Share
  • Link copied

في الحاجة إلى مدرسة هيسبانية مغربية

يوجد خلل في الإنتاج الفكري بين ضفتي مضيق جبل طارق. الفكر الإسباني حول المغرب غني بالدراسات والأطروحات ذات شتى المشارب، منها ما هو تصالحي مثل بلاس إينفانتي، ومنها ما هو تصادمي على شاكلة كانوفاس ديل كاستيو، وتوافقية مثل التي يؤمن بها خواكين أكوستا. وصدرت عشرات الروايات التي اتخذت من المغرب موضوعا لها. ويعد المغرب من المواضيع الرئيسية في البحث العلمي في الجامعات الإسبانية، وأنجزت أطروحات حول الهجرة والتاريخ المشترك وإشكاليات النزاعات الترابية ضمن مواضيع أخرى. وعلاوة على المجهودات الشخصية، تدعم الدولة الإسبانية ومنذ قرون مجهودات إرساء معرفة صلبة ومستمرة حول المغرب، نظرا للمكانة التي يحظى بها هذا الأخير في الأجندة السياسية الإسبانية. في المقابل، يوجد ضعف في الإنتاج الفكري والأدبي المغربي حول إسبانيا. وتسمى الدراسات حول إسبانيا والشعوب الناطقة بالإسبانية بالهيسبانية Hispanismo. ويفترض أن ينفرد المغرب بالريادة في مجال الدراسات الهيسبانية في العالم العربي لأسباب عديدة:

*أولا، القرب الجغرافي، وهذا جعل إسبانيا تحتل مكانة رئيسية في الأجندة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المغربية. ويتطلب هذا الحضور مواكبته بالدراسات للاسترشاد بها عند اتخاذ القرار.

*ثانيا، شكلت إسبانيا تاريخيا في المخيال المغربي ذلك «النصراني» المرادف للمسيحي/العدو الذي يغزو شواطئ المغرب، وتوجد دراسات تاريخية قليلة، لكنها لم ترق بالقدر الكافي إلى إنتاجات نظرية صلبة حول إسبانيا.

*ثالثا، خضع المغرب للاستعمار الإسباني منتصف القرن 20، وأسست إسبانيا مدارس كثيرة شمال المغرب كانت توفر التعليم بالعربية والإسبانية، وهذا كافٍ كأرضية لضمان استمرار إنتاج خبراء ومتخصصين في الدراسات الإسبانية.

والمفارقة أنه مقابل صدور عشرات الكتب التاريخية، التي ألفها مؤرخون إسبان حول تاريخ المغرب منذ خمسة قرون، لا يوجد ولا كتاب واحد ألفه مؤرخ مغربي حول تاريخ إسبانيا. ومقابل ما يفوق مئة رواية وقّعها مبدعون إسبان استلهمت وقائعها من المغرب والأحداث المشتركة بين البلدين، قليلة جدا هي الأعمال الإبداعية التي وقّعها مغاربة حول هذا البلد الأوروبي. ويتعاظم الاستغراب أمام غياب وعي كثير من المؤرخين المغاربة، بالدور الذي لعبته إسبانيا في التأثير في مسار تاريخ المغرب طيلة قرون. والاستثناء يبقى هو التركيز على الحضارة الأندلسية، والتناول المحدود للعنصر الموريسكي في التاريخ المغربي. وسجلت الجامعة المغربية دراسات قيّمة حول إسبانيا لم تعرف غالبيتها الطريق للنشر، وأسست الدولة معهدا للدراسات البرتغالية – الإسبانية يقوم بالدبلوماسية الموازية انطلاقا من الثقافة أكثر من البحث العلمي المتين. ورغم ذلك، نتساءل: هل راكم المبدعون والباحثون المغاربة إنتاجات تسمح بالحديث عن وجود مدرسة هيسبانية مغربية؟ الحديث عن مدرسة هيسبانية مغربية يعني وجود إنتاج فكري وإبداع أدبي كافٍ ومستمر، تسهر عليه الدولة والمؤسسات العلمية، إلى جانب مجهودات فردية. من جانب آخر، يجب التخلص من التصور الضيق بجعل الدراسات الهيسبانية تقتصر فقط على ما ينتج باللغة الإسبانية، بل يجب أن يعمّم على كل ما ينتج عن إسبانيا في المغرب، سواء أكان بالعربية أم الفرنسية. ومن باب المقارنة، تسمى الدراسات حول العالم العربي في إسبانيا بـ»أرابيسمو Arabismo، وتصدر باللغة الإسبانية وليس بالعربية لسببين رئيسيين، الأول وهو عدم قدرة معظم الباحثين الإسبان الكتابة والقراءة باللغة العربية، على الرغم من تخصصهم في العالم العربي. والثاني يتجلى في اشتراط الهيئات الممولة للدراسات حول العالم العربي، بضرورة صدورها باللغة الإسبانية ليستفيد منها أكبر قدر من المهتمين.

باستثناء الإبداع الروائي والشعري والنقد باللغة الإسبانية، يجب على الدراسات الهيسبانية في المغرب أن لا تبقى حبيسة اللغة الإسبانية، لأن هذا يحد من ارتفاع نسبة الباحثين المغاربة في الشأن الإسباني، ورغم ضعف دعم الدولة للدراسات الهيسبانية، فقد راكم الباحثون والمبدعون المغاربة، في الغالب بفضل مجهودات ذاتية، إنتاجا لا بأس به، يسمح بالحديث عن مدرسة هيسبانية وإن لم تكن صلبة بالقدر الكافي. ومن خلال جردنا للإنتاج المعرفي حول إسبانيا، سواء بالغة العربية أو باللغة الإسبانية، يمكن تقسيم المدرسة الهيسبانية المغربية إلى ثلاثة أقسام وهي:

مدرسة الإبداع: وتشمل المغاربة الذين يألفون روايات ويكتبون الشعر، أو النقد باللغة الإسبانية، ويبحثون في هذه اللغة. ومن ضمن الأسماء البارزة في هذا الصدد، نجد روائيين مثل محمد لعشيري ومحمد صيباري وبويسف الركاب وأحمد مغارة وشعراء مثل عبد الرحمن فتحي، وكذلك بعض النقاد مثل محمد أبركاش. وأصبحت إسبانيا محورية في إبداعات بعض الروايات باللغة العربية مثل الروائي حميد البجوقي المقيم في مدريد.

مدرسة الترجمة: ويعد المترجمون من الإسبانية إلى العربية ركيزة أساسية للحديث عن مدرسة هيسبانية، لدورهم كوسيط في نقل المعرفة بين عالمين، المغربي والإسباني في هذه الحالة. وكان هناك جيل من المترجمين إبان فترة الحماية واللاحقة ونذكر منهم عبد اللطيف الخطيب، الذي ترجم الكتاب المهم «تمرد الجموع» للفيلسوف أوتريغا إي غاسيت، وخلال العقدين الأولين من القرن 21، برزت أسماء مثل مزوار الإدريسي، الذي قام بترجمة أكثر من عشرة كتب أبرزها «رحلات علي باي» لدومينغو باديا، الذي يعد مركزيا لفهم صياغة صورة المغرب في المخيال الإسباني. وقام محمد المرابط بترجمة «يوميات شاهد على حرب افريقيا» لبيدرو أنتونيو دي. وتوجد ترجمات كثيرة ساهم فيها مثقفون مثل عمر بوحاشي ومحمد المساري وخالد الريسوني، وقام إبراهيم الخطيب بترجمة بعض أعمال خوان غويتيسولو.

مدرسة الباحثين: ويتعلق الأمر أساسا بالباحثين الذين يدرسون أوضاع إسبانيا الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والعلاقات الثنائية. ونتحدث هنا عن إنتاج فكر مغربي خالص من زاوية مغربية حول إسبانيا؛ يفيد المغرب، سواء كمجتمع أو مؤسسات رسمية في صنع القرار. وعلى رأس هذه المدرسة، نجد المؤرخ الراحل عزوز حكيم، الذي ألف عشرات الكتب باللغة العربية والإسبانية حول تاريخ العلاقات بين البلدين. وتميّز الدبلوماسي الراحل العربي المساري بإنتاج وفير، ومن مؤلفاته نجد كتاب «إسبانيا الأخرى»، وكتابه المهم «المغرب وإسبانيا: العلاقات الصعبة». وكتب أخرى جديرة بالذكر نجد «المغرب والحرب الأهلية» لبوبكر بوهادي، ويتميز مصطفى المرون بمقالاته وكتبه التاريخية حول فصول من العلاقات بين البلدين مثل كتاب «التاريخ السري للحرب الكيماوية في المغرب».

وأول شيء يستحب القيام به، لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، هو تطوير المغرب للدراسات حول إسبانيا، بالرفع من الاهتمام بالبحث العلمي، في مختلف جوانب الحياة الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية الإسبانية، بهدف تحقيق تراكم معرفي، كما وكيفا، ومسترسلا زمنيا يسمح بمعرفة الآخر «الإسباني» معرفة كافية.

Share
  • Link copied
المقال التالي