Share
  • Link copied

فـي زمــن الـوبـاء.. المـــوت بلا عـــــــزاء !

“الحب في زمن الكوليرا” رواية نشرت باللغة الإسبانية عام 1985 للكاتب الكولمبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل. أما اليوم، فنحن نعيش رواية أخرى هي ” الموت في زمن كورونا “، حيث يضطر أكثر من 02 مليار إنسان إلى المكوث في منازلهم، تحوطا من انتشار فيروس “كورونا” المستجد، الذي يفتك بكثير من البشر على مستوى العالم، ولا يعلم أحد متى تنتهي هذه الكارثة التي أدت إلى تغييرات كبيرة في مفاهيم الحياة، وسلوكيات البشر المتعلقة بشؤون الحياة عامة، ولم يستثنى من ذلك حتى عادات الناس وموروثاتهم في الموت و الجنائز، تنافي ما اعتاد الناس عليه في حياتهم اليومية. فما الذي يعنيه الموت في زمن “كورونا” ؟

الموت في زمن ” كورونا ” يعني انتصار الفيروس على العلم والطب، و رحيل صامت للمصابين يقطع الأنفاس، بدون غسل ولا كفن أو مراسيم عزاء، و عائلات تودع أحبابها بلا سند أو مواساة لتواجه منفردة مصيبة الموت.. !

 الموت في زمن “كورونا” يعني أن يفقد المرء أقاربا وأحبابا، وتكون أقصى أمانيه رسم القبلة على جبين الفقيد، لكنه لا يستطيع لذلك سبيلا. ويحدث أن يرغب الجار في الانضمام إلى جاره لعناقه ومشاركته أحزانه، لكن شعورا بالعجز يتملكه ليكتفي بالنظر إليه من نافذة البيت ويستسلم للتوجع في خلوته.. !

الموت في زمن “كورونا “يعني إجازة عدم غسل الجثة على الطريقة الإسلامية المعتادة، لأن عملية الغسل تشكل خطرا على الأشخاص المكلفين بإعداد الجثت، كما أن طقوس الدفن تأتي خلافا للظروف العادية، حيث تخضع لمسطرة استثنائية تنظمها دوريات وزارة الصحة وفق إجراءات لا تحتمل الخطا.. !

الموت في زمن “كورونا” رحلة من دون صلاة بالمسجد، في جنازة بلا مشيعين نحو المقابر، بدون أقارب، ولا أصدقاء، و التعازي عن بعد، دون تسليم أو تقبيل كما كان معهودا به من قبل، كل شيء يتم عبر الهاتف، أو من خلال الرسائل النصية عبر ” الواتساب “، أو وسائل التواصل الاجتماعي.. !

الموت في زمن “كورونا” ينتهي بحضور الأهل والأقارب بعدد محدد، و منع الولائم والبدخ ونصب خيام العزاء، وحجرا صحيا عل أهل الميت وقيودا على عائلته.. !

تخيل ، لا قدر الله، أن تفقد عزيزا عليك دون أن تحظى بفرصة توديعه رغم أنك تعيش في المدينة نفسها، فلا تستطيع الصلاة عليه بالمسجد أو إقامة مجلس عزاء.. !

تخيل أن تقف بعيدا مرتديا قفازين وكمامة وأنت تودعه لمثواه الأخير، وأن يفرض عليك عزل نفسك عن الآخرين تجنبا لاحتمال نقل الفيروس الذي قتل شخصا عزيزا وقريبا منك، فتتحول مصيبتك إلى مصدر قلق وخوف من حولك.. !

وبعزاء أو بدونه، تبقى ذكرى موتانا طيبة في النفوس والقلوب، لن تمحيها السنين. أما الجائحة فهي زائلة، بإذن الله، لا محالة.. !

 *كاتب وباحث

Share
  • Link copied
المقال التالي