مياه كثيرة مرت تحت الجسر، منذ أعدت الحكومة السابقة التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران ما بين عامي 2011 و2017 مشروع القانون التنظيمي للإضراب، وتمت المصادقة عليه خلال مجلس وزاري ترأسه الملك محمد السادس قبل أربع سنوات وتحديدا في شتنبر 2016.
منذ ذلك الوقت، أعلنت النقابات العمالية بالمغرب رفضها لعدد من مضامين مشروع القانون المثير للجدل، والذي أحالته الحكومة للمناقشة والتصويت غدا الأربعاء 16 شتنبر 2020.
وعلى الرغم من أن الدستور المغربي يكفل الحق في الإضراب، إلا أن مشروع القانون الذي يتكون من 49 بندا، ينص في المادة 5 على أن “كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”.
فيما تقول المادة الـ7 منه، بضرورة “إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمّال قبل خوض الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول”، زيادة على أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين.
وفي حالة الإضراب، يُمنع على المضربين عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، حسب المادة 13، فيما يعتبر مشروع القانون “العمال المشاركين في الإضراب حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم أنه “لا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن مدة إضرابهم”.
المادة 23 تنص على أنه “بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل. “، وتمنح المادة 26 من مشروع القانون لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون إمكانية مطالبته بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة.
لن يمر في هذه الظرفية
محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، يرى أنه من الصعب المصادقة على المشروع الحكومي للقانون التنظيمي للإضراب، خاصة في ظل هذه الظرفية الصعبة والتي زادتها الجائحة وتداعياتها صعوبة.
وقال زين الدين لـ “بناصا”، إن مشروع القانون تم إرجاء التصويت عليه مرات عديدة لحساسية الموضوع، إذ إنه من بين القوانين العالقة منذ سنوات، منذ عهد عبد الإله بنكيران ثم سعد الدين العثماني.
وأوضح صاحب كتاب “القانون الدستوري والمؤسسات السياسية”، أن هذا التأخير كان بسبب غياب تحمل المسؤولية السياسية بالإضافة إلى تداخل البعدين الاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي ازدادت وطأته بسبب “كورونا”، زيادة على الضغط القوي “للباطرونا” التي تطالب بمزيد من الإعفاءات والتسهيلات، وكذلك تضييق العمل النقابي في ظل فقدان مناصب الشغل والالتزامات الاجتماعية تجاه العمال.
المحلل السياسي، أفاد بضرورة التحلي بقدر كبير من التوازن بين المطالب المشروعة وضغط “الباطرونا”، والنقابات التي لا تود فقدان مصداقيتها التي هي أصلا على المحك.
تكبيل وتضييق
طرح مشروع القانون للتصويت بالبرلمان، يأتي وسط تعالي أصوات نقابات عمالية رافضة وغاضبة من الخطوة، وهو ما أعربت عنه المنظمة الديمقراطية للشغل التي وصفت مشروع القانون، بكونه “تكبيل وفرض لشروط جديدة لممارسة حق الإضراب، ما من شأنه فتح المجال أمام الانتهاكات الصارخة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمال والعاملات، وفرض القيود على إضرابات الحركات الاجتماعية والمهنية”.
واعتبرت النقابة العمالية أن مشروع القانون “انتهاك صارخ لحقوق ومكتسبات الطبقة العاملة، من شأنه أن يقوِّض كل البناء الديمقراطي الناشئ، ويشكل تهديدا مُحدِقا بأُسُس السلم الاجتماعي، قد تكون له تداعيات خطيرة تمس جوهر التجربة الديمقراطية الفتية برمتها، ويُعمق ضعف الثقة في المؤسسات وفي عدالة الدولة اجتماعيا ومجاليا”.
وقال المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل، إن المشروع الحكومي للقانون “تكبيل جديد لهذا الحق الدستوري واعتداء على الهامش الديمقراطي الذي جاء به دستور 2011، وهو الدستور الذي لم يجد بعد طريقه إلى التنزيل من خلال تجميد عدد من فصوله أو رفض تنفيذها، والتي من شأنها المساهمة في سبيل بناء مجتمع مُنصف لكل مكوناته وأبنائه، وعادل بينهم ومعهم في الحقوق كما في الواجبات، تحترم فيه حقوق العاملات والعمال من الاستغلال والاستعباد والتحرش والطرد والتسريح لأسباب نقابية”.
الاتحاد المغربي للشغل، دوره، عبَّر عن استنكاره، لإحالة الحكومة مشروع القانون التنظيمي “بدون أدنى استشارة مع الحركة النقابية”، مشيرا إلى أن ذلك “خرق سافر لالتزام رئيس الحكومة بالتشاور والتفاوض حول هذا المشروع مع الحركة النقابية قبل إحالته على البرلمان”.
وأعربت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، والتي اجتمعت استثناء للتداول في هذا الإجراء، عن احتجاجها “بشدة على هذا السلوك الحكومي المعادي للطبقة العاملة المغربية والحركة النقابية”، موضحة أن إحالة مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب على البرلمان “محاولة مفضوحة لاستغلال جائحة كورونا للإجهاز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة بدل حمايتها”.
المنظمة، طالبت الحكومة بسحب هذا المشروع “المشؤوم” وإعادته لطاولة الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف، معلنة عن “استعداد الاتحاد المغربي للشغل لمواجهة هذا المشروع التكبيلي لحق الإضراب بكل الوسائل النضالية.
تعليقات الزوار ( 0 )