قام جلالة الملك محمد السادس بمبادرات جبارة، و أَلَحَّ على أولوية إنقاذ حياة الإنسان المغربي ، فَجَنَّبَ الوطنَ أهوالَ فواجع صحية و إجتماعية كبيرة. غير أن التدبير الحكومي المُهَلْهَل لحالة الطوارئ الصحية جعل خطر الوباء نائمًا. حيث تتَذبذب مؤشرات السيطرة على الجائحة، و لا تظهر بوادر الخروج الآمن من تهديدات عودة العدوى إلى ذروة التفشي.
هكذا تمضي أيام الجائحة . و مع كل يوم يَمرُّ ، تتزعزع الثقة في قدرة حكومة العدالة و التنمية على حسن التنزيل و التنفيذ للتوجيهات الملكية السامية ، و بلوغ مرحلة إخراج المغربيات و المغاربة من حالة الحجر التي قد تصبح غير صحية . وذلك بعد إقرار رئيس الحكومة المغربية بافتقاده لتصورات إستشرافية تلامس الحلول و تزرع التفاؤل و تشحذ الهمم و العزائم.
لا سيما أن إستمرار تفشي البؤر النائمة لفيروس كورونا، يثير أسئلة حول كيفية تخفيف تداعياته السلبية على الإقتصاد الوطني ، في سياق ضعف النمو الذي يُتوقع أن يستمر لفترة أطول، و تعثر المقاولات و تباطؤ الإنتاج ، و انخفاض التشغيل، و ارتفاع الديون.
و يظهر بشكل جلي، أن حكومة العدالة و التنمية إستنزفت رصيد المبادرات الملكية الحميدة. ثم إرتمَى رئيس الحكومة رفقة وزرائه في أحضان الخطاب التبريري الهلامي و اللاَّعقلاني عبر إصدار فتاوى ” الجهاد الأكبر” ضد الفيروس. حيث بدأت معظم المؤشرات تشي بخطر النكسة الكبرى:
1- الملايير من صندوق كورونا تسيل بسرعة ، و لم تصلْ إلى كل المحتاجين و لن تكفي لأزيد من شهرين!. و وفق منهاج عمل حكومة سعد الدين العثماني فإن رصيد الملايير من الدراهم سيَجِفُّ قبل أن يتوصل سعد الدين العثماني إلى إحداثيات الخروج الآمن من زمن الحجر و زحزحة حالة الطوارئ الصحية.
2- الملايين من المواطنين يتراخى إلتزامُها لأنها بدأت تفقد الثقة في جدية و جدوى القرارات الحكومية، و أيضا لأنها صارت عرضة لأمراض نفسية كالإكتئاب و الضجر المنزلي. و مع ارتفاع حرارة الصيف لن يستطيع المغربيات و المغاربة المكوث بالمنازل ، و قد يخرج الناس عند لحظة الطيش أو بحثًا عن لقمة العيش بلا تأطير و بلا احتياطات وقائية مما يهددنا بخطر النكسة الوبائية الكبرى.
3- الألاف من المقاولات تنهار مُوجهةً أنظارها إلى صندوق كورونا من أجل إنقاذها. و هذا ما يتطلب رد فعل حكومي سريع لامتصاص الصدمات الواضحة، و تبديد تخوفات المقاولين من إحتمالات الإفلاس حال تفاقم أزمة جائحة كورونا.
4- في ظل غياب مقاربة إستِشْرَافِيَّة واضحة تُشجع البنوك المغربية على لعب الدور الرِيادي و القيادي للنهوض من أوحال الأزمة الراهنة. قد يَتَعَسَّر ضمان السيولة من خلال الحفاظ على تكلفة اقتراض منخفضة و توفير الائتمان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
هكذا -إذن- يتمظهر السيناريو الأول عند إحتمال السيطرة على تفشي الفيروس حيث سيرخي الركود الإقتصادي سُدولَهُ، و لكن على الأقل سيكون تأثيره قصيرا إلى متوسط المدى. أما السيناريو الثاني ، فيتجلى عند الفشل في الخروج من حالة الطوارئ الصحية. مما سيطيل الأمد الزمني لِتَعَطُّل العلاقات الاقتصادية بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي لأشهر أخرى، و سيستلزم النهوض وقتًا طويلًا حتى يتعافى الإقتصاد الوطني. و قد تضطر المقاولات المغربية إلى الإغلاق بسبب انخفاض الإيرادات. و في حالة إعلان إفلاسها، قد يصبح من العسير إعادة إنشاء الائتمان و العودة إلى العمليات العادية.
لذا نجد أن تعامل رئيس الحكومة المغربية مع جائحة فيروس كورونا كان بمثابة اختبار لسياسات الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب العدالة و التنمية الحزب المتصدر لنتائج الإنتخابات، و لم يكن مجرد مسألة تدبير لأزمة مستجدة. و كان المفروض أن يجتهد العقل الحكومي كَيْ ينتجَ ردّ فعل سياسي إزاء أزمة فيروس كورونا، و يطرح برنامجا تعديليا لقانون المالية و للسياسات الاقتصادية ، و لأولويات التنمية ، و شروط الكفاءة و الفعالية و الإرادة السياسية.
إلاَّ أنَّهُ بات من الواضح أن حكومة العدالة و التنمية تعجز عن إبتكار آلية دفاعية فعالة في مواجهة أزمة كورونا المتعددة الأبعاد. و بعد خطيئة مشروع قانون 22.20 الذي نسف أركان اللحمة الوطنية بعبثية مشبوهة ، هَا قد إنكشفت عورة الإخفاقات إثر فاجعة التواصل السيء بين رئيس الحكومة و المواطنين. و ذلك فيما يتعلق بتبيان تصوره لمواجهة إستمرار تفشي الوباء ، و بسطه للتدابير المقترحة للتخفيف من التأثيرات السلبية. حيث أثبت سعد الدين العثماني -مرة جديدة- أنه عديم القدرة على رد الفعل السليم حين تدعو الحاجة إليه !.
و قد ينعكس هذا التيهان الحكومي بتداعيات خطيرة على الفئات الأكثر تأثُّرًا في المجتمع ، بل سيزيد من ارتفاع عددها و من حدة الانقسامات الطبقية في المجتمع المغربي ، و من تعقيد الاستجابة لخطط محاصرة الفيروس و توفير الأمن الغذائي و دعم الطلب. حيث أن فئات واسعة من المجتمع لن تستطيع التَّأَقْلُم من جديد مع التدابير الإضافية الضرورية لوقف انتشار الفيروس، و لا يمكنها الصمود إن تم تمديد مدة الحجر الصحي في البلاد من دون تقديم مساعدات مالية.
و في الختام ، لا بد من التنبيه إلى أن أوضاع الأزمة متقلبة و لا توجد وصفات جاهزة. فكل حكومة تتعامل مع مواجهة تداعيات فيروس كورونا بأسلوبها الخاص و بإمكانياتها الذاتية و معطياتها الموضوعية. غير أن الفشل الذريع لحكومة العدالة و التنمية ، و إنعدام قدرتها على رد الفعل العقلاني أمام تزايد بؤر الضعف السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي، و أمام عدم إنجازها للمُستطاع الممكن في مواجهة تعقيدات التحديات. هذه جميعها تجسد إرهاصات الإنذار الأخير لِفَهم ما قد يترتب عن استمرار حكومة سعد الدين العثماني في الإشراف السياسي على تدبير أزمة الجائحة على جميع المستويات.
و منه ؛ نختم بالتأكيد على أن كسب الجولة الثانية من معركة كورونا ينطلق من ضرورة إلتزام سعد الدين العثماني بخصال الوطنية الصادقة و المواطنة الحقة ، و تعجيلِه بتقديم الإستقالة من منصب رئيس الحكومة. و ذلك من أجل التوجه العقلاني لتيسير عملية تشكيل حكومة إنقاذ دَرءاً لخطر النكسة الكبرى!.
تعليقات الزوار ( 0 )