Share
  • Link copied

في ذكراها الـ 12.. هل تدفع الأوضاع المتدهورة نحو “حركة 20 فبراير” مُحدّثة؟

بحلول اليوم الاثنين، تكون 12 سنة كاملة قد مرت على انطلاق “حركة 20 فبراير”، التي قادت احتجاجات الربيع العربي في المغرب عام 2011، بينما تتواصل التساؤلات حول مدى توفر الأسباب اليوم لعودة الحركة إلى الشارع، لا سيما في ظل احتقان اجتماعي جراء ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية والمحروقات وتضرر القدرة الشرائية للمواطنين.

وبعد 12 سنة على ميلادها، تعود “روح” الحركة، اليوم الاثنين، إلى شوارع المملكة، من خلال تنظيم مسيرات أو وقفات احتجاجية محلية في أكثر من مدينة، دعت إليها “الجبهة الاجتماعية المغربية” (تضم تنظيمات سياسية يسارية ونقابات وجمعيات) تنديداً بـ”الغلاء ومن أجل انتزاع المطالب والحريات”.

وبدا لافتاً، خلال الأيام الماضية، حجم الغضب الشعبي وتعبير أحزاب المعارضة والمركزيات النقابية (الاتحادات العمالية) عن قلقها من تردي الأوضاع، والسياسة التي تنتهجها الحكومة في التعاطي مع ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، ما انعكس على جيوب المواطنين وقدرتهم الشرائية.

شكلت مطالب “20 فبراير” مرجعية للحركات الاحتجاجية التي نشأت في المغرب

وكان الآلاف من المغاربة قد خرجوا، في 20 فبراير 2011، إلى شوارع المملكة للاحتجاج، بناء على دعوة أطلقتها حركة شكلها شباب من تنظيمات سياسية ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، والفصل بين الثروة والسلطة في المناصب الحكومية، ومحاكمة الضالعين في قضايا فساد واستغلال نفوذ ونهب ثروات المملكة.

كما طالبوا وقتها باستقلال القضاء وحرية الإعلام، وإقامة ملكية برلمانية، وإجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد، وذلك في سياق ثورات الربيع العربي التي بدأت في تونس أواخر العام 2010، وأطاحت عدة أنظمة عربية حاكمة.

وبعد أقل من شهر من الاحتجاجات، سارع العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى وضع أجندة للإصلاح من خلال خطابه في 9 مارس 2011، وأقرّ تعديلات دستورية قلّصت من صلاحياته في الحكم، ووسعت من صلاحيات رئيس الحكومة. غير أن شباب الحركة لم تقنعهم تلك الإصلاحات، وعدّوها “التفافاً” على مطالبهم الرئيسية، وقضوا ما يزيد عن العام في معارضتها، قبل أن يبدأ الزخم الشعبي الذي كان يحركهم في الخفوت لأسباب ذاتية وأخرى خارجية.

خفوت دينامية “حركة 20 فبراير”

وعلى الرغم من أن “حركة 20 فبراير” كانت قد ساهمت في إحداث هزة كبيرة في مشهد سياسي، بولادة دستور الربيع العربي، وإجراء انتخابات مبكرة، مكنت، للمرة الأولى في تاريخ المغرب، الإسلاميين من الصعود إلى سدة الحكم، إلا أن ديناميتها ومطالبها خفتت واعتراها فتور ملحوظ بعد انسحاب جماعة “العدل والإحسان”، أكبر تنظيم إسلامي في المغرب، والتي كانت تشكل الثقل الأكبر داخل الحركة إلى جانب اليساريين، ما خفف بشكل مؤثر من حجم التظاهرات الاحتجاجية للحركة.

ولئن كانت “20 فبراير” قد انتهت عملياً وميدانياً بشكل بطيء منذ انسحاب جماعة “العدل والإحسان”، إلا أن كوادرها استطاعت العيش خارج ثوب الحركة، طيلة السنوات الماضية، من خلال بث وعي احتجاجي جديد وسط المغاربة، تبلور في مسيرات واحتجاجات سلمية وحضارية، تعبر عن مطالب الحركة، التي تراها مشروعة، في مختلف القطاعات.

مطالب “20 فبراير” مرجعية للحركات الاحتجاجية

وقد شكلت مطالب “حركة 20 فبراير” مرجعية للحركات الاحتجاجية العديدة التي نشأت في السنوات الأخيرة في المغرب بنفس الشعارات والأهداف. وكان من أبرزها “حراك الريف”، الذي اندلع في أكتوبر 2016، و”حراك جرادة” (مدينة جرادة) في ديسمبر 2017.

وفي ظل ما انتهت إليه “20 فبراير” بعد 12 عاماً على انطلاقها، يرى خالد البكاري، الناشط الحقوقي وأحد أبرز وجوه الحركة في مدينة الدار البيضاء، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن أموراً كثيرة تغيرت بعد كل هذه المدة، ومنها أساساً السياق الإقليمي الذي أصبح معرقلاً للمطالبات الديمقراطية، جراء التوجهات المتراوحة بين الأمني والعسكري التي تهيمن على نظم الحكم في المنطقة، وتراجع الضغط الدولي بخصوص حقوق الإنسان لتراجع أهمية المنطقة الشمال أفريقية في الصراعات الجيوستراتيجية، مقارنة بآسيا الوسطى وشرقها (إيران، وشبه الجزيرة الكورية، والصين، وباكستان…) وكذا الصراع الروسي الغربي.

رفع شعارات اجتماعية

ويسجل البكاري أن الاحتجاجات المحلية أصبحت ترفع شعارات اجتماعية أكثر منها سياسية، فلم تعد المطالبات بالحقوق السياسية والمدنية قادرة على تعبئة المواطنين مقارنة بالمطالب الاجتماعية، سواء ذات الطبيعة المجالية أو المناطقية، أو ذات الطبيعة الفئوية المهنية.

ويلفت إلى متغير آخر، مرتبط بتراجع الإحساس بالأمن الاجتماعي والثقة في المستقبل والأمل بإمكان تغير الظروف، وهو ما أدى إلى اتساع دائرة الهجرة إلى الخارج، بنوعيها القانوني واللانظامي، في مقابل تقلص المشاركة في الفعاليات ذات الطابع الحزبي، أو المدني، أو السياسي، ما أحدث فراغاً لم تستطع المؤسسات الوسيطة ملأه، سواء مؤسسات الدولة أو التنظيمات الحزبية والمدنية.

ويبين أن “هذا الفراغ لم تستوعب الدولة أنه خادع، لأن اتساع دوائر الفقر والحرمان والإقصاء، مع غياب قوة اجتماعية يمكن أن توجه هذا الاحتقان، قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية لا يمكن توقع مآلاتها”.

ويضيف: “صحيح أن الدولة شرعت في مجموعة من الإجراءات الاجتماعية (السجل الاجتماعي الموحد، التغطية الصحية…)، لكنها تبقى قاصرة، لأنها غير مبنية على تشخيص واقعي من جهة، ولأن فعاليتها تبقى محدودة في ظل محاصرتها بشبكات الفساد والريع والرشوة”.

احتمال توسع مساحات الاحتجاج

وبحسب البكاري، فإن” كل المؤشرات، بما فيها الديمغرافية (اتساع نسبة الشباب في الهرم السكاني مع استشراء البطالة)، تقود إلى احتمال توسع مساحات الاحتجاج، ما قد تنتج عنه حركة، ليست بالضرورة شبيهة بحركة 20 فبراير، ولكن قد تكون أكثر تطوراً منها، سواء من حيث الامتداد الشعبي، باعتبار أن المطلب الاجتماعي له قدرة على التعبئة أكبر من السياسي، أو من حيث الأشكال الاحتجاجية والتنظيمية، مع الاستفادة أكثر من التطورات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي”.

ويتوقع الناشط الحقوقي أن يكون هناك تراجع على مستوى انخراط المعارضات الكلاسيكية، الإسلامية واليسارية، في التوجيه والمصاحبة والتأطير، وأن القيادات ستكون من خارج هذه المنظومات مع الاستفادة من تراكماتها، بـ”معنى أننا سنكون أمام موجة جديدة من التعبير المجتمعي، لم تتضح معالمها بعد، ولكن يمكن التنبؤ بها من خلال طرق تعبير الشباب في فضاءاتهم سواء المهنية أو الفنية أو الرياضية، وأنها ستكون أكثر راديكالية وأقل أيديولوجية، وأكثر اقتراباً من التمثلات المجتمعية السائدة”.

وبينما شهدت النسخة المغربية للربيع العربي، على امتداد السنوات الماضية، تحولات عدة وأفولاً لنجمها، يرى منسق “المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير” محمد العوني أنه وإن لم يتحقق الكثير على المستوى العددي أو ما يمكن رصده مادياً بعد “حركة 20 فبراير”، إلا أن ذلك لا يمنع من توثيق ورصد عدد من الأمور التي تحققت بشكل نوعي خلال سنتين من تأسيس “20 فبراير”، من أبرزها تحرير الفضاء العام، وكسر حاجز الخوف والاحتجاج بكل الأشكال، والتعبير المتنوع عن المجتمع.

ويضيف: “صحيح أن هذه التعبيرات تقلصت مع عودة السلطوية وبدء محاصرة الفضاء العام، إلا أن تلك العودة لم تكن في المستوى الذي كانت عليه قبل 2011”.

ويلفت العوني، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى استمرار التحولات الكبرى في المجتمع المغربي في اتجاه التقدم وتراجع المحافظة داخله، وحضور التعبير الاجتماعي، حيث برزت الحراكات في مناطق عدة، أبرزها “الريف” ومدينة جرادة، موضحاً أنه “رغم ما قيل عن الانتخابات، إلا أنه برز وعي سياسي لدى فئات عدة انخرطت بشكل مباشر أو غير مباشر في مواجهة الفساد الانتخابي”.

وعن مآل “حركة 20 فبراير” بعد 12 سنة على ميلادها، يقول العوني: “هناك من يقول إن الربيع العربي تحول إلى خريف، لكني أعتقد أنه قول نابع عن نظرة ترتبط بقراءة سطحية لما وقع خلال العقد الماضي”.

ويضيف: “من خلال قراءتي للتاريخ، اعتبرت دائماً أن الربيع الديمقراطي في المغرب هو فصل من فصول التاريخ، وليس من فصول السنة. النظرة التاريخية وقراءة التاريخ تؤشر إلى أن التحولات التي تعيشها الدولة والمجتمع في المغرب في اتجاه غرس المواطنة والطموح الديمقراطي ستعطي العديد من التغييرات. الحركة والحراكات قد تتخذ أشكالاً أخرى، ولكن أعتقد أن الاستمرار في الاتجاه نحو التغيير هو اتجاه التاريخ في المغرب وغيره”.

من جهته، يوضح القيادي في حزب “فيدرالية اليسار الديمقراطي” المعارض، عمر محمود بنجلون، أن “حركة 20 فبراير كانت عفوية، حيث التقى فيها اليمين واليسار للتعبير عن قناعات يحملهما الشعب المغربي، وحراكاً أدى إلى دستور عام 2011 الذي يعتبر متقدماً بالنسبة إلى الدساتير السابقة”.

الموروث حال دون الارتقاء إلى الديمقراطية

ويلفت بنجلون، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن العشرية الأخيرة اتسمت بتنزيل هذا التعاقد، لكن الموروث المؤسساتي والسياسي حال دون الارتقاء إلى الديمقراطية المنشودة، من خلال الممارسة الحكومية والتشريعية.

وبخصوص إمكانية ظهور حركة احتجاجية جديدة في الشارع المغربي، يرى بنجلون أن “الشعوب لا تموت كما قال ماكيافيلي، وأن من الخطورة بمكان أن يعتقد الحاكم عكس ذلك. فهي دائماً تواقة للتغيير والكرامة، لكن التكهن بالأزمنة والأمكنة والكيفيات لا يدخل في مجال العلوم السياسية”.

(العربي الجديد)

Share
  • Link copied
المقال التالي