الدين والتدين والإيمان بالله ضرورة حيوية وأساسية مرتبطة بالوجود الانساني والطبيعة والفطرة لا غنى عنه لتحقيق التوازن النفسي والروحي والمادي ،والنجاح الدنيوي والخلاص الأخروي.
لكن هذا لا يلغي حقيقة وهي أننا في الوقت الذي لا نكترث فيه لمعاناة الآخرين ممن يتعرضون للإهانة والإقصاء والظلم ، ولا نهتم للحقيقة والعدالة والانصاف، نعوض نفسيا عن هذا النكوص والردة. القيمية بأن نختبئ ونخدع ضمائرنا ، بالانطواء والانكفاء على الذات وبدل أن يكون التدين حافزا للمقاومة. والايجابية يصبح وسيلة سهلة للهروب الجماعي من الواقع المر ، فليس أخلاقيا أن يتم الخداع بالتدين فنجمع في ذواتنا بين الملاك والشيطان والضحية والجلاد ، الى درجة أن نصبح مرضى نفسيين بالسكيزوفرينيا، وانفصام الشخصية.
نحن الآن نصوم نهارا ، ونصلي ليلا في حماسة كبيرة خلال هذا الشهر الكريم فترى الناس أفواجا أفواجا بالمئات والآلاف، ،تملأ المساجد شيبا وشبابا، وذلك في ظاهره أمر جيد ومطلوب لتزكية النفس وتطهير القلب، من الذنوب، والخطايا ومعالجة النفس بالتوبة والندم ، لكن حقيقتنا مع الأسف لا تتغير وهذا بطرح علينا سؤالا فلسفيا ومصيريا، حول مصداقية جوهرانية فعل التعبد؟
وحول مفارقة اجتماع العابد الفاسق، والزاهد الفاسد في شخصية واحدة تروم النجاة دون نضال وتضحيات حقيقية، ودون خسائر مادية مكلفة فالمتدين الظاهري يريح ضميره بمجرد تطبيق الشعائر ، التي يعتقد أنها طريق سهل ومضمون للجنة وفي نفس الوقت هو طريق غير مكلف له، في حياته اليومية ،فيصير مجرد رياضة روحية ،أو حصص تنفيس ضغط عصبي، فأكثرية من متعبدي رمضان يشترون بالصيام والتراويح راحة بالهم ، بل إن السؤال يصبح أكثر إشكالية وعمقا ، حول مدى مصداقية علاقة المغفرة بأداء العبادات، والخلاص مقابل عدد الركعات وقراءة القرآن دون تأمل وتدبر والدعاء دون الاهتمام بالسلوك، والفضيلة إلى درجة تتحول العبادة في حد ذاتها، إلى طريقة تستعمل للمحو الدائم للأخطاء وأحيانا الجرائم.
وهذا مخالف لصريح آيات بينات نصت على ضرورة توافق الظاهر مع الباطن وضرورة تقديم الضريبة عن الأخطاء لصحة التوبة وارتباط النية بالفعل، والإيمان بالعمل ، لكن الواقع القائم فينا. يتمثل في أنه ما أن يتوارى إلى الخلف شهر الصيام، حتى تعود حليمة الى عادتها القديمة ولا يتبدل شيء في قرارة أنفسنا، فهذا التدين الشكلي لا يغير. في أصحابه شيئا ، ولا يؤثر عليهم في أن يصبحوا صالحين ، نصوم عن الأكل ولا نصوم عن الرشوة ، وعن الكذب والخيانة واقتراف الشهوات وبيع الضمير والمبادئ من أجل تحقيق المصالح الشخصية والمنافع والمغانم مع الأسف لقد حولنا رمضان الى زمن لمحو جرائمنا وفسادنا خلال باقي أشهر السنة، فتركنا الأعمال التي تحقق الخير والنهضة والتقدم وفرطنا في القيم الأخلاقية وتمسكنا بالطقوس والعبادات وكأننا نبرم صفقة ومقايضة مع الخالق، فهو سبحانه يغفر لنا ونحن دائما ما نعود إلى نفاقنا وبشريتنا.
وحين يجد الجد نتخاذل عن المقاومة والنضال من أجل الحقيقة والانصاف ، ونصمت خوفا وجبنا من أن نصدح بالحق. وبدلا من ذلك نصطف الى جانب الباطل ونتحالف مع الفساد، خنوعا وعبودية وذلا، فما أتعسنا ، لأننا بذلك نخسر الدنيا والآخرة .ما لم يتداركنا الله برحمته.
تعليقات الزوار ( 0 )