينة فقررا الاستقرار بها بعد اقتناء منزل بإحدى القرى السكنية المتواجدة بجماعة شرفاء امدغرة التي شيدتها الدولة لضحايا الفيضانات التي ضربت الرشيدية سنة 1965.
وأوضح أن دخول “البراني” إلى تلك القرى إما بواسطة شراء أو كراء المنازل أو عامل الإرث راجع إلى مجموعة من التطورات الاجتماعية، ومن بينها “مدننة القرية” والتزايد السكاني، مشيرا إلى أن الضحية ورث المنزل عن والده الذي كان من ضمن المتضررين من الفيضانات.
سلوكات شاذة
بعد حوالي خمسة عشر سنة من العيش مع والديه، بحسب مصدر “بناصا”، بدأت تظهر على المتهم “سلوكات شاذة”، ومن بينها ترويج المخدرات والدخول في صراعات مع عصابات بتطوان وتعنيف الوالدين، قبل أن تقوده تهمة تعنيف الأصول إلى السجن.
وعن احتمال أنه يعاني من مرض عقلي، قال المصدر ذاته: “هناك من يقول ذلك، لكن ربما يتناول حاجة أخرى لأنه حين يكون في حالته العادية يكون سويا وأنا غير ما مرة شاهدته في المسجد لن تميز بينه وبين الفقيه”، بحسب تعبيره.
نفس المصدر كشف أنه بعد أن تعب الوالدين من سلوكاته، تركا له المنزل وهاجرا إلى أوروبا بمساعدة شقيقة أحدهما بعد أن تأكدت من عدم رغبته في “الرجوع إلى الطريق”، لافتا إلى أن المتهم كان يثير الرعب والخوف وسط جيرانه نظرا للبنية الجسمانية القوية التي يتمتع أو “مكلظم”، لكن ذلك لم يمنع بعضهم من رفع شكايات ضده إلى الجهات المعنية.
احتجاج الجيران
عن طبيعة الخلاف الذي جعل العلاقة بين الضحية والجاني ليست على ما يرام، قال مصدرنا إن هذا الأخير قام بإحداث قناة عشوائية للمياه العادمة، الأمر الذي أثار احتجاج العديد من جيرانه، وعلى رأسهم الأستاذ المتقاعد.
وأضاف أن ما زاد من توتر العلاقة بين الطرفين هو شك المتهم في إقدام أبناء الأستاذ على حرق دراجته النارية، موضحا أن “العلاقة بين الطرفين كانت مسمومة منذ البداية وكل طرف كان يتعامل مع الآخر بنوع من الحذر”، بحسب قوله.
وقبل وقوع الجريمة، تلقى الأستاذ المتقاعد تهديدات من طرف الشخص المعني وصلت إلى حد أنه طلب منه في إحدى المرات أن يحفر قبره، “لكن لا أدري إن كان تقدم بشكاية في الموضوع إلى الجهات الأمنية”، بحسب تعبيره.
من الوريد إلى الوريد
عن تفاصيل الجريمة التي أودت بحياته، قال متحدث “بناصا” إن المتهم قام، حوالي الساعة الحادية عشر من صباح يوم الجمعة المنصرم، بتعقب الأستاذ الذي كان في طريقه إلى مسجد تاوريرت للمشاركة في إقامة أذان صلاة الجمعة.
وتابع قائلا: “وعلى حين غرة وجه له ضربتين بسيف إلى الوجه، لكن حين قاوم الأستاذ قليلا، أسقطه أرضا وذبحه من الوريد إلى الوريد أمام مرأى مجموعة من الأطفال الذين أخبروا رجال الأمن بتواجد القاتل بالمنزل بعد ارتكاب الجريمة”.
تفخيخ السطح
المصدر ذاته كشف أنه بعد أن تمكن رجال الأمن من الدخول إلى منزله وحتى لا يتم القبض عليه بالغرفة بسطح المنزل التي تحصن بداخلها، قام بتفخيخ السطح بالماء والكهرباء، لكن بعد أن فطن رجال لهذا الأمر، قاموا بقطع التيار الكهربائي، “وبعد إصابة عنصرين من الدرك الملكي أثناء محاولة اعتقاله باستعمال خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع، اضطر أفراد الأمن في آخر المطاف إلى توقيفه بإطلاق رصاصتين نتج عنهما إصابته على مستوى الكتف والرجل”، وفق مصدرنا.
وقدر مصدر “بناصا” عدد المشاركين في جنازة الأستاذ المتقاعد التي شهدت استنفارا أمنيا بألف ومائتي شخص، لافتا إلى أن الفقيد كان حاملا لكتاب الله ومعروفا بأعمال الخير والإحسان والجميع يشهد له بالطيبوبة، بمن فيهم زملائه المتقاعدين والحاملين لكتاب الله وتلاميذه القدامى.
تعليقات الزوار ( 0 )