جميل ما طبع وسقى أغنية مغرب أمس حيث ستينات وسبعينات وكذا ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت هذه الأغنية (العصرية) مساحة ابداع وفن ورسالة وشدو لا غير، فضلا عن تعبير نغمي راق جمع بين تكامل كلمة / زجل/ شعر/ وصوت وأداء ولحن مغربي اصيل متقن. ما يبدو أنه انتهى وبات معه حال أغنية البلد بنوع من الشفقة، لِما هناك من تغير وتراجع وبؤس وتسطيح باد، وما بات أيضا يتقاسم هذا المكون الثقافي من تنازع أهواء وتعدد رؤى وتوجهات وقراءات وخيارات ومشارب، فضلا عن بيئة زادت من أفوله وتدرج أزمته خلال العقود الأخيرة، لدرجة حنين حتى الجيل الجديد/ الناشئة لِما كانت عليه أغنية امس من أسماء وتجارب، ولِما طبع هذه الأغنية من قيمة فنية وتيمة وطنية وحس رومانسي وخيالي وتأملي و.. و، وعيا ايضا من جيل المغرب الجديد هذا بما هي عليه أغنية امس من مرجع وذاكرة فنية جماعية، بات ينظر اليها كونها عنصرا من عناصر تراث افتقد اليوم.
ومن خلال تأمل سريع وبسيط في مشهد المغرب الغنائي الحالي، غير خاف ما هناك من تعدد أصوات…، يشعر الكثير وكأنها مفروضة في اشكالها وحركاتها وحديثها وخرجاتها، مع كثرة ظهورها بمناسبة وغير مناسبة (فضاء ازرق خاصة ..). وفي علاقة بكائن نمط أغنيتنا، بات الامر بأسئلة عدة وعجب وحيرة رأي عام معبر، أسئلة من قبيل من هم هؤلاء؟ ومتى ظهروا وصاروا (نجوما)؟، وكيف أنه منهم من يعتبر نفسه فارس الأغنية المغربية الذي سيعيد لها مجدها وهيبتها وجمالها، بل منهم من يقول أنه أعاد لها كل هذا وذاك؟، ومنهم من يعتبر نفسه أنه بقدرة من شأنها إحداث ثورة في هذه الأغنية؟، ومن يقول أنه “الظاهرة” القادرة على إحداث تجديد وجديد في هذا وذاك من مستوياتها؟. وينضاف لهؤلاء المؤثثين من يقول أنه هو من انطلق بالأغنية المغربية للعالمية؟. والواقع أنه لا شيء لا من هذا ولا ذاك، وأنه عند التأمل في ذات الأغنية المغربية وواقعها عموما، لا نجد سوى ما هو ايقاعات فضلا عن ركاكة أنغام وتكرار واجترار وابتذال كلمات و.. و.. مما يبعث على صور بؤس ونمط وملل، وما هو بلا معنى في أحسن الأحوال.
ولعل من الفاعلين في المجال ومن المهتمين بشأن الأغنية المغربية ومنهم اعلاميين، من يقول أن موجة الغناء الشبابي كطابع حديث، كان وراء ما بلغته هذه الأغنية من تراجعات. وهنا السؤال ألم يغني الرواد هذه الأغنية الشبابية في زمنهم حيث الستينات والسبعينات والثمانيات، أليس ما غنوه في شبابهم ضمن موجتهم لا يزال بقيمة وهيبة وجمال تردده الأجيال وتعشقه، بل يتنافس في تقليده الجيل الجديد من المغنيين (المطربين)، نظرا لِما هناك من رسالة فنية وأفق تعبير وبلاغة صورة وكلمة ولحن. وعليه، ما يسجل من اقبال على أغنية مغرب أمس، ومن عودة للطرب المغربي الأصيل وما كان يؤثثه من أصوات طربية، أغنت الخزانة المغربية بأعمال جمعت بين زجل وشعر جميل وأداء فصيح رفيع، فضلا عن ألحان بقدر عال من الابداع. ولعل من خلال واقع الأغنية المغربية وما هي عليه من وضع لا تحسد عليه، يمكن إدراك ما كانت عليه أغنية مغرب أمس حيث سنوات ما قبل الاستقلال ومعها فترة ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، وإدراك كيف اصبحت هذه الأغنية الآن وكيف هوت، لشدة ما أصابها من وهن فني. ليتبين أن أغنيتنا لم تعد بأبعاد موسيقية وفكرية وإنسانية ورومانسية وجدانية ..، وكيف أنها كانت في ماضيها بمواهب وابداعات وفن من أجل الفن، مقابل ما افتقدته من شكل مضمون موسيقي ..، لدرجة السؤال حول مستوى اغنيتنا الحالية عموما؟ وماذا قدمت في نهاية مطافها مادام أنها شبه متشابهة في جدلها؟ وكأنها واحد أوحد في لحنها بخلاف ما طبع مادة أغنية مغرب أمس الموسيقية، ذلك الذي تفتقر اليه تجارب اليوم التي يحق معها السؤال حول هل انتهت حقا الاغنية المغربية الى خبر كان؟ وهل يمكن أن نهنئ انفسنا على واقعنا الموسيقي في علاقته بالأغنية المغربية، الواقع الذي لا يرتفع وكذا لا نحسد عليه؟ وهل من الأغنية المغربية العصرية لم يبق سوى صور ومواعيد تقليد خلف لسلف؟.
تعليقات الزوار ( 0 )