Share
  • Link copied

فورين أفيرز: كوميديا الأخطاء الدولية هي من أوصلت السودان إلى هذه الكارثة

وصف باحث في شؤون السودان ما يجري في البلد بأنه قتال عصابات والعالم يهرب منه.

وقال أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس بمقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” إن الولايات المتحدة أجلت في 23 أبريل دبلوماسييها مستخدمة المروحيات وتبعتها الدول الأجنبية، حيث يشهد السودان مواجهة فوضوية بين الزعيم الفعلي الجنرال عبد الفتاح البرهان ومنافسه المدجج بالسلاح الجنرال محمد حمدان دقلو، حميدتي، ولا أحد يعرف متى سيعود الدبلوماسيون.

وقال إن قتال العصابات هو رد فعل منطقي لاستخدام الأسلحة الثقيلة في شوارع العاصمة الخرطوم، حيث اختبأ سكان العاصمة في بيوتهم وفوقهم حلقت الطائرات والمروحيات ودارت معارك حامية في الشوارع وتحولت عدة مبان إلى أنقاض.

وتوقف إمداد المياه والكهرباء تصل بشكل متقطع وتعاني المستشفيات من أزمة. وفي مدينة يسكنها 7 ملايين نسمة لا يوجد مخابز عاملة ولا إمدادات طعام ولا أسواق مفتوحة لأكثر من أسبوع.

وأوقف برنامج الغذاء العالمي عملياته بعد مقتل 3 من موظفيه، وتم نهب مجمعات الإغاثة. إلا أن الخروج الأجنبي من السودان يعكس واقعا مظلما. ففي الوقت الذي سارعت فيه الولايات المتحدة والدول العربية والأوروبية لإنقاذ مواطنيها إلا أنها لم تقم إلا بجهد أقل لوقف القتال ومساعدة السودانيين.

وحاولت الولايات المتحدة والسعودية لي ذراع الجنرالين للموافقة على هدنة 72 ساعة لكنها خرقت بعد ساعات. وشكلتا إلى جانب الإمارات العربية وبريطانيا رباعية من الحكومات التي كانت تدعم المفاوضات مع البرهان وحميدتي والعودة إلى الحكم الديمقراطي بعد انقلاب تشرين أكتوبر 2021.

وكان فشل الرباعية بالسيطرة على الجنرالين سببا في المواجهة الحالية، فبلد كان قبل عدة سنوات على حافة تحول ديمقراطي طال انتظاره يجد نفسه أمام حرب أهلية كارثية.

وتتفق الدول الغربية وجيران السودان العرب والأفارقة وكذا الصين وروسيا على أن الحرب كارثة. والفشل في وقفها هو شجب للنظام الدولي المتعدد القطبية وبخاصة الرباعية التي من المفترض أنها تحرك المفاوضات.

ولو انزلق السودان لحرب أهلية شاملة أو لم يتم وقفها بشكل سريع فإن المبدأ الذي يغطي عمليات الإجلاء الدولية – كل واحد لنفسه- سيكون هو عنوان اليوم. وكزعيمي فصيلين كبيرين يمكن فهم البرهان وحميدتي على أنهما رئيسا كارتل أصحاب المصالح، فالبرهان هو قائد القوات السودانية المسلحة ونصب نفسه رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي ويقدم نفسه على أنه رئيس دولة.

وقاد في 2019 “كابال” من الجنرالات الذين أطاحوا بعمر البشير واستبدلوه بإجراءات تشارك عسكري- مدني. وكان حميدتي متآمرا، ولكنهما قاما في أكتوبر 2021 وأمام موعد تسليم السلطة للمدنيين بانقلاب أطاح برئيس الوزراء المدني، عبد الله حمدوك.

وكانت قيادة البرهان منذ وقت لا تبشر بخير، إذ تنقصه الجاذبية والطاقة وكان أداؤه العام فاترا، إلا أن قيادته تحتوي على قواعد مصالح عسكرية وتجارية والتي يطلق عليها الديمقراطيون السودانيون اسم “الدولة العميقة”، وهي شبكة من المحسوبية الرأسمالية التي تضم بنوكا وشركات اتصالات يملكها إسلاميون ورجال مخابرات إلى شركات يملكها الجيش في قطاعات عسكرية وإنشاءات وزراعة ونقل. وقاد البرهان انقلابه في وقت كانت هيئة مدنية مكلفة بالتحقيق في الفساد وتفكيك المؤسسات التابعة للنظام السابق تجهز تقريرها.

وكان أول عمل قام به هو حل اللجنة ومصادرة الوثائق. وتظل قوة البرهان العسكرية محلا للنقاش، فالقوات السودانية المسلحة لديها مظهر الجيش المحترف، لكنها لم تنتصر في أي من الحملات التي خاضتها في جنوب السودان والنوبة ودارفور رغم الفرص التي أتيحت لها. ولديها تحالف مع مصر وينتمي ضباطها للنخبة المعروفة إلا أن جنودها من المجتمعات المهمشة والفقيرة والمعنويات عادة ما تكون متدنية.

ولكن البرهان ارتبط بجماعات النظام السابق الذي ترى فيه رهانها الوحيد لاستعادة السلطة، ويرى الكثير من السودانيين أن لهم يدا في قتال البرهان- حميدتي. وبعد أسبوع من القتال اقتحمت السجون وخرج أعضاء النظام السابق حيث عبروا عن دعم للبرهان. ولو انتصر البرهان فمن المحتمل أن يعيد الحكم الديكتاتوري لسلفه.

لكن عدو البرهان، حميدتي لديه قوة ذاتية، فهو قائد قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية مستقلة عن الجيش. وشارك في التخلص من البشير عام 2019 وأظهر طاقة وطموحات بحيث خيم ظله على ظل رئيسه ويدير شبكة تجارية كبيرة وأقام علاقات مع القوى الأجنبية.

وخرج حميدتي من جماعة الجنجويد سيئة السمعة. وعندما اكتشف البشير قبل 20 عاما أن القوات المسلحة لا تستطيع هزيمة المتمردين في دار فور حرف نظره نحو ميليشيات إثنية لمكافحة التمرد. ونهبت جماعات الجنجويد وحرقت وقتلت في دار فور في حملة وصفتها الولايات المتحدة بالإبادة.

وفي عام 2013 منح البشير الصفة الرسمية عليها وغير اسمها لقوات الدعم السريع رغم اعتراض قادته العسكريين، وفاقم من خطئه عندما طلب من حميدتي الذي أطلق عليه حاميه، نشر قواته في الخرطوم لمواجهة المتظاهرين. وأثبت حميدتي خلال 15 عاما من الحرب قوته العسكرية ومواهبه التجارية، فقد سيطر على مناجم الذهب وهزم القادة المنافسين له وعرف كيف يتعامل مع قادة التمرد الذين غيروا ولاءاتهم وباعوها لمن يدفع أكثر.

كما وأقام علاقات مع قوى في المنطقة حيث أرسل مقاتليه لليمن نيابة عن السعودية والإمارات وأقام علاقات مع خليفة حفتر، قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي وشركة المرتزقة الروسية، فاغنر. وقوات الدعم السريع مدربة جيدا ومنضبطة ومسلحة. واستفاد من الفوضى التي تبعت الانقلاب ضد البشير ووسع تجارة عائلته في الخرطوم، وحاول أن يصور نفسه كمدافع عن المهمشين من خلال الحديث برطانة أهل غرب السودان.

وأثبت أنه انتهازي، فمع أنه دعم البرهان في انقلابه إلا أنه حاول إبعاد نفسه عن الحرس القديم ووصف انقلاب 2021 بالخطأ. وبنى علاقات قبل المواجهة الأخيرة مع البرهان مع الأحزاب المدنية مقدما نفسه على أنه الوحيد القادر على منع عودة نظام كالبشير. ولو انتصر فإن ما سينتج عنه نظام فاسد شعبوي لن يفعل الكثير لحل مشاكل وأزمات البلاد والجوع والبطالة.

ويمثل القتال الحالي وقفا للتحول الديمقراطي، فقد كانت شجاعة المدنيين السودانيين وراء خروج البشير من السلطة، وهو الرئيس الذي حاول كل رؤساء أمريكا التخلص منه منذ جورج دبليو بوش، فقد دعم صدام حسين في حرب الخليج وسمح لزعيم القاعدة الإقامة في السودان لعدة سنوات وارتكب فظائع في دار فور.

وكشفت انتفاضة 2019 عن عدم خضوع المدنيين للعسكر الذين نفذوا مع الدعم السريع مجزرة ضد المتظاهرين في الخرطوم، وحتى بعد انقلاب 2021 منعت شجاعة المدنيين الجنرالين من الحصول على الشرعية. إلا أن المدنيين تركوا لوحدهم بدون مساعدة.

وفي يوليو 2019 وقبل توليه منصب رئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية، لم يكن أمام عبد الله حمدوك إلا بضعة أشهر لوقف الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. وقال للكاتب إنه لا يريد أن يكون مجرد صراف يشرف على آلة صرف في دكان في وقت يقوم رؤساء العصابات بالاتفاق على صفقات بالغرف الخلفية.

وفي الحقيقة وقف الغرب مراقبا لما حدث. وعندما تولى حمدوك السلطة فوضت إدارة دونالد ترامب سياستها بالقرن الأفريقي لحلفائها المفضلين في الشرق الأوسط، السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ولم يكن أي منها راغبا برؤية ديمقراطية حرة في الشرق الأوسط، ولهذا فضل كل طرف التحدث مع الجنرال المفضل له.

وشجعت إدارة ترامب المقايضة التي قام بها بنيامين نتنياهو مع البرهان الذي وافق على الانضمام لاتفاقيات إبراهيم مقابل شطب السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب. ورفعت العقوبات في الأيام الأخيرة من ترامب وبعد عام تقريبا، وكان الوقت متأخرا.

ولكن اللامبالاة لم تقتصر على الإدارة الأمريكية، فالسناتور الديمقراطي روبرت ميننديز أصر على دفع السودان تعويضات لضحايا الجنود الذين قتلوا في تفجير كول عام 2000 وأن السودان مسؤول باعتباره استضاف أسامة بن لادن. وعندما قرر البرهان وحميدتي القيام بانقلاب عام 2021 قررا عمل هذا بعد ساعات من رحيل جيفري فيلتمان، المبعوث الخاص للقرن الإفريقي.

وهذا لأن إدارة بايدن قررت مواصلة السياسة السابقة والتواصل من خلال الحد الأدنى. وغادر فيلتمان منصبه بعد فترة قصيرة ورفضت وزارة الخارجية فرض عقوبات على المصالح التجارية للجنرالين، ورغم تعليق البنك الدولي مساعدته إلا أن الجنرالين لم يواجها تداعيات ما فعلاه.

وبدلا من ذلك شجعت الولايات المتحدة وبقية الرباعية على المفاوضات مع المدنيين برعاية الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الأفريقية حيث أكدوا على ضرورة الحوار السوداني ولكنهم فشلوا في اكتشاف أن العملية السياسية بحاجة إلى حراسة دولية.

وفي الوقت نفسه ظلت الحركة المؤيدة للديمقراطية بدون قيادة جذابة، ولم يعد حمدوك الذي اعتقل ثم أفرج عنه ووقع على اتفاق فاشل مع الجنرالين واستقال فيما بعد، في الصورة. ونظرا لتباين مواقف الجماعات التي تشكل الحركة المدنية فقد كانت عرضة للانقسام وهدفا للجنرالين للتفريق بينها.

وتم التوقيع في ديسمبر 2022 على اتفاق إطاري يقود إلى إدارة مدنية وجدول زمني للانتخابات في عامين. ومن الناحية النظرية كان دمج القوات المسلحة تحت قيادة واحدة أمرا سهلا، واتفق الخبراء الأمنيون والعسكريون الغربيون على هذا الخيار، مع أن المشكلة في السودان ليست أمنية بل سياسية لأن الفصائل المسلحة تابعة لمجموعات مصالح كل واحدة تريد أن تهيمن على مجالها.

ولا يتعلق الأمر بدمج الدعم السريع في عامين أو عشرة أعوام، مع أن البرهان كان يريد مدة قصيرة لحرمان حميدتي من الفرصة لإعادة تشكيل نفسه وخياراته. وبعد ضغوط من الوسطاء، فقد كان الأول من إبريل 2023، هو موعد توقيع الاتفاق، مع أنه كان بمثابة لعبة محصلتها صفر ومدعاة للانفجار.

ومع إخفاء المتنافسين نواياهما عن الوسطاء الذين فشلوا في قرع جرس الإنذار انفجر الوضع. ولا يعرف من أطلق الرصاصة الأولى في 15 إبريل، وهذا ليس مهما. وعند هذه النقطة لم يكن لدى الوسطاء ما يعملوه. كانت الثورة التي أطاحت بالبشير محملة بالوعود لكن أحلامها تبددت اليوم.

أما لجان المقاومة التي قادت المقاومة الشعبية فأعادت تشكيل هدفها وتحولت إلى المكون المدني الفاعل في غياب الحكومة، لكن من الصعب معرفة كيف ستواصل عملها منذ اندلاع القتال وتدفق السودانيين نحو الحدود المصرية ودول أخرى.

ويعيش السودانيون شكلا رهيبا اليوم، فبعد اندلاع القتال وعد كل طرف بالنصر الحاسم في أيام ولم يحدث هذا، وكما أظهرت الأسابيع الماضية فلا أمل بوقف سريع لإطلاق النار ومن الصعب معرفة متى سيتوقف القتال، ومن المتوقع أن تقل وتيرة القتال ولكنه سينتشر في مساحات أوسع، وربما تشرذمت القيادة والتحكم، ولو طال أمد الحرب فقد تتحول الى نزاع بين الإثنيات وربما تم استهداف المدنيين على الهوية. وفي هذا الوضع سينتشر الجوع بين الملايين وربما أجبر الملايين على الفرار.

ولا طرف دوليا يريد هذه الحرب، ربما كان لدى الدول الخارجية الطرف المفضل لها في الحرب: أمريكا، روسيا، مصر والإمارات العربية وربما قررت دعم الخيار الأقل سوءا. وتدعم مصر البرهان، ولدى قطر وتركيا الأطراف من الحرس القديم بين الإسلاميين الذين كانوا عصب نظام البشير.

ودعمت الإمارات حميدتي. وهناك في واشنطن لديهم من يرونه طرفا مفضلا بناء على فكرة “الاستقرار” وقد يفضلون البرهان، أما فاغنر فتفضل حميدتي وتجارة الذهب وربما دفعت موسكو لدعمه. وفي اللحظة العابرة، بعد أسبوعين أو أكثر فسيكون الإجماع الدولي هو نهاية الحرب.

وأثبت المفاوضون الدوليون قدرة على التواصل مع الجنرالين لتأمين خروج الأجانب أو التوقف للحظة، ولو زعموا أنهم لا يملكون نفوذا أو لا يستطيعون الوصول إليهما، فهي محاولة لتوفير الغطاء لعدم التحرك. وهناك نافذة لكي تقنع فيها الولايات المتحدة والسعودية الطرفين على وقف القتال والضغط على مصر والإمارات التوقف عن دعم الطرف المفضل لهما، بطريقة تركز فيها الولايات المتحدة على دعم الحركة الديمقراطية التي خانتها بدون خجل.

(القدس العربي)

Share
  • Link copied
المقال التالي