قد يعتقد البعض أن وجوب الطاعة والعبادة والامتثال والانقياد لله ـ عز وجل ـ في أوامره ونواهيه عام، بمعنى أنه يجب على الناس كافة دون استثناء.
وفي الحقيقة، فإن التكليف بالعبادة والطاعة موجّه إلى فئة خاصة من الناس، وهم ما يطلق عليهم مصطلح (المكلفون)، وإن الله تعالى لم يكلف عباده إلا بعدما منحهم القدرات والإمكانات للقيام بما يأمرهم، لذلك قال عز من قائل: «ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون»، وإن من دلائل تكريم الله لخلقه تحميلهم أمانة التكليف، ليكون الإنسان بعدها مسؤولا عن أفعاله: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا».
تكليف الإنسان وعدالة الله
إن مفهوم التكليف الشرعي في نظرنا هو ما كلفنا الله به، وأوجب علينا فعله أو تركه شرعا، والمراد بـ(شرعا) أي مستندا إلى الأدلة المبينة والمستنبطة من المصادر الشرعية؛ لذا سمي بالتكليف أو الواجب الشرعي، ومن عدالة الله سبحانه وتعالى أنه لم يجعل التكليف مطلقا، بل هناك شروطا منها خاصة وأخرى عامة، إذا تمت واكتملت أصبح الإنسان مكلفا من قبلِ الله بالأحكام الشرعية، فيثاب على فعلها إذا طبقها وانقاد إليها والتزم بها، ويعاقب على تركها إذا خالفها ولم يعمل بها، على رأسها إبلاغ الناس وإعلامهم بالتشريع عبر الأنبياء والرسل، لإقامة الحجة الشرعية عليهم؛ قال تعالى: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا».
كما يشترط في التكليف أن يكون الإنسان عاقلا، بمعنى واعيا مدركا ومميزا بين النفع والضرر، والتكليف يكون في حدود طاقة المكلف؛ بدليل حكم العقل القطعي بأن فاقد الشيء لا يعطيه، وآخر الشروط وجوب بلوغ الإنسان سن التكليف التي حددتها الشريعة الإسلامية فالأطفال غير مكلفين.
السماحة واليسر في التكليف
يعتقد البعض بمجرد سماعه كلمة تكليف أن الأمور معقدة وصعبة، لكن المطلع على نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة يطمئن ويرضى، بل ويقبل على عبادة الله بحب وسكينة وإخلاص، لذلك من الأفضل أن ينظر الإنسان إلى التكليف بأنه تكريم من الله لعباده، ولا يوجد في كتاب الله آية واحدة إلا ودلت على التيسير في الدين: «يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا». فلا تعصب ولا تشديد، «ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا»، بل هو القائل جل في علاه: «ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون».
كما أن نبينا الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار ـ كان أكثر الناس حرصا على تسهيل الأحكام على الناس، حتى لا يكونوا في مشقة وهو القائل صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة». فمن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الدين ولا يحفظ إلا بالمنهج الوسطي: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا»، فلا إفراط ولا تفريط.
ومن هنا يتضح أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ عادل في تكليفه ولم يكلف عباده ما لا يطيقونه، ولا شك أن العبادة تحتاج إلى الصبر والإرادة، فقد جعل الله للصابرين أجرا وفوزا عظيما»، «وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين».
تعليقات الزوار ( 0 )