قال تقرير أمريكي، إن العلاقات بين الجزائر والمغرب تشهد أزمة دبلوماسية طويلة الأمد دون أي بوادر لحل قريب، حيث يدخل البلدان العام الجديد بتوقعات متباينة ومواجهة خطر متصاعد، وإن كان محدودًا، لحدوث تصعيد غير متعمد.
وأوضح موقع Pass Blue الأمريكي، يومه (الخميس) أن هذه التوترات تنبع من تصور الجزائر لزيادة انعدام الأمن في المنطقة، وسياسة المغرب الخارجية الواثقة والمقدامة، مما يهدد أحيانًا بإشعال مواجهة غير مقصودة حول الصحراء المغربية.
وعلى الرغم من أن ضبط النفس المتبادل والتدخل الأمريكي قد منعا حتى الآن حدوث صراع مباشر، إلا أن إعادة انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة قد يغير ديناميكيات التوتر بين الجارين.
ومع تراجع الدور الأمريكي كوسيط مهدئ، قد تصبح العواقب الأمنية للحوادث المستقبلية أكثر صعوبة في الإدارة، ما لم تتحمل الحكومات الأوروبية الدور الذي لعبته الولايات المتحدة سابقًا في المنطقة.
أزمة تحت السيطرة
وتعود جذور الأزمة الحالية بين الجزائر والمغرب إلى غشت 2021، عندما علقت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بعد سلسلة من الحوادث المتعلقة بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، واتهامات بدعم استقلال منطقة القبائل، ذات الأغلبية الأمازيغية في الجزائر.
وبحسب التقرير، فإن خلف هذه الأحداث تكمن تصورات الجزائر لزيادة انعدام الأمن، مدعومة بتدخل عدة فاعلين أجانب (مثل روسيا وتركيا) في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، بالإضافة إلى السياسة الخارجية الحازمة للمغرب. وبالنسبة للجزائر، فإن تطبيع العلاقات والتعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
الصحراء الغربية المغربية: مسرح عسكري محفوف بالمخاطر
وعلى الرغم من أن نزاع الصحراء الغربية لم يكن المحرك الرئيسي للتوترات بين الجزائر والمغرب، إلا أنه يظل المسرح العسكري الذي يحمل خطرًا محدودًا ولكنه متصاعد لحدوث تصعيد غير متعمد.
ويهدف المغرب إلى تسوية هذا النزاع من خلال التفاوض مع جبهة البوليساريو والجزائر (التي يعتبرها المحرك الحقيقي للبوليساريو) وموريتانيا.
وتتمثل أهدافه في الاتفاق على شروط نقل الصلاحيات إلى الصحراء الغربية المغربية بحيث تظل المنطقة تحت سيادته، وهو ما يُعرف بخطة الحكم الذاتي.
حوادث التصعيد المحتمل
ومنذ عام 2021، هددت سلسلة من الحوادث في المنطقة العازلة بإشعال مواجهة بين البلدين. ففي نوفمبر 2021، أدى هجوم مغربي مزعوم إلى مقتل مجموعة من سائقي الشاحنات الجزائريين في الصحراء الغربية، مما دفع الجزائر إلى التهديد بالرد، قبل أن تقتصر على احتجاج دبلوماسي.
وفي عام 2022، كانت بعثة الأمم المتحدة للسلام في الصحراء (مينورسو) على وشك الانسحاب من المنطقة العازلة بعد قصف المغرب لإحدى شاحنات الإمداد التابعة للبوليساريو.
وردًا على ذلك، هدد المغرب بالسيطرة على المنطقة، مما أثار احتمال مواجهة القوات المغربية للجيش الجزائري على الحدود مع الصحراء الغربية.
وفي أكتوبر 2023، أصاب صاروخ تابع للبوليساريو مدينة السمارة، مما أسفر عن مقتل مدني مغربي. وألقت الرباط باللوم على الجزائر بشكل صريح في الهجوم.
دور الولايات المتحدة والأوروبا
ولعب ضبط النفس المتبادل والتدخل الأمريكي دورًا رئيسيًا في احتواء هذه الحوادث. ففي ظل إدارة بايدن، عملت واشنطن على تهدئة مخاوف الجزائر الأمنية مع الحفاظ على علاقاتها مع المغرب.
ومع ذلك، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تغير هذه الديناميكية. فخلال ولايته الأولى، تجنب ترامب اتخاذ موقف بشأن الصحراء حتى ديسمبر 2020، عندما اعترف بسيادة المغرب على المنطقة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومع عودة ترامب، قد تزداد التوترات، خاصة مع تراجع الدور الأمريكي كوسيط. وقد أظهرت الجزائر والمغرب مؤشرات على القلق في الأسابيع التي تلت إعادة انتخاب ترامب، بما في ذلك تصريحات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة التي حذرت من استعداد الجزائر للحرب، وقيام البوليساريو بقصف مناطق في الصحراء.
دور أوروبا في احتواء الأزمة
وفي ظل تراجع الدور الأمريكي، يمكن للاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية الرئيسية أن تلعب دورًا أكبر في احتواء التوترات. ومع ذلك، يتطلب ذلك تنسيقًا أفضل بين الدول الأعضاء ووضع حد أدنى من التوافق حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة، التي تعاملت معها الدول الأوروبية حتى الآن على أساس ثنائي لحماية مصالحها الوطنية.
وفي ظل التغيرات السياسية الدولية، تظل العلاقات بين الجزائر والمغرب على حافة الهاوية. ومع تراجع الدور الأمريكي، يقع العبء الأكبر في منع التصعيد على عاتق البلدين نفسهما، بالإضافة إلى الجهود الأوروبية المحتملة.
وأشار التقرير الأمريكي، إلى أنه وفي الوقت الذي لا ترغب فيه أي من الدولتين في حرب مفتوحة، فإن غياب وسيط دولي قوي قد يجعل إدارة التوترات أكثر صعوبة في المستقبل.
تعليقات الزوار ( 0 )