إذا كان المفكر/ المثقف هو مَنْ يُجَسِّد الموقف في لحظَة الحَرَج الفِكري والمِحنَة الإنسانية، فإِنّ المواقف هي التي تصنع الفارق بين الأوزان و القامات و بين المواقع والمراتب وليس الإسهَال في الحديث أثناء حالة الرّخاء.
فالمفكر/ المثقف بإعماله لآليات التحليل و ميكانيزمات التفكيك لواقع ما أو لمنظومة ما (حالة الوباء) يكون عضوياً في علاقته مع المجتمع على مستوى التأطير والتوجيه و مع انتمائه للوطن ويكون مُنسَجِماً مع ذاتِه وقَنَاعاتِه أو لا يكون.
فهو حين يكون كذلك فَإِنَّه يَتَمَوْقَف (مِن مُنطَلَق مَكَانَتِه الإعتبارية) بِمَعنَى أنَّه يتَّخِذُ رأياً و تصوراً ينحاز فيها ضمنياً لفكرة التعبئة والتهدئة الحقيقية (وليس انحيازاً إلى الذَّات والتَّمَترُس حول الأنا) انطلاقاً من واقع و موقع و على أسس علمية و أخلاقية وأيضاً استراتيجية وإجرائية في إطار علاقة تفاعل ترتبط موضوعياً بروافد الهوية الجامعية في تفاعلها مع دوائر الانتماء (المجتمع، الأسرة، المدرسة، الجامعة، …). فَيَسْطَع إشعاع التخطيط والتنظيم والتأطير والتوجيه في حَرَكِيَّتِه أمام إلتباس الواقع الوبائي فيخترقه و يَنْفَذ إلى محدداته و تمظهراته و إلى ظروف و شروط إنتاجه. هكذا تأخد فكرة التعبئة/التهدئة شكلها البنائي فتختار مساراً إنسانياً تتحرك فيه بثبات و تجرد و استقلالية وليس من خلال الإشاعات المغلوطة والأحاديث الكاذبة والتصريحات الآثمة.
يبرز المفكر/ المثقف في سياقات مجتمعية في إطار الإختلاف و التدافع (عكس التماثل) وغالبا ما يؤدي ثمن وكلفة الجرأة في إنتاج الموقف/ الفكرة في لحظة حرج، حيث تتضافر جهود بعض الهيئات الخاصة ذات الأبعاد الانتهازية و الاسترزاقية لإستنزاف ما راكمته ثقافة التضامن لمواجهة الجوارح وليس فقط الجائحة (المصحَّات والمؤسسات التعليمية الخاصة نموذجاً).
المفكر/المثقف عَادَة ما يَبصُم عن مواقف جريئة يُصَرِّح بها حول قضايا فكرية/سياسية/اقتصادية ومواضيع متعددة… مواقف أكبر من أن تقاس بِغُثَائية و رَدَاءَة من صنعوا الواقع المجتمعي/الجامعي بأساليب التملق والتسلق والتعلق وهم لا يفقهون الفرق في المَبْنَى والمَعْنَى بين حديث جامع، ومُتحدِّث مانع وحدث قاطع (كَوَبَاء كورونا)، فما بالك باتخاذ مواقف تاريخية مبنية على عناصر التحليل والتركيب استنادا إلى صحة المرجعية وسلامة المنهجية وإعطاء مضمون واعتبار للشهادة والمكانة الإجتماعية.
“هكَذا غَابَ المُتَحدِّث عن الحَدَث في زمن لا يَعلُو فيه الحديث عن كورونا بن كُوفيد التاسِع عَشَر”. إنّه الفرق بين الحَجرِ الفِكْرِي والحَجْر المَنْزِلِي، إلى اللِّقَاء ما بَعد 20 أبريل إِذَا كان لَنَا حَظّ بِأَمْرٍ من اللّه في البقاء.
حَفِظَكم الله من الوباء والبلاء
*كلية العلوم -جامعة محمد الخامس الرباط
تعليقات الزوار ( 0 )